أحمد حسين

نزيف خسائر لا يتوقف، ومصالح تتعطل، ومئات الآلاف ينتظرون رواتبهم، وأطراف تصر على مواقفها.. أزمات تشل جزءا من الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن أصبح الإغلاق الحكومي الجزئي الأطول في تاريخ الولايات المتحدة بدخوله اليوم الثالث والعشرين، مساء السبت.

فما الذي يعنيه الإغلاق الحكومي، وما هي الآثار المترتبة عليه، ولماذا يحدث في الأساس، وكيف يمكن للرئيس دونالد ترامب تجاوز الأزمة؟.

ماذا يحدث في أمريكا؟

حدث الإغلاق بعد فشل المشرعين في التوصل إلى اتفاق بشأن الميزانية، بعد إصرار ترامب على أن تشمل الميزانية الحكومية 5.7 مليارات دولار لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، إلا أن مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديمقراطيون رفض منح إدارة ترامب الأموال المطلوبة.

يقول ترامب إن بناء الجدار ضروري للأمن القومي، في حين يرفض الديمقراطيون توفير التمويل له، ويصفونه بأنه غير فعال ويهدر أموال دافعي الضرائب.

الإغلاق الحكومي الجزئي لا يعني توقف عمل كافة المؤسسات الفيدرالية التي تمول من قبل حكومة الولايات المتحدة، لكنه يقتصر على عدد من المؤسسات، ويعني أن التمويل لنحو 25% من مؤسسات الحكومة الفيدرالية قد نفد، وأن العاملين في تلك المؤسسات سيتوقفون عن العمل لحين توصل الكونجرس لخطة تمويل.

مطالبات لا تتوقف بإنهاء الإغلاق

الجيش على سبيل المثال يعتبر مؤسسة ضرورية إلا أن الجنود المشاركين في العمليات لن يتقاضوا رواتبهم بشكل مؤقت خلال فترة وقف العمل الحكومي، كما سيتوقف الموظفون المدنيون في وزارة الدفاع عن العمل.

راغبوا قضاء الإجازة وزيارة المتاحف أو حتى الحدائق والمتنزهات العامة وحدائق الحيوانات الوطنية لن يكون بمقدورهم هذا، لأن تلك المؤسسات تعتبر غير ضرورية وتتلقى تمويلا من الحكومة الفيدرالية وبالتالي ستغلق أبوابها ويتوقف موظفوها عن العمل.

يعتبر هذا الإغلاق الجزئي الذي بدأ في 22 ديسمبر الماضي ومستمر حتى كتابة هذه السطور هو الثالث خلال عام، حيث سبقه إغلاق من 20 إلى 22 يناير 2018، ثم إغلاق ثان في 9 فبراير.

ترامب حقق رقما قياسيا لم يسبقه أسلافه

ورغم أن ترامب دخل التاريخ من حيث أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أن العديد من أسلافه سبقوه، وكان آخرهم باراك أوباما في أكتوبر 2013 ولمدة 16 يوما، وفي ديسمبر 1995 أغلقت الحكومة 21 يوما في عهد بيل كلينتون، و3 مرات في عهد جيمي كارتر عام 1977، و8 مرات برئاسة رونالد ريجان بين أعوام 1981 و1987 لمدد مجتمعة وصلت 14 يوما.

خسائر بالجملة

بطبيعة الحال فإن الأمر ينطوي على خسائر اقتصادية كبيرة ونزيف لا يتوقف طالما استمر الإغلاق، حيث أظهر تحليل أجرته وكالة “ستاندرد أند بورز” أن استمرار الإغلاق الجزئي للإدارات الفيدرالية الأمريكية أسبوعين إضافيين سيكبد الاقتصاد 5.7 مليار دولار.

وأفادت الوكالة التي تعد من أهم وكالات التصنيف الائتماني الدولية بأن الاقتصاد الأمريكي خسر حتى الآن (مساء الجمعة 11 يناير 2019) 3.6 مليار دولار.

وأشارت إلى أن خسائر الاقتصاد الأمريكي إذا استمر الإغلاق لـ 35 يوما ستتجاوز ما طلبه الرئيس دونالد ترامب لبناء الجدار مع المكسيك.

وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد حذرت في وقت سابق من أن استمرار إغلاق الحكومة الأمريكية يسلط الضوء على ضعف مرحلي في رسم سياسة الموازنة.

وأشارت إلى أن الإغلاقات لم تؤثر على التصنيف السيادي المستقر للولايات المتحدة عند (AAA)، لكنه قد يعطي إشارة إلى أن النزاعات بشأن قضايا أخرى تشكل عقبة أمام وضع السياسة المالية.

الإغلاق يشل الحياة وخسائره لا تتوقف

في سياق متصل أوردت تقارير إعلامية ما قالت إنها توقعات محللي شركة Wells Fargo الأمريكية للخدمات المالية، بأن الإغلاق سيكلف الاقتصاد الأمريكي ملياري دولار في الأسبوع.

أما تقديرات مؤسسة S&P Global، وهي أكثر تحفظا، فإن تكلفة الإغلاق الحكومي قد بلغت حتى يوم الجمعة 11 يناير 3.6 مليار دولار، وهي تتوقع أن يكلف كل أسبوع من الإغلاق نحو 1.2 مليار دولار أو 0.05 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال ربع سنة.

وقالت بيث آن بوفينو، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في S&P Global Ratings إنه “في حال استمر الإغلاق الحكومي الجزئي لأسبوعين إضافيين، نقدر تأثيره الإجمالي بـ 6 مليارات دولار، ما سيكون أكبر من التمويل المطلوب لبناء الجدار على الحدود، وهو 5.7 مليار دولار”.

ورطة ترامب هل تحلها الطوارئ؟

وبينما غادر الكونجرس الأمريكي لعطلة نهاية الأسبوع ولم يتم تحديد موعد لإجراء محادثات جديدة بعد فشل المفاوضات، يصر ترامب على موقفه حتى ولو استمر الإغلاق لسنوات.

وقبل عدة أيام، هدد ترامب، باللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ الوطنية من أجل بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وفي حال جرى إعلان حالة الطوارئ الوطنية، سيكون بمقدور ترامب، أخذ جزء من ميزانية وزارة الدفاع لتغطية نفقات بناء الجدار.

ترامب أكد خلال حديث في البيت الأبيض أن هذه “ستكون أسهل طريقة للخروج من الأزمة” لكنه أضاف أنه يفضل ألا يقوم بذلك وأن يحسم الكونجرس المشكلة من خلال التشريع.

 

هل يلجأ ترامب للطوارئ أم يصر على موقفه؟

ترامب قال أيضا إنه لن يعلن حالة الطوارئ الوطنية الآن كوسيلة لإنهاء إغلاق جزئي لإدارته وتأمين التمويل اللازم لبناء الجدار، وتابع: “الحل السهل بالنسبة لي هو إعلان حالة الطوارئ الوطنية.. لكنني لن أفعل ذلك بسرعة كبيرة”.

وأضاف: “نريد أن يقوم الكونجرس بعمله.. ما لا نتطلع إلى القيام به الآن هو حالة الطوارئ الوطنية”.

لكن الرئيس الأمريكي اعترف بأن إعلان حالة الطوارئ سيواجه تحديات قانونية، حيث يتوقع أن يتعرض للمقاضاة إذا سلك هذا الطريق، وقال خبراء ومشرعون ديمقراطيون إن الموقف على الحدود مع المكسيك لا يشكل حالة طوارئ وطنية، وهو ما يمكن الاستناد إليه في مقاضاة ترامب.