أحمد حسين
لم يستمر الجدل كثيرا، وسجل الموريتانيون السبق على نظرائهم في مصر، وبدأوا رسميا وبخطوات فعلية على الأرض التمهيد لولاية ثالثة لرئيس الجمهورية، بتعديلات دستورية مفصلة.
الطريق يبدو ممهدا أمام الرئيس، وسط عجز للمعارضة عن المواجهة لأن الأمر انتقل من مجرد المطالبات المخالفة للدستور إلى تعديل للدستور بصيغة قانونية، ستمر بسلاسة ودون أزمات.
البرلمان يمهد الطريق
52 نائبا في البرلمان الموريتاني (الجمعية الوطنية) وقعوا عريضة يعتزمون التقدم بها إلى البرلمان لتعديل الدستور بما يسمح للرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز بالترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة صيف 2019.
وقال عضو البرلمان عن حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” الحاكم “الداه صهيب” في تصريح صحفي مساء أمس الجمعة، إن نوابا من الحزب بدأوا توقيع عريضة تقترح تعديل المواد الدستورية التي تمنع الرئيس الحالي من الترشح لفترة رئاسية ثالثة في 2019.
وكان الرئيس الموريتاني قد أكد أن لن يترشح لفترة ثالثة لأن الدستور يمنعه من ذلك بسبب المادتين 26 و28 من الدستور اللتين تنصان حرفياً على أنه “لا يجوز لرئيس الجمهورية اقتراح تعديل المواد الدستورية المتعلقة بالحد من عدد الفترات أو دعم أو تشجيع أي مبادرة في هذا الاتجاه”.
(أغلبية الحزب الحاكم في البرلمان تتيح له تمرير التعديلات)
وقال صهيب، إنه ومجموعة من زملائه شرعوا بالفعل في إجراءات طرح مشروع قانون لتعديل المواد المحصنة في الدستور من أجل إتاحة فرصة الترشح للرئيس.
وأضاف أن هذا التعديل يهدف إلى التعديل فقط وليس كتابة دستور جديد وأن المقترح وقع عليه حتى الآن 52 نائبا وما زال النواب يتوافدون على مقر توقيع الوثيقة.
ونفى النائب أن يكون هناك توجيه أو إشارة من رئيس الجمهورية، متابعا: “من ينتظر من الرئيس إشارة معناه أنه غير صادق في التوجه لأن الرئيس قال قولته وهو بعيد من هذا.. لكنهم كمشرعين وكجزء من الشعب الموريتاني الذي خرج مطالباً الرئيس بالبقاء من حقهم مطالبة الرئيس بالاستجابة لندائهم ونداء أطياف الشعب الموريتاني”.
ويسيطر الحزب الحاكم على أغلبية مريحة (89 مقعدا) من مقاعد البرلمان وعددها 157، بينما يبلغ عدد نواب المعارضة الرافضة لتعديل الدستور نحو 30 نائبا.
المعارضة حاضرة
ويبدو الاحتمال الأقرب إلى التحقق، أن تمر تلك التعديلات المرتقبة دون أزمات مع المعارضة، التي كانت تعارض ترشح الرئيس لولاية ثالثة بالمخالفة للدستور، أما وأن الدستور سيتم تعديله بشكل قانوني فما الضير إذن؟.
الهمة التي يدفعها النواب الساعين لتمكين الرئيس من ولاية ثالثة، هي ذاتها التي يروج لها المعارضون، مثل رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض “محمد ولد مولود” الذي رأى، في مؤتمر صحفي، أن أصحاب المبادرات المطالبة بترشح الرئيس لفترة ثالثة تم توجيههم من قبل النظام الحاكم نفسه.
وأشار إلى أن هذه المبادرات تحث على انقلاب عسكري على السلطة القائمة، في حين أن القانون الموريتاني يجرم ذلك، مطالبا الرئيس باستخدام المادة 24 التى تلزمه بحماية الدستور.
(المعارضة تبدو مغلوبة على أمرها أمام مخططات السلطة)
وبلهجة مشددة حمّلت المعارضة الرئيس الموريتاني “مسؤولية ما قد ينجم عن هذه المبادرات من فتن وقلاقل عصفت ببلدان قادها إصرار قادتها على التمسك بالسلطة للخراب والدمار”.
لكن الرئيس الممسك بزمام البلاد ربما يفوت الفرصة على أية قلاقل قد تواجه مسيرة التعديلات الدستورية، التي يتم تسويقها الآن باعتبارها إرادة الشعب ورغبته.
المعارضة تدرك ذلك أيضا، فتوجهت بعض قواها إلى القبول بالأمر الواقع والمشاركة في الانتخابات المقبلة، حيث قررت الأحزاب المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة المعارض، وأحزاب تكتل القوى الديمقراطية، واللقاء الديمقراطي، وحزب التناوب الديمقراطي، تقديم مرشح موحد للانتخابات الرئاسية المقبلة.
الجدل أعاد للأذهان المطالبات الحثيثة، في أغسطس الماضي، لنشطاء بالحزب الحاكم بترشح ولد عبدالعزيز لفترة رئاسية ثالثة؛ ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل المعارضة، حينها.
واتهمت أحزاب المعارضة، حينها، الرئيس بالتحضير لولاية رئاسية غير قانونية، ودعت إلى التصدي لما سمتها مخططات البقاء في السلطة.
الجيش في الصورة
كالعادة في دول العالم الثالث، فإن أي حديث عن السلطة والحكم ومستقبل العملية السياسية والانتخابات وغيره لا يتم بمعزل عن المؤسسة العسكرية، التي تتفاوت نسب سيطرتها وتحكمها في الأمر من بلد لآخر.
الحالة الموريتانية يبدو فيها الرئيس، الذي يستعد لمعركة الولاية الثالثة مسيطرا إلى حد كبير على الجيش، بل ساعيا إلى إبعاد أي منافسين محتملين أو قياديين يمكنهم لعب أدورا مضادة له.
في نوفمبر الماضي، أجرى الرئيس الموريتاني تغييرات في مناصب عسكرية قيادية، الأمر الذي اختلف مواقبون في تقديره بين أمرين، أولهما رأى أنه بدء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية الترتيب لخطوات تضمن الاستمرار في السلطة بعد 2019.
أما التقدير الثاني فيذهب إلى سعي الرئيس إبعاد أي منافسين محتملين عن المشهد السياسي، وكذا إبعادهم عن المناصب العسكرية الحساسة التي قد تمكنهم من مواجهته إذا تعارضت المصالح.
(هل يحكم الرئيس الموريتاني قبضته على الجيش أم للجنرالات راي آخر؟)
وأصدر ولد عبد العزيز مرسوما بتعيين الفريق محمد الشيخ ولد محمد الأمين قائدا جديدا للأركان العامة للجيوش، قادما من منصب القائد المساعد للأركان الذي عين فيه منتصف العام الماضي حيث كان يتولى قبلها قيادة الجيش البري.
ويأتي التعيين الجديد بعد أسبوع من تعيين قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية صديق الرئيس المقرب الفريق محمد ولد الشيخ الغزواني وزيرا للدفاع في الحكومة الجديدة.
رأى كثيرون أن تعيين الغزواني وزيرا للدفاع هو الطريق نحو التقاعد الهادئ للرجل، وأنه لن يلعب دورا محوريا في مستقبل البلاد كما كان متوقعا.
ويوصف ولد الغزواني خلال السنوات الأخيرة بأنه مرشح السلطة الأوفر حظا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية، وربما تفسر تلك المكانة للغزواني تعامل الرئيس مع، حيث يعتبر منصب وزير الدفاع في المؤسسة العسكرية إداري أكثر منه عملياتي مؤثر كمنصب رئيس الأركان.
اضف تعليقا