العدسة: محمد العربي

ارتبطت تصريحات سامح شكري وزير الخارجية المصري التي اتهم فيها كل من تركيا وقطر بدعم الجماعات المسلحة في ليبيا، بأكثر من مناسبة، حيث اعتبر البعض أن التصعيد المصري تجاه أنقره والدوحة، كان متعمدا، للتغطية على الأزمة التي أحدثها حديث رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي لقناة CBS الأمريكية.

بينما يرى آخرون أنها مرتبطة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة ضمن جولة بمنطقة الشرق الأوسط لبحث العديد من الملفات وفي مقدمتها الأزمة السورية، في حين ذهب فريق ثالث إلى أن القاهرة منذ فترة تقوم بالحرب ضد الدوحة بالنيابة عن الرياض وأبو ظبي اللذان يواجهان ضغوطا أمريكية ودولية لإنهاء الحصار المفروض على الدوحة.

اتهامات وردود

ووفقا للمتابعين فإن شكري استغل انعقاد اللجنة العليا المشتركة بين مصر والمغرب، لتوجيه الانتقادات والاتهامات للدوحة وأنقره، سواء في ليبيا أو سوريا، كما اعتاد، وهو ما يعني في النهاية أن الغرض كان توجيه الانتقادات وليس توصيف المشهد سواء في دمشق أو طرابلس.

وكان شكري أكد أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره المغربي أن بلاده تراقب عن كثب الأوضاع الراهنة في ليبيا، محذرا من التهديدات الجارية في ليبيا وتأثيرها على دول الجوار، مؤكدا أن سياسة تركيا لتهريب السلاح لليبيا تؤثر على استقرار دول المنطقة ودعم الميليشيات، مؤكدا أن قطر تنتهج سياسة تركيا فى ليبيا، داعيا لمواجهة من يقدم دعما لهذه التنظيمات، مطالبا المجتمع الدولي بمواجهة كل من يوفر أي قدر من الدعم لهذه التنظيمات، على حد وصفه.

وفيما يتعلق بسوريا تشير التقارير التي تناولت التصريحات إلى أن شكري لم يغلق أو يفتح الباب أمام عودة سوريا للجامعة العربية، إلا أنه على ما يبدو انتظر زيارة وزير الخارجية الأمريكي ليحسم هذه القضية، وهو ما يبرر تأكيده في نفس المؤتمر أن هناك حاجة لتقوم سوريا بمجموعة من الإجراءات لعودتها للجامعة العربية من خلال حل الأزمة سياسيا انطلاقا من رؤية الأمم المتحدة، والتصاقاً بقرارات مجلس الأمن 2254، وأنه عندما يتم ذلك يمكن الحديث عن هذا الأمر، ولكن في هذه الآونة ليس هناك جديد يؤهل لذلك، نافيا علمه بوجود أي توجه لحضور سوريا في القمة الاقتصادية المقبلة ببيروت، ولكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام ذلك عندنا ربط مشاركة دمشق بقرار مجلس جامعة الدول العربية، الذي سينعقد قبل القمة.

إهانة قطرية وطناش تركي

ويشير المراقبون أن الرد القطري على تصريحات شكري كان سريعا وحاسما وقاسيا، وربما أيضا مهينا، حيث اكتفت قطر بالرد على الوزير المصري بتغريدات لمدير المكتب الإعلامي بوزارة الخارجية القطرية أحمد الرميحي، ، والذي وصف اتهامات شكري، بدعم قطر وتركيا للمتطرفين والميليشيات المسلحة بليبيا، بأنها انعكاس لعجز النظام في مصر عن معالجة القضايا المجاورة له.

وأضاف الرميحي عبر تويتر قائلا: “سهل توزيع الاتهامات من نظام فاشل وقمعي وعاجز عن معالجة القضايا الإقليمية والمجاورة له”.

أما على الصعيد التركي فقد كان واضحا أن أنقره تعاملت مع التصريحات وكأنها لم يكن، في ظل اهتمام تركيا بالوضع الجاري في سوريا، رغم ظهور المسئولين بها في أكثر من مناسبة متعلقة بالأوضاع في المنطقة العربية.

صراع على الأرض

ويرى المتابعون أن اتهامات شكري لقطر وتركيا، سبقتها اتهامات أخرى للعقيد أحمد المسماري المتحدث باسم القائد العسكري خليفة حفتر المدعوم من القاهرة وأبو ظبي، والذي اتهم قطر وتركيا بدعم ما وصفها بالتنظيمات الإرهابية، بهدف سيطرتهما على مقدرات الدولة الليبية وثرواتها، وقد كشف المسماري المقيم بشكل شبه دائم في القاهرة، أن هناك تنسيقا مع دول الجوار بشأن المسائل الأمنية والتعاطي مع المستجدات على الأرض، منتقدا مشاركة تركيا وقطر في مؤتمر الفرقاء الليبيين الذي عقد قبل أسابيع بمدينة باليرمو” الإيطالية للتوصل لحل ينهي الحرب الدائرة في ليبيا بشكل سياسي.

وحسب المراقبين فإن التراشق بين الخارجية المصرية من جانب والقطرية والتركية من جانب آخر، يعكس الأزمة المستمرة بين المحورين التركي/ القطري من جهة، والمصري الإماراتي من جهة أخرى حول الملف الليبي، رغم أن البداية كانت بمشاركة قطرية وإماراتية ضمن قوات التحالف الدولي الذي أطاح بنظام معمر القذافي عام 2011، إلا أن سياسة قطر كانت أكثر نشاطاً من جارتها، إذ تشير تقارير عديدة لعدم اكتفائها بالتدخل الجوي لحماية المدنيين، وفق تكليف مجلس الأمن، بل تجاوزته إلى إدخال مئات السيارات المسلحة، عبر السودان، وتوفير مستشارين عسكريين لحلفائها من الإسلاميين.

وحول الموقف المصري ترصد تقارير إعلامية أن مصر ساهمت أثناء حكم المجلس العسكري، في إدخال الأسلحة، وتوفير دعم لوجستي للمسلحين في شرق البلاد، وكان من ضمن ذلك، السماح بدخول خليفة حفتر، الذي كان مقيماً بين القاهرة والولايات المتحدة. أما تركيا، فقد ترددت بداية في دعم جهود إسقاط القذافي، نظراً لحيازتها عقوداً مهمة في البلاد، لكنها انحازت إلى صف المعارضين بعد تحصيلهم دعماً دولياً واسعاً.

ووفق التقارير نفسها فقد بدأت الخلافات بين كل هؤلاء عام 2014، عندما أطلق حفتر عملية الكرامة من شرق البلاد، بدعم من النظام العسكري المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، والنظام الإماراتي، متخذين الإسلاميين عدواً لهما، سواء كانوا من القاعدة أو داعش، أو من الإخوان المسلمين، وهو ما لقي تأييداً من البرلمان الذي انتخب في ظروف استثنائية، ونقل نشاطه إلى الشرق، إلا أن رد الفعل جاء من غرب ليبيا، عن طريق “فجر ليبيا”، المدعومة قطرياً وتركياً، حيث سيطرت قواتها على معظم المنطقة الواقعة بين سرت والحدود التونسية، وصولاً إلى سبها في الجنوب الغربي، وقد لقيت تأييداً سياسياً من المؤتمر الوطني العام، الذي رفض الانتخابات التشريعية، وتشبث بتمديد عهدته.

ورغم التوصل لمصالحة سياسية نتيجة الضغط الدولي والتي اسفرت عن تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة فائز السراج، إلا أن الوضع لم يتغيّر، وصارت هناك جماعتين الأولى بالغرب يتزعمها السراج، والثانية بالشرق يقودها حفتر المدعوم مصريا وإماراتيا وسعوديا، رغم الرفض الدولي له.

هنا سوريا

وحسب التحليلات المختلفة فإن القاهرة، التي لم يكن لها وجود في الأزمة السورية، تريد أن تلعب دورا لدعم عودة نظام بشار الأسد، للمجتمع الدولي مرة أخرى في حال الانسحاب الأمريكي، إلا أنه على الجانب الآخر، فإن تركيا الرافضة للنظام العسكري المتواجد بمصر، ربما لن تقبل بهذا الدور، وهو ما يجعل الأمور في يد وزير الخارجية الأمريكي الذي زار القاهرة والتقى مع رئيس الانقلاب السيسي.

وتشير التقارير التي تناولت زيارة وزير الخارجية الأمريكي، إلى أن الرجل كان واضحا بأن زيارته بهدف الترويج لخطة بلاده المتعلقة بالانسحاب من سوريا، وإقامة حلف عربي موسع لمواجهة إيران، معولا على أن مصر سيكون لها دور في هذا التصور المقترح.

ومن هنا ووفقا للمراقبين جاءت تصريحات وزير خارجية تركيا بالتزامن مع زيارة نظيره الأمريكي للقاهرة، لتعلن أن تركيا، لديها أيضا شروط لمن سيدخل معها في اللعبة، وهو ما اعتبره البعض بمثابة الرد التركي على التصريحات السابقة للوزير المصري ولكنها بشكل غير مباشر.

وحسب تصريحات جاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، لشبكة “إن تي في” فإنه “إذا تأخر (الانسحاب) مع أعذار سخيفة لا تعكس الواقع مثل (الأتراك سيقتلون الأكراد) فسوف ننفذ قرارنا”، بشن عملية في شمال سوريا”.

وأضاف أوغلو أنه من غير الواقعي توقع أن تسحب الولايات المتحدة كل الأسلحة التي أعطتها لحليفتها من وحدات حماية الشعب الكردية السورية، والتي تعتبرها أنقره منظمة إرهابية، مؤكدا أن “السلطات الأمنية بالولايات المتحدة الأمريكية تسعى لدفع ترامب إلى التراجع عن قرار الانسحاب من سوريا.