العدسة – ياسين وجدي :
“إسرائيل والأكراد” اجتمعا معا في جملة مفيدة على لسان مسئول أمريكي بارز في طرح مريب في وقت دقيق تستعد فيه تركيا لاستكمال مسارها في سوريا للحفاظ على ما تبقى منها في مواجهة مختلف الأطماع.
“العدسة” توقف عند الطرح الأمريكي ، والذي يعزز الحديث الدائر عن إكمال مخطط يوصف على نطاق واسع بالخبيث لصالح تمرير دولة ثانية تمزق المنطقة ، اصطلح البعض على تسميتها “إسرائيل الثانية”، وهو ما نوضحه في سياق هذا التقرير..
السرطان الثاني!
لم يكن إعلان مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون من القدس المحتلة الأحد أن الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سوريا يجب أن يتم مع “ضمان” الدفاع عن حلفاء واشنطن في المنطقة، وخص بالذكر إسرائيل والأكراد، إلا أن تأكيد جديد بحسب مراقبين وسياسيين على زرع ما وصفوه بالسرطان الثاني في قلب الأمة العربية والإسلامية ، المعروفة إعلاميا باسم “إسرائيل الثانية”.
تقارير متواترة كشفت عن ذلك المخطط ، مع إعلان الكيان الصهيوني دعمه لاستفتاء إقليم كردستان للانفصال عن العراق في 25 سبتمبر 2017 ، حيث ظهرت معلومات عن علاقات خاصة بين الطرفين تذهب لبناء “إسرائيل ثانية” في هذه المنطقة لتمزيق العالم العربي، وهو ما عززه وجود تعاون اقتصادي بين حكومة الإقليم وشركات صهيونية بجانب نشاطات لشركات صهيونية لديها استثمارات في مجال الإعمار والاتصالات والاستشارات الأمنية والطاقة داخل مدن كردية في إطار السيطرة بالنفوذ على الموقع.
إنه “حليف الأحلام لإسرائيل”، هذا هو الوصف الذي أطلقه معلق الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف الصهيونية ألون بن دافيد ليختصر العلاقة الضاربة في التاريخ بين تل أبيب والكيان الكردي، موضحا أن دولة كردية تضم أجزاء من العراق وإيران وسوريا وتركيا ستمثل “حليف الأحلام لنا”، بحسب ما ذكرت صحيفة معاريف العبرية، نهاية يونيو 2015 الماضي.
مسمار حجا !
والوضع هكذا ، فإن مراقبون يرون أن الحماية الأمريكية الصهيونية المزعومة للأكراد دون تفرقة بين الشعب الكردي والمليشيات الإرهابية تظل بمرادف للتدخل وبسط النفوذ في مواجهة تركيا التي كشفت أكثر من مرة رفضها تهديدها سيادتها بمثل ذلك الدعم.
تركيا تقرأ المشهد من هذه الزواية جيدا فيما يبدو ، فعلى الرغم من حرص أكراد سوريا على بقائهم جزءاً من سوريا، فإن هناك مخاوف من النزعة الانفصالية لديهم، وازدادت بعد تصويت أكراد العراق لصالح الاستقلال، ما أدى لتحرّك عسكري من العراق وإجراءات صارمة من تركيا وإيران، اعتبرت أنقره فيها تنامي النفوذ الكردي السوري على حدودها تهديداً لأمنها.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان واضحا بشدة في رفضه طلب الولايات المتحدة من بلاده حماية المقاتلين الأكراد في سوريا، مؤكدا أن التصريحات التي أدلى بها “جون بولتون” “غير مقبولة” في ظل وجود ميليشيا “وحدات حماية الشعب” الكردية التي تصنفها تركيا كيانا إرهابيا، مضيفا أنه “إذا كانت الولايات المتحدة تعتبرهم (أخوة أكراد) فهي في وهم كبير”.
إنه استهداف مباشر لتركيا ، وهو ما يؤكده رأي عبد الحكيم خسرو أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين والمستشار السابق لرئاسة إقليم كردستان الذي كشف في وقت سابق عن أن الخطاب الصهيوني تجاه القضية الكردية هو سلاح تستخدمه دولة الاحتلال الصهيوني للضغط على تركيا ضمن دول أخرى لوقف اتهامها بانتهاك حقوق الفلسطينيين كنوع من الرد المماثل لتبرئة الذات.
مفيد يوكسل، المؤرخ التركي والباحث في الشأن الكردي يرى في هذا الإطار أن دعم واشنطن ومواصلتها تأييد الأكراد، مع السعي لتشكيل حكومات ودولة لهم يأتي في سياق السعي لانهيار سوريا لثلاث دول ، وجعل حزب العمال الكردستاني (الذي تصنّفه تركيا إرهابياً)، قوة ضغط ضد تركيا وغيرها.
ويربط البعض بين ما يجري حاليا ، وبين تبني رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق ديفيد بن غوريون نظرية ما سماه “الطوق الثالث” أو “تحالف الأقليات” في المنطقة الذي كان يستهدف بشكل رئيسي اليهود والأكراد وذلك في ستينيات القرن الماضي ، بحيث يتحول الأكراد في سوريا والعراق لدولة تحاصر تركيا فضلا عن مواجهة إيران والعراق وسوريا.
ويضع تحليل لمعهد واشنطن لسياسة شرق الأدنى، بعنوان “إدارة التحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة وأكراد سوريا”، يده على سر الدعم الأمريكي المتصاعد لقوات تصنفها تركيا إرهابية موضحا أن أهمية الحفاظ على علاقة الطرفين تنبع من رغبة واشنطن ممارسة نفوذ في سوريا، ومن احتمال نشوب صراعات عرقية في البلد بعد مرحلة “داعش”، ومن مواجهة الهيمنة الإيرانية التي تهدّد الهدف الإقليمي للولايات المتحدة.
التجارة بالأكراد !
في هذا الإطار ، وفي ظل الضغوط المتزايدة على الكيان الصهيوني والبيت الأبيض ، باتت التجارة بالقضية الكردية وفق نشطاء أكراد ورقة معتمدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني في مواجهة الضغوط خاصة من تركيا.
خيط المؤامرة برز بحسب مراقبين مع تبني الصهاينة لبعض الأزمات المرتبطة بالقضية الكردية، وكان في مقدمة ذلك الحملة التي قادتها الوكالة الصهيونية غير الحكومية “إيسرايد”، واللجنة اليهودية الأميركية للدعوة إلى “وقف إبادة الإيزيديين”، والتي يعتبرها البعض بمثابة تمهيد لـ”هولوكوست” جديد خاص بالإيزيديين اعتمادا على “التجربة اليهودية” بجانب الحديث عن دور اليهود الذين لا يتخطى عددهم العشرات في الإقليم.
وبحسب نشطاء أكراد ومتابعين فإن مواقف الدعم اللافتة ، مجرد “تجارة بالأكراد وقضيتهم” ، للتغطية من ناحية أخرى على جرائم الكيان الصهيوني وداعميه ، وهو ما يظهر بوضوح في تغطية وسائل الإعلام العبرية التي تركز على قواسم مشتركة بين ما يسمونه “نضالي” الشعبين الكردي والصهيوني والاستهداف الذي يتعرضان له في المنطقة!
تركيا واعية لهذا المخطط الخبيث بحسب وصف مراقبين ، وفي هذا الإطار حذّر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخرا ، من المساس بحقوق الأكراد مؤكدا أنه سيقف بنفسه في وجه جميع من يحاول المساس بحقوق الأكراد، وأن الدولة التركية لن تسمح بتجاهل حقوق وحريات الشعب.
أردوغان أوضح أبعاد المؤامرة قائلا : “لا تحاولوا البحث عن دولة للأكراد، لأن دولتهم هي الجمهورية التركية، ستبقى لغتنا التركية اللغة الرسمية للبلاد وقيمتها لا تختلف عن قيمة اللغة الكردية “، مضيفا أن الكفاح الذي تقوم به تركيا في العراق وسوريا، موجّه ضد نظام الاستغلال والاستعمار الذي تأسس من خلال ضرب شعوب المنطقة ببعضها البعض، منذ قرون.
مستقبل المشهد
المستقبل الكردي يحدده وفق تقدير موقف لمركز رفيق الحريري للدراسات في الشرق الأوسط التفاهمات المقبلة لإنهاء الوضع في سوريا ، مؤكدا أن أي سيناريو لمستقبل خط الفصل الجغرافي الجديد سيكون محكوماً أولاً بجملة من التفاهمات بين الدول المعنية بالشأن السوري، بحيث سيرسم هذا الاتفاق معالم جديدة للبلاد، فإما انتصار كامل للأسد وحلفائه أو خارطة جديدة للدولة السورية.
وبحسب مراقبين فإن الفرصة سانحة للأكراد لتأسيس دولتهم في ظل الدعم الأمريكي الذي يصطدم بالمواجهة التركية في سوريا ، وبالتالي لن يكون مطلقًا أو بدون سقف زمني، وسيظل مرتبطا بالموقف الميداني لما يجري على الأرض، خاصة ما تفاصيل الحل في الملف السوري هو الذي سيحدد إلى أي مدى ستكون العلاقة بين واشنطن والفصائل الكردية المسلحة، أما الموقف في إيران ، فإن البعض يرجح أن يظل حراك أكراد إيران مجمدا لحين اتضاح الرؤية في سوريا والعراق .
اضف تعليقا