العدسة: محمد العربي

لم يكن الخيار عشوائيا، ولا الزمن غير مدروس، هكذا يبدو خطاب وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو الذي ألقاءه من مقر الجامعة الأمريكية بالقاهرة على هامش زيارته للقاهرة أمس الخميس، والتقى فيها برئيس الانقلاب العسكري المصري عبد الفتاح السيسي.

خطاب المسئول الأول عن الخارجية الأمريكية رسخ لحد بعيد سياسة ترامب في منطقة الشرق الأوسط، ناسفا في الوقت نفسه سياسة سلفه أوباما الذي اتخذ من القاهرة أيضا مكانا للكشف عن توجه الإدارة الأمريكية في عهده عام 2009.

الفارق بين الخطابين كبير، فالأول وقف مع الشعوب لحد بعيد، ومثل رسالة تحذير للأنظمة القمعية والمستبدة التي كانت تتخذ من الإسلام فزاعة للغرب، أما الخطاب الثاني والذي جاء بعد عشر سنوات ساخنة، فقد وقف بجانب الأنظمة القمعية والديكتاتورية والعسكرية، طالما كانت تسير في الفلك الأمريكي الداعم لإسرائيل.

ماذا قال الوزير

وزير الخارجية الأمريكي كان واضحا في خطابه بأنه يدشن العهد الترامبي في المنطقة العربية والشرق الأوسط بشكل كامل، حيث لم يدخر الرجل جهدا في انتقاد سياسة بلاده تجاه الثورات العربية، التي اعتبرها سببا في الأزمات التي شهدتها المنطقة، واعتبرها نتاج طبيعي لسياسة الإدارة الأمريكية السابقة التي أبعدت الولايات المتحدة عن المحيط الشرق أوسطي.

ويرى البعض أن موقف الإدارة الأمريكية من التغيير الشعبي أو الثوري كان واضحا بالرفض وهو ما أعلنه بومبيو بشكل محدد عندما قال: “إن أمريكا صديقكم القديم كانت غائبة بصورة كبيرة في تلك الفترة لأن قادتنا أخطأوا في قراءة تاريخنا، والحظوظ التاريخية التي صادفت تلك الانتفاضات، وتم التعبير عن سوء الفهم الأساسي في هذه المدينة في العام 2009، وأثر بصورة سلبية على حياة مئات الملايين من شعب مصر وفي جميع أنحاء المنطقة”.

واستكمالا للموقف الرافض للثورات العربية أكد بومبيو في فقرة أخرى: “هنا وفي هذه المدينة بعينها وقف أمريكي آخر يخاطبكم وقال إن إرهاب الإسلام المتطرف لا ينبع من أيديولوجية وقال إن أهداف الحادي عشر من سبتمبر دفعت بلاده إلى التخلي عن مثلها العليا لا سيما في الشرق الأوسط وقال إن الولايات المتحدة والعالم الإسلامي بحاجة إلى بداية جديدة وكانت نتائج هذه الأحكام الخاطئة وخيمة، وبسبب إساءة التقدير بأننا قوة تساهم في آفات الشرق الأوسط تخوفنا من تأكيد قوتنا في حين أن ذلك الوقت شركاءنا كانوا يطالبوننا بذلك لقد أسأنا التقدير وبصورة فادحة في مدى قوة وشراسة الإسلام المتطرف وهو عبارة عن فرع محرف من الإيمان يسعى إلى قلب جميع أشكال العبادة”.

الكلمات السابقة اعتبرها البعض كانت بمثابة إعلان أمريكي واضح بأنها لن تقبل بأية تيارات إسلامية يمكن أن تصل للحكم في الشرق الأوسط، وهو ما مثل في الوقت نفسه دعما كبيرا للأنظمة المستبدة، التي على شاكلة الانقلاب العسكري بمصر برئاسة السيسي.

ووفقا للمتابعين فإن الرد على هذه النقطة من خطاب بومبيو جاء سريعا من أكبر حلفاء الشيطان الأمريكي في المنطقة وهي الإمارات حيث غرد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش عبر حسابه بتويتر واصفا الخطاب بأنه رسالة لدعم الحلفاء والأصدقاء.

ووفقا لتغريدته قال قرقاش: “كلمة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو… مهمة في دعمها للاستقرار الإقليمي وتشخيصها للأخطار التي تواجه المنطقة .. واشنطن عبر وزيرها، تؤكد على أهمية تحالفاتها ودعم أصدقائها”.

إيران وسوريا

على الجانب الآخر كان الرد الإيراني على خطاب بومبيو واضحا على لسان وزير خارجيتها جواد ظريف، الذي سخر من وصف الوزير الأمريكي بأن بلاده تمثل قوة للخير للمنطقة، حيث نشر ظريف تغريدة عبر تويتر ردا على كلمة بومبيو قال فيها: “حين تنسحب أمريكا من أي مكان حول العالم تحل الفوضى والقمع والعكس هو الصحيح”.

وفي المقابل طرحت العديد من التقارير الصحفية التي تناولت الخطاب تساؤلات عن أسباب السعي الأمريكي لإعادة سوريا للحضن العربي من خلال حلفائها بالمنطقة، ووفقا لمحللين أجابوا عن هذا التساؤل فإن التحركات الأمريكية النشطة بالمنطقة ترمي لمحاولة إعادة سوريا للجامعة العربية، قبل قمة تونس في مارس المقبل، في إطار الخطة الأمريكية الرامية لإبعاد إيران عن المنطقة.

ووفق معلومات مؤكدة فإن هناك نقاشًا ممتدًا بين الدول العربية وسوريا، بأشكال مختلفة لحسم هذا الملف قبل قمة تونس المقبلة، كما رصد المتابعون تغيرا في لغة السعودية تجاه عودة سوريا للحضن العربي مرة أخرى، حيث لم تعد الرياض مصرة على موقفها القديم المتعلق بالإطاحة ببشار الأسد.

ويرى المراقبون أن حديث بومبيو الواضح عن تشكيل قوة إقليمية عربية من دول الخليج ومصر والأردن وباقي دول المنطقة الراغبة في مواجهة إيران، كان بمثابة الرصاصة الأخيرة في خزانة أمريكا التي بدأت بالفعل الانسحاب من سوريا، تاركة المهمة في يد دول المنطقة التي يمكن أن تعلن خلال الأيام المقبلة الناتو العربي الإسرائيلي الذي تحدث عنه الوزير الأمريكي بشكل محدد عندما قال: “إن إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تعمل على تأسيس تحالف استراتيجي شرق أوسطي لمجابهة الأخطار الأكثر جدية في المنطقة وتعزيز التعاون في مجال الطاقة والاقتصاد، وهذا الجهد يجمع بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن و”نطالب جميع الدول اتخاذ الخطوة التالية لمساعدتنا في تعزيز هذا التحالف”.

قراءات مصرية

المصريون الذين استضافت بلادهم كلمة بومبيو اختلفوا في ردود الأفعال، فالفريق الداعم للنظام العسكري، هلل للخطاب بشكل منقطع النظير، واعتبره شهادة إجادة أمريكية لنظام السيسي العسكري بمصر، خاصة وأن بومبيو كان كريما في إشادته بالسيسي ووصفه بالشجاع الذي واجه التيار الإسلامي بمفرده، داعيا دول العالم الاقتداء به، حتى لو كان في المقابل مطالبته بالعديد من الإجراءات التي تكفل حرية الرأي.

على الجانب الآخر خرجت تعليقات محذرة من مغبة دعم الخطاب الأمريكي لسياسات القمع في المنطقة العربية، وهو ما تمثل في كتابات لشخصيات مختلفة كان في مقدمتها محمد البرادعي الذي قال: ” إذا كانت ” الرؤية” الأمريكية للشرق الأوسط، كما وردت على لسان وزير خارجيتها، تقتصر على مواجهة الإسلام المتطرف وإيران وضمان أمن إسرائيل والتفاخر بنقل السفارة إلى القدس دون أي إشارة إلى آمال وتطلعات الشعوب فى الحرية والكرامة فالرسالة واضحة : علينا أن نعتمد على أنفسنا وأنفسنا فقط”.

بينما وصف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة مصطفى كامل السيد، الخطاب بأنه يعكس الوجه القبيح لإدارة دونالد ترامب، فبدلا من مخاطبة الرأي العام العربي والإسلامي من مؤسسة مصرية هي رمز للتنوير، اختار الوزير الأمريكي الجامعة الأمريكية في القاهرة ، التي تمثل رمز للوجود الثقافي الأمريكي بالشرق الأوسط، وبدلا من مناصرة تطلعات الشعوب العربية والمسلمة لاحترام حقوق الإنسان، وعد الوزير بمساعدة حكومات الدول التي تنكر هذه الحقوق، وبدلا من الاعتذار عن سياسة حكومته التي تساند الاحتلال الإسرائيلي لأراض عربية وفلسطينية ، لم ينطق بكلمة واحدة عن حقوق الشعب الفلسطيني، وبكل صلافة دعا حكومات المنطقة إلي أن تساند سياسات حكومته في عقاب الشعب الإيراني ومكافحة الجماعات الإرهابية التي ساهمت حكومته في نشأتها وحمايتها.

بينما رأي السياسي والأكاديمي المصري حسن نافعة أن الخطاب عكس إصرار إدارة ترامب على قيادة تحالف عربي إسرائيلي لمواجهة إيران رغم قرار الانسحاب من سوريا وهو ما يؤكد أن إسرائيل هي التي تصمم وتقود سياسة أمريكا الشرق أوسطية، وأن انصياع النظم العربية لهذه السياسة سيفضي إلى كارثة عربية جديدة.

وهو ما ذهب إليه السفير فوزي العشماوي الذي أكد أن كلمة بومبيو، جاءت لتروج وتشرح السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط في ظل إدارة ترمب، وبيان الفوارق الأساسية بينها وبين سياسات أوباما تجاه المنطقة، وإذا كان أوباما قد أخطأ بالفعل في رهانه على التيار الإسلامي كأحد أهم محاور السياسة الأمريكية في إحداث الانتقال الديمقراطي بالمنطقة ، فإن سياسة ترامب تخطئ في تصويرها لإيران باعتبارها العدو الأساسي والخطر الأكبر في المنطقة ، متجاهلة تماما للتعنت الإسرائيلي ، والفقر ، والحكم المستبد ، وقتل السياسة وإغلاق منافذ التعبير، وإحباط الشباب الذين يشكلون أغلبية مجتمعات دول المنطقة ، واستمرار هدم الدول ثم الإحجام عن إعادة بنائها ، وعدم إنهاء المعارك مع التطرف والطغيان باعتبارها جميعا أهم المخاطر وأساس الاضطراب والتطرف في المنطقة.