أحمد حسين

ربما لم يحتر كثيرون في البحث عن المتورط الحقيقي في حادث تفجير طائرة مسيرة بقاعدة العند العسكرية باليمن، رغم إعلان ميليشيا الحوثي رسميا مسؤوليتها عن العملية.

مسؤولية القوات الإماراتية عن تأمين القاعدة، خاصة فيما يتعلق بالدفاعات الجوية، كانت مبعث الاتهامات التي طالت أبو ظبي بالتنسيق مع الحوثيين، فضلا عن غياب أي مسؤول عسكري عن المشاركة في العرض.

أصابع الاتهام

التفجير ليس كغيره من الحوادث، حيث أسفر عن مقتل 6 عسكريين وإصابة 21 آخرون، بينهم قيادات عسكرية رفيعة، داخل أهم وأحصن القواعد العسكرية اليمنية، والتي تقع في محافظة لحج، المجاورة لعدن، تحت سيطرة القوات الإماراتية ومظلة الحكومة الشرعية.

مصادر ألمحت إلى “احتمالية وقوف القوات الإماراتية وراء هذه الحادثة، بالتنسيق مع الانقلابيين الحوثيين في صنعاء، لتصفية كبار القادة العسكريين للحكومة الشرعية اليمنية، الموالين للرئيس عبد ربه منصور هادي”.

وبحسب تقارير إعلامية، فإنه لم يحضر أي مسوول عسكري إماراتي لهذا العرض العسكري، على الرغم من حضورهم الدائم لأي عرض عسكري يقام هناك.

القيادي في حزب المؤتمر الموالي للرئيس هادي، ياسر اليماني، وجه اتهاما صريحا لدولة الإمارات بالوقوف وراء العملية بهدف تصفية القادة العسكريين الموالين لهادي، وقال إن “ميليشيات الإمارات تستهدف القيادات العسكرية للسلطة الشرعية في قاعدة العند أثناء عرض عسكري، وعلى رأسهم رئيس هيئه الأركان النخعي ورئيس الاستخبارات طماح وآخرون بقصف جوي”.

(لحظة تفجير الطائرة الحوثية المسيرة)

وتساءل مستنكرا: “لماذا هذا القصف فقط يستهدف قيادات الشرعية العسكرية ولا يستهدف معسكرات وقواعد الإمارات؟ متى تستوعبون مدى التنسيق بين الميليشيات الحوثية والإمارات؟”.

ولعل تصريحات اليماني تلقي بظلال الشك والريبة تجاه الإمارات التي اكتفت رسميا بإدانة الحادث، نظرا لأن القاعدة لديها تجهيزات عالية، ويسيطر عليها جويا التحالف؛ ولكون العرض في العلوم العسكرية هو اختبار لمدى جاهزية القوات، فكيف يمكن أن تخترق طائرة مسيرة قاعدة جوية؟.

تحليلات سياسية لم تستبعد  وجود نية إماراتية للتخلص من القيادات العسكرية الموالية للرئيس هادي، التي كانت موجودة في أثناء العرض العسكري.

احتلال سقطرى وتهديدات عبدالله

لكن التساؤل الأبرز للمتابع العادي للشأن اليمني: أليست الإمارات جزءا من تحالف عربي تدخل عسكريا في اليمن لاستعادة الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي؟، فكيف إذن يمكن أن تفعل العكس وتعمل ضده؟.

الإجابة على هذا التساؤل تحيلنا إلى أزمة جزيرة سقطرى اليمنية التي حاولت الإمارات احتلالها في سياق محاولتها بسط نفوذها وسيطرتها على البلاد، وحين أجلت قواتها قال كثيرون إن الجلاء تمهيد لمزيد من الصراع المحتدم والحرب المستعرة التي تشنها الإمارات ضد الحكومة الشرعية.

حينها كشف “عبدالخالق عبدالله” الأكاديمي الإماراتي البارز ومستشار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، جزءا من نوايا الإمارات حيث هاجم من انتقد منهم دور بلاده في اليمن بالتزامن مع أزمة سقطرى.

وغرّد عبر حسابه في تويتر: “تطاولت شخصيات يمنية عديدة محسوبة على الشرعية مؤخرا بالقبيح من الاتهامات على الإمارات التي قدمت لليمن تضحيات لم تقدمه أي دولة في العالم..الإمارات السخية ستستمر في أداء واجبها تجاه اليمن لكن نكران الجميل سيكون ثمنه عسيرا لشخصيات بائسة اتضح أنه حتى الكلاب الضالة أكثر وفاء منهم”.

(المساعدات سلاح إماراتي للسيطرة على سقطرى)

الرسالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، هي حرب جديدة تعلنها أبو ظبي ضد الحكومة اليمنية الشرعية وليس ضد بعض المحسوبين عليها وفقا لتعبير “عبدالله”، فالوجود الإماراتي في سقطرى نال هجوما وافرا من رئيس الحكومة السابق أحمد عبيد بن دغر وغيره من المسؤولين وليس مجرد شخصيات محسوبة على الشرعية.

صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية قالت في تقرير لها إن جزيرة سقطرى اليمنية استبدلت “احتلالا باحتلال آخر”، مشيرة إلى أنه “مع بدء السعوديين بتأكيد أنفسهم في الجزيرة فإنهم يهددون الطموحات الهادئة للإمارات في هذا الجزء من العالم”.

وعلقت بأن سقطرى أصبحت في مركز الصراع بين الرياض وأبو ظبي التي ترغب ببناء إمبراطورية عسكرية تنافس الهيمنة السعودية، وعليه فإن الأمر ليس إلا مجرد بداية لأزمات أخرى قد تسعى الإمارات الجريحة من خلالها إلى استعادة ما ظنته في حوزتها.

الحرب على الشرعية

وفيما يخص الحرب التي تشنها الإمارات على الحكومة الشرعية بعد تهديدات مستشار ابن زايد، فإن المقدمات تقود إلى النتائج، وما حدث من وقائع خلال الفترات الماضية يكشف الستار عن تلك الحرب.

في فبراير الماضي، كشفت تقارير إعلامية أن الإمارات تعمل على إعادة إنتاج قوات صالح عبر تجميع بقايا القوات العسكرية الموالية له خاصة من وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي تم تشكليها في عهده لحماية نظامه وعائلته، حتى تلعب بتلك القوات دورا في شمال اليمن، كما استخدمت من قبل قوات الحزام الأمني وقوات النخبة الحضرمية والشبوانية في الجنوب.

السعي الإماراتي الجديد يأتي في سياق أدوار مشبوهة تمارسها أبو ظبي منذ مشاركتها في تحرير مدينة عدن العاصمة المؤقتة والتي تتخذها الحكومة الشرعية مقرا لها.

ورغم أنها المسيطرة على الأرض في المدينة الجنوبية، إلا أنها واجهت اتهامات رسمية من الحكومة الشرعية بالتورط في دعم الاحتجاجات المسلحة لانفصاليي الجنوب والتي قادت لإحكام سيطرتهم على المدينة أواخر يناير الماضي.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدر حكومي في القصر الرئاسي اليمني اتهامه الإمارات بدعم الانفصاليين تأكيدا لتفوق نفوذها في الجنوب.

وشهدت عدن، في يناير الماضي، معارك لمدة 3 أيام بين قوات الحماية الرئاسية التابعة للحكومة الشرعية وقوات تابعة لـلمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، حيث أعلنت قوات المجلس السيطرة على كامل مدينة عدن الساحلية.

ونقلت الوكالة عن مسؤول كبير في صفوف من قوات المجلس الانتقالي الموالية للإمارات قوله إن من الواضح أن الرئيس عبدربه منصور هادي والسعودية يحاولان تقليص النفوذ الإماراتي في الجنوب.

(الميليشيات المسلحة تفضح دور الإمارات في اليمن)

الصراع الذي تنكره الإمارات علنا وتموله في الخفاء، تفجر بين ما يسمى المجلس الانتقالي وهادي، عقب قرار الأخير في أبريل الماضي إقالة الرئيس الحالي للمجلس ومحافظ عدن “عيدروس الزبيدي”.

كما اختتم هادي 2017 بسلسلة قرارات شملت تغييرات أمنية وإدارية وحكومية واسعة، لكن أكثر ما لفت الأنظار الإطاحة بثلاثة من الموالين للإمارات أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي، وهم: “ناصر الخبجي” من منصبه محافظًا للحج، و”فضل الجعدي” من الضالع، وإقصاء “عادل الحليمي” من وزارة النقل.

الدلالة الأبرز في تلك القرارات أن هؤلاء المستبعدين حل مكانهم شخصيات مناوئة للمجلس الانتقالي وللإمارات ودورها المشبوه في اليمن، وهم: اللواء ركن علي مقبل صالح محافظًا للضالع إلى جانب مهامه قائدًا للواء 33 مدرع قائدًا لمحور الضالع، والعميد ركن أحمد عبد الله التركي محافظًا للحج قائدًا للواء 17 مشاة، وصالح أحمد الجبواني وزيرًا للنقل.

ولعل الممارسات العدائية التي تقودها الإمارات ضد الرئيس اليمني ليست وليدة اللحظة بل تمتد جذورها إلى نحو عامين، حيث لم يتوجه إلى عدن التي يُفترض أنها العاصمة المؤقتة للبلاد، نتيجة دور الإمارات المسيطرة على المدينة كليًا في ذلك.

وفي سبتمبر 2017، قصفت الإمارات قوات الحماية الرئاسية التابعة للرئيس اليمني، وكذلك منعت طائرته من الهبوط في مطار عدن الدولي، ورفضت تنفيذ قرارات رئاسية له في تغيير مدير مطار عدن الدولي ومناصب حكومية في المحافظة الجنوبية.

مصادر يمنية كشفت أنه مقابل الإسناد الجوي الإماراتي تحركت “ميليشيا الحزام الأمني” الموالية لأبو ظبي على الأرض باتجاه (خور مكسر) حيث مقر المطار، لفك الطوق الذي فرضته قوات الحرس الرئاسي على العناصر التابعة للقيادي في الجنوب صالح العميري المعروف بـ”أبي قحطان” بداخل مقر المطار، ثم اعترضت ميليشيا الحزام الأمني قوات من الجيش الوطني التابع للمنطقة العسكرية الرابعة أثناء توجهها نحو المطار، واشتبك الطرفان.

وقبلها بأشهر كانت حادثة قصف اللواء 23 في منطقة العبر بمحافظة حضرموت، جنوبي اليمن، حيث تعرض هذا اللواء، الذي كان يضم قوات موالية للرئيس “هادي”، إلى قصف من طائرات إماراتية قيل إنه “عن طريق الخطأ”؛ ما أدى إلى مقتل 53 جنديًا وجرح العشرات.