العدسة – ياسين وجدي:
بينما تستعد الولايات المتحدة الأمريكية لحشد تحالف في مواجهة طهران تعذيه مضامين ثنائية الصراع بين السنة والشيعة ، لازالت سبل التعاون والتنسيق ماضية بشكل بارز بين إيران من جهة وبين حركات ودول محسوبة على المحور السني وفق المصطلحات الإعلامية الرائجة .
“العدسة” بحث في المشهد المعقد في المنطقة من تلك الزاوية في ظل التحريض الأمريكي المتصاعد بقيادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحليفه “بنيامين نتنياهو ” رئيس وزراء دولة الاحتلال الصهيوني ، في محاولة للإجابة عن التساؤل المحير : هل هناك أمل في إنقاذ المنطقة من ثنائية الصراع المذهبي نكاية في الخصمين التقليديين أمريكا وإسرائيل ؟، وهو ما يلزمه سؤالا ثانيا : هل الأمل في مصالحة بين السنة والشيعة لازال مستحيلا؟! وهو ما نتوقف عنده.
تحذير “لافروف” ومبادرة “تميم” !
في العام 2015 ، كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكثر وضوحا من الجميع شرقا وغربا، فيما كان أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، عمليا أكثر ، فالأول دق ناقوس الخطر من المواجهة المذهبية والثاني أطلق مبادرة لإنهاء الأزمة.
الأمير تميم أعلن في سبتمبر 2015 خلال كلمته أمام الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة أن بلاده مستعدة لاستضافة مؤتمرٍ، يجمع إيران مع جيرانها العرب لمناقشة جميع القضايا التي تهمهم، مؤكداً أن الصراع في المنطقة، ليس صراعاً سنياً شيعياً، بل هو خلافٌ سياسيٌّ بين إيران وجيرانها العرب.
سبق ذلك إعلان قطر في يناير 2007 خلال رعايتها مؤتمر حوار المذاهب الإسلامية توفير بيئة للحوار بين القيادات الدينية في المذاهب الإسلامية في محاولة لنزع فتيل ما يتردد في الإعلام وقتها من احتمال دخول المنطقة في حرب مذهبية طائفية قد تحققت فيما بعد.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أعلن بدوره في رسالة توجه بها إلى المشاركين في الدورة الـ42 لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي أن “ملامح المواجهة الشاملة بين السنة والشيعة في الشرق الأوسط باتت أكثر جلاء”، ودعا بشكل دارمي إلى اتخاذ خطوات عاجلة لتجاوز الخلافات.
وزير الخارجية الروسي أحال مهمة العلاج إلى منظمة التعاون الإسلامي والتي وصفها بأنها “أنشئت من أجل تعزيز الوحدة والتضامن بين المسلمين” مؤكدا ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة لاستعادة الثقة والتفاهم بين أتباع مختلف المذاهب الإسلامية اعتمادا على المساعدة من الشخصيات الدينية البارزة والعلماء والقوى الاجتماعية، ولكن يبدو أنه لم يسمع له أحد حتى الآن وفق ما هو مرصود.
تجربة حماس وإيران !
ورغم المواجهات الخشنة التي تطورت مع الربيع العربي بين السنة والشيعة ، ظلت العلاقة بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإيران كأحد أبرز تجارب التعاون بين أبرز مذهبي الأزمة، انطلاقا من علاقة مدروسة بعناية بدأت تأخذ طابعاً رسمياً بعد عام من تاريخ 1990، إذ شارك وفد الحركة في مؤتمر دعم الانتفاضة الفلسطينية بطهران في نوفمبر 1991، وحينها طلبت القيادة الإيرانية تمثيلاً رسمياً للحركة في طهران، كما تطورت العلاقة مع حزب الله اللبناني الموالي لإيران أيضاً، خصوصاً بعد إبعاد عدد كبير من قادة حماس إلى مرج الزهور في لبنان أواخر سنة 1992.
المراقبون يرون أن ما أسهم في تقوية تلك العلاقة، كان اشتراك هذه الأطراف في مسار المقاومة، وحاجتها لبناء علاقة تساند استراتيجي؛ لتعضيد هذا المسار وتدعيمه ، حيث انطلقت من التوازن دون الانحياز لأحد الأطراف الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، ما كان للخلفية الإسلامية الحركية للطرفين، ورؤيتهما لوجوب تحرير فلسطين كاملة من نهرها إلى بحرها، وعدم الاعتراف بـ”إسرائيل”، دورها في تقريب وجهات النظر والتعاون في مسار المقاومة المسلحة، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، فيما قدَّرت إيران وزن حماس الشعبي والسياسي والمقاوم، فاعتبرته من ناحية سياسية مدخلاً لدعم مصداقيتها الإسلامية، ولوزنها ودورها الإقليمي.
وبحسب تقدير موقف صادر عن مركز كارنيجي في العام 2018 ، فإن اعتماد كل من حركة حماس وحزب الله الذراع الإيراني البارز في لبنان لنهج مرن ، سمح لهما بمواجهة التقلّبات التي مرّت بها علاقتهما خلال السنوات الأخيرة، موضحا أنه على الرغم من الاختلاف بينهما في وجهات النظر الدينية، تتشارك حماس وحزب الله بعض المعتقدات، تحديداً قبول الاجتهاد، أي التفسير العقلاني للمصادر الإسلامية الأساسية الذي يساعد على جعل فكرهما السياسي قابلاً للتكيّف، هذا فضلاً عن أن مفهوم المقاومة هو عنصر محوري في هويّتَي التنظيمين منذ تأسيسهما.
التجربة التركية الإيرانية!
تجربة تركيا وإيران في التنسيق والتعاون بعد المواجهة والصراع ، لافتة في هذا المسار.
ووفق الباحث سعيد الحاج في تقدير موقف نشره مركز الجزيرة للدراسات، فإن العلاقة بين تركيا وإيران حفلت في فترات كثيرة بالمواجهات والصراعات، باستثناء السنوات الأولى بعد الحرب العالمية الثانية التي شملت انضمامهما لحلف بغداد، كان أبرزها إبان الثورة في إيران عام 1979 بسبب الخوف من تأثيرات الثورة على الحركة الإسلامية التركية وهو ما كان من أسباب انقلاب عام 1980 في تركيا.
بداية الانتقال إلى مربع جديد في العلاقات جاءت بحسب تقدير الموقف ، مع تصدر حزب العدالة والتنمية، حيث نشطت أنقرة في سياسات الوساطة وتخفيف التوتر في الإقليم تحت عنوان سياسة تصفير المشاكل، وهو ما أثمر علاقة تجارية نشطة بين الطرفين خلال سنوات حصار طهران، وتُوِّج باتفاق تبادل اليورانيوم الثلاثي عام 2010، ولكن تلك المرحلة تغيرت مع الثورات العربية، تحديدًا السورية، ثم الثورة المضادة وكل ما تبعها من تطورات وضعت الطرفين وجهًا لوجه؛ وإن كان بطريقة غير مباشرة؛ حيث أيَّدت طهران نظام الأسد فيما وقفت أنقره إلى جانب المعارضة، وأدَّى تعارُض المصالح والاصطفافات إلى توتر غير مسبوق في العلاقات بين الطرفين، وصل إلى الحرب بالوكالة أحيانًا، وخروج التصريحات التركية حول إيران عن الخطاب المألوف لدبلوماسيتها حتى عادت العلاقة لما كانت عليه تدريجيا بعد تراجع الدور الإيراني في سوريا نسبيًّا بعد التدخل الروسي، وتراجع تركيا عن مطالبات إسقاط النظام، وتصدير ضرورة الحل السياسي ومسار التفاوض.
هذا التعاون اللافت دفع صحيفة “الأهرام” المملوكة للحكومة المصرية إلى التساؤل : ما الذي جمع بين “الشامي ” و”المغربي” ؟ وهو تساؤل مصري دارج عن التناقض ، وأضافت في تقرير لها متسائلة :” ما الذي يمكن أن يجمع تركيا “السنية” وإيران “الشيعية” فى تحالف استراتيجى سوى “بعبع” الدولة الكردية التى تلوح فى الآفاق؟!”.
الملف الإقتصادي سبيل بارز في تعزيز التعاون ، حيث يؤكد المتابعون للشأن التركي الإيراني أنه على صعيد الاقتصاد، فإنه تعاون لم ينقطع أبدا رغم تصاعد الخلافات إزاء عدد من الملفات في المنطقة، ويبلغ التبادل التجاري بين البلدين، وفق إحصائية عام 2015، قرابة 30 مليار دولار، فيما تطمح تركيا إلى الوصول لأكثر من 60 مليار دولار كحجم للتبادل التجاري بينهما.
التوازن القطري الإيراني !
قطر وإيران انتهجا خطا متوازنا في علاقاتهما منذ نجاح (ثورة الخميني) وحتى اليوم، شكلا تجربة ثالثة ناجحة في التعاون.
وفق مراقبين فقد ظلت الدوحة العاصمة الخليجية الأكثر قربا مع طهران بل حققت قطر توازنا بين علاقاتها مع إيران ومستلزمات العضوية في إطار منظومة مجلس التعاون الخليجي، وعلى مدى نحو ثلاثة عقود هي عمر الجمهورية الإسلامية بإيران، ولم تصل العلاقات إلى حد الخصام ولم تعرف الطرق المسدودة كما حدث مع بعض الدول الخليجية الأخرى، كما لم تتسم بالحرارة في أحيان أخرى بفعل الانحياز الخليجي للعراق في حربه مع إيران.
وبحسب محللين فقد أثار الحصار الذي فرضته ثلاث دول خليجية ومصر ، بقيادة السعودية، على قطر، الحديث عن إمكانية أن يؤدي إلى تقارب قطري تركي إيراني، لا يشكل تحالفا ، ولكنه قد يمنح الأمل بعودة تعامل المسلمين مع بعضهم دون تصنيفات مذهبية بعد فترة من ترسيخ الانقسام النفسي.
منفذ الاقتصاد كان ملمحا بارزا للتعاون في ظل الحصار، أعلنت طهران أن التجارة مع قطر ازدادت بنحو 250 مليون دولار في وقت تعتمد قطر بشكل أكبر على الصادرات الإيرانية وخصوصا المواد الغذائية.
اضف تعليقا