أحمد حسين
زيارات متكررة في جميع المجالات، ومشروعات اقتصادية متنامية، وجهود مكثفة لتنمية العلاقات، كلها أدلة قاطعة – ربما لا تستحي منها دولة الإمارات – تؤكد أنها تمثل بوابة الخليج العربي للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم أن دولة خليجية مثل سلطنة عمان استقبلت رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكل رسمي معلن لم تبلغه أبو ظبي بعد، إلا أن الوزن السياسي للأخيرة والنفوذ الذي تسعى لترسيخه والأموال التي تنفقها في هذا السياق تجعل خطواتها الأخطر.
أبو ظبي ترحب بالصهاينة
مؤخرا، أفادت تقارير بأن رئيس حزب العمل الإسرائيلي آفي غباي، زار سرا الإمارات في ديسمبر الماضي والتقى بعدد من المسؤولين في أبو ظبي.
ونقل موقع أكسيوس الأمريكي عن مسؤولين إسرائيليين أن “غباي” وصل أبو ظبي على متن رحلة تجارية في الثاني من ديسمبر الماضي قادما من العاصمة الأردنية عمان، وأن الزيارة رتبها شخص يحمل الجنسية المغربية لديه علاقات وثيقة بالمسؤولين في الإمارات ونجح في الحصول على دعوة رسمية لرئيس حزب العمل الإسرائيلي.
“غباي” التقى في أبو ظبي مع 3 مسؤولين بارزين وناقش معهم “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي” والأنشطة الإيرانية في المنطقة والوضع السياسي الداخلي في الأراضي المحتلة.
وعندما عاد إلى إسرائيل في الرابع من ديسمبر أطلع رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) يوسي كوهين على تفاصيل اللقاءات التي أجراها في الإمارات، بحسب التقرير.
ورغم أن رفض التعليق على لقاءاته في الإمارات، إلا أنه قال إنه سيقدم قريبا مبادرة دبلوماسية لبدء محادثات مع الفلسطينيين والعالم العربي.
ليست الزيارة الأولى
اللافت أن تلك الضجة الإعلامية التي صاحبت زيارة رئيس حزب العمل الإسرائيلي، استغربها كثيرون، من باب أنها ليست الزيارة الأولى من نوعها لمسؤولين في حكومة الاحتلال إلى الإمارات.
ففي أكتوبر الماضي وصلت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، على رأس وفد رياضي إسرائيلي إلى الإمارات، في زيارة هي الأولى من نوعها للمشاركة في بطولة رياضية في أبوظبي.
(مسؤولو الإمارات استقبلوا الوزيرة الإسرائيلية بحفاوة بالغة)
وترأست ريغيف الوفد الرياضي الإسرائيلي الذي يشارك ببطولة الجودو العالمية، في العاصمة الإماراتية، بعد قرار الاتحاد العالمي للجودو إعادة المباريات.
رياضيا، سبق زيارة الوزيرة الإسرائيلية إلى الإمارات مشاركة أبوظبي والمنامة في “طواف إيطاليا 2018″، للدراجات الهوائية، الذي أُقيم في الأراضي المحتلة، مايو الماضي.
وفي أكتوبر 2016، زار السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة “داني دانون”، الإمارات، للمشاركة في أعمال مؤتمر دولي استضافته دولة الإمارات، وشارك فيه رئيس حكومة دُبي محمد بن راشد آل مكتوم.
(دانون في الإمارات)
في 17 يناير 2014، زار “سيلفان شالوم” وزير الطاقة الإسرائيلي آنذاك، الإمارات، على رأس وفد رسمي للمشاركة في مؤتمر مخصص لبحث موضوع الطاقة المتجددة.
وفي 16 فبراير 2010، زار “عوزي لانداو” وزير البنى التحتية الإسرائيلي آنذاك، أبوظبي، للمشاركة في مؤتمر لوكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة بالإمارات.
العتيبة كلمة السر!
ويبدو أن السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة هو كلمة السر والمفتاح السحري لملف تطبيع أبو ظبي مع الاحتلال، ففي ديسمبر 2017 نشر موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، تسريبا فضح سعي الإمارات لمعاقبة قطر، بسبب دعمها لحركة مقاطعة إسرائيل المعروفة باسم “بي دي إس”.
وأكد التقرير أن المراسلات بين العتيبة وروس تكشف عن رغبة إماراتية في تطبيع سريع مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لمصلحة تل أبيب في واشنطن.
لكن الحقيقة أن هذا التسريب مجرد حلقة في سلسلة كشفتها تسريبات سابقة من البريد الإلكتروني للعتيبة، تفضح خبايا العلاقات السرية والعلنية بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي.
(العتيبة مهندس التطبيع الإماراتي مع الاحتلال)
وسلط التقرير الإعلامي المنشور 31 يوليو الماضي بعنوان “رمال متصهينة” الضوء على القصة الكاملة للعلاقات الإسرائيلية الإماراتية.
تقارير إعلامية أخرى نقلت عن وثائق لموقع ويكيليكس، أن تنسيقًا اقتصاديًا ودبلوماسيًا وعسكريًا يجري بشكل متسارع بين الإمارات وإسرائيل، وتُظهر الدور الذي يقوم به العتيبة في الدفع بالتطبيع في اتجاه مراحل غير مسبوقة، كما تظهر أن أبوظبي لم تتحول إلى مرتع للمصالح الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية فحسب، بل أصبحت قاطرة تحاول جذب العالم العربي إلى السير في ركاب المنظور الإسرائيلي للمنطقة وقضاياها، وفي صدارتها القضية الفلسطينية.
وفي أغسطس الماضي، كشف موقع “ميديل إيست آي” البريطاني، أن العتيبة تواصل مع “عراب” القبة الحديدية الإسرائيلية، والقائد في جيش الاحتلال، عوزي روبين، بعد شهر واحد من العدوان على غزة عام 2012، ومع أهم مؤسسات اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.
كما تكشف الوثائق أنه في عام 2010 استقبلت الإمارات فريق الجودو الإسرائيلي بالتزامن مع اغتيال القيادي في حركة حماس “محمود المبحوح” في دبي بالتعاون مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد).
وبحسب الوثائق أيضًا، فإن الإمارات تعاقدت مع شركة “إيه جي تي” الأمنية الإسرائيلية لتأمين مرافق النفط والغاز، وكذلك إقامة شبكة مراقبة مدنية في أبوظبي، كما شاركت الإمارات نهاية العام الماضي في مناورات العلم الأحمر في اليونان إلى جانب إسرائيل والولايات المتحدة.
وفي مراسلات أخرى طلب المحلل البارز في واشنطن، وأحد أهم مفكري اللوبي الإسرائيلي هناك، “روبرت ساتلوف” من العتيبة في فبراير 2012، استضافة عشاء خاص لمجلس إدارة معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى والمناصر للاحتلال، ورد العتيبة بالإيجاب، وقال: “إن هذه فكرة عظيمة. سعيد باستضافة هذه المجموعة القوية”.
على الجانب الآخر، يتواصل الدور الإماراتي المناوئ للقضية الفلسطينية، بمعاداة المقاومة خاصة الإسلامية منها وفي مقدمتها حركة حماس.
تسريبات العتيبة كشفت عن لقاء عقد بين وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان ووزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، قبل الحرب الأخيرة على غزة عام 2014، أوصاه فيها الأخير بسحق حركة حماس.
(عبدالله بن زايد طالب إسرائيل بسحق المقاومة الفلسطينية)
كما اتُهمت الإمارات بالمسؤولية عن اغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح بأحد فنادق دبي عام 2010، حيث نقلت تقارير إعلامية، عن مركز الإمارات للدراسات والإعلام “إيماسك”، قوله إن رئيس شرطة دبي السابق الفريق ضاحي خلفان متورط في اغتيال المبحوح.
التقارير أضافت أن “المخابرات الإماراتية علمت بنشاط المبحوح وسبق لها أن أوقفته، واستلم خلفان ملف المبحوح وبدأ بالتواصل مع رئيس جهاز الأمن الوقائي السابق في غزة والقيادي الفتحاوي المفصول (محمد دحلان) لكي يمده بمعلومات عن المبحوح”.
وهنا تقود التفاصيل إلى الحلقة الأخطر في علاقة الإمارات بالمقاومة الفلسطينية، والدور الذي يلعبه “دحلان” منذ تعيينه مستشارًا أمنيًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في محاولة لي ذراع المقاومة وإخضاعها تحت الوصاية الإماراتية.
(رائد صلاح: الإمارات موّلت الصهاينة لتهويد القدس)
ولا يمكن في سياق الحديث عن التطبيع مع الاحتلال أن ينسى ما كشفه الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل (عرب 48).
“صلاح” قال في لقاء تليفزيوني في أبريل 2015، إن لديه وثائق وأدلة دامغة على أن الإماراتيين، متورطوين في شراء منازل في القدس المحتلة بمبالغ ضخمة لصالح مؤسسات يهودية.
اضف تعليقا