العدسة: محمد العربي

تساؤلات عديدة مازالت تحيط بزيارة رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي للأردن صباح الأحد، والتقائه بالملك عبد الله، بعد زيارة سابقة لوزير الخارجية الأمريكي للقاهرة، والتي أعلن من خلالها سياسية بلاده تجاه منطقة الشرق الأوسط الساخنة.

التصريحات الرسمية التي استبقت الزيارة لم تخرج عن المعتاد من تصريحات دبلوماسية بأنها بهدف التشاور الدوري والتنسيق بين الجانبين في العديد من القضايا المشتركة، وفقا لما صرح به المتحدث باسم الرئاسة المصرية، والذي أشار إلى أن المباحثات تناولت تطورات الأوضاع والقضايا الإقليمية، وعلى رأسها الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، فضلًا عن بحث الجهود الرامية للتوصل لتسويات سياسية للأزمات القائمة، بما يُسهم في استعادة الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة.

كما لم تخرج التصريحات التي أعقبت الزيارة عن العبارات نفسها، حيث دعا الاثنين لأهمية العمل على استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، استنادا إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية بهدف التوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.

ووفق بيان الرئاسة المصرية فإن السيسي ثمن التنسيق القائم بين البلدين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك وحرصهما على تعزيز العمل العربي المشترك بما يسهم في التصدي للتحديات المتعددة التي تواجه الأمة العربية في المرحلة الراهنة.

لماذا الآن:

المتابعين لتطورات الأوضاع في المنطقة العربية والشرق أوسطية طرحوا العديد من التساؤلات عن الأسباب الحقيقية للزيارة ولماذا تجري في هذا التوقيت، وهل لها علاقة بزيارة وزير الخارجية الأمريكي للقاهرة قبل أيام وطرحه لرؤية إدارة ترامب الخاصة بقضايا المنطقة وعلى رأسها سوريا وإيران وفلسطين وإسرائيل وأمن الخليج، أم أن الزيارة لها علاقة بالزيارة السابقة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي بدأ بعدها سلسلة من الإجراءات العقابية تجاه قطاع غزة، أم أن الزيارة لها علاقة بالحدثين معا، وهو ما يجعل إسرائيل حاضرة بشكل أساسي في هذه الزيارة كما جرى في أخرى سابقة التقى على هامشها السيسي بنتنياهو قبل ثلاثة أعوام وتحديدا في فبراير 2016.

ويربط المتابعون بين زيارة السيسي وحصول الأردن يوم السبت على أكبر قرض في تاريخه من البنك الدولي، بقيمة 1.2 مليار دولار ذات فوائد بسيطة، حسبما أعلن وزير المالية الأردني.

ويرى المتابعون أنه رغم نفي وزير المالية الأردني، وجود اشتراطات سياسية أمريكية لتمويل القرض، إلا أن التحليلات التي تناولت الصفقة تشير لعكس ذلك، مستدلين بزيارة السيسي للأردن، التي يبدو أن لها علاقة بالتحضيرات والاتصالات ذات الصلة بجولة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو الأخيرة والتي شملت القاهرة وبدأت في عمان.

ووفق المتابعين فإن العلاقات الأمنية والسياسية بين عمان والقاهرة، تشهد خللا كبيرا في الآونة الأخيرة، خاصة وأن عمان غير موجودة في حسابات القاهرة فيما يتعلق بالتطورات السياسية والأمنية التي تخص القضية الفلسطينية.

ويرى هذا الفريق من المحللين أن امتناع الأردن عن تقديم أية إفادات متعلقة بالزيارة، على عكس الجانب المصري الذي استبقها بتصريح للمتحدث باسم الرئاسة المصرية، يزيد من التأكيدات المتعلقة بوجود أزمة في العلاقات الثنائية، خاصة وأن الأردن يرفض بشكل قاطع صفقة القرن التي أعلنها ترامب، ووافقت عليها السعودية، ويلعب السيسي الدور الأساسي في تنفيذها على أرض الواقع.

ويضاف لما سبق أراء أخرى تربط تطور العلاقات المصرية الأردنية، بحالة الجمود التام الذي تشهده العلاقات الأردنية السعودية نتيجة انفتاح الأردن على الجانب التركي، وهو ما يمكن أن تستغله مصر في ترطيب الأجواء مع الجانب التركي من خلال العاصمة الأردنية.

تطورات ساخنة

وحسب المراقبين فإن الإدارة الأمريكية الحالية تسير في اتجاهين أساسيين بمنطقة الشرق الأوسط، وكلاهما يشهد تعثرات وأزمات، أما الأول فهو صفقة القرن المزعومة، التي رفضتها الأردن بشدة ، رغم الدور الذي تلعبه في هندسة العلاقات العربية الإسرائيلية، بينما يمثل التحالف العسكري الخليجي والمصري والأردني وربما الإسرائيلي الاتجاه الثاني للإدارة الأمريكية في المنطقة.

ووفقا لما أعلنه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو خلال خطابه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، فإن هذا التحالف موجه في الأساس ضد إيران، وهو ما يضع الأردن في أزمة جديدة، خاصة وأن علاقته بإيران لا تشهد أزمات مثل العلاقات المصرية الإيرانية، أو الإيرانية الخليجية، وبالطبع الإيرانية الإسرائيلية ومن ورائها الأمريكية، ونتيجة لذلك فإن البعض يتوقع أن يكون تخوف الأردن من هذا التحالف، هو السبب الأساسي في زيارة السيسي.

ويرى المتابعون أن مشروع التحالف الذي تريده أمريكا، يحتاج لتوافق مصري سعودي أردني، ولذلك لجأت أمريكا للسيسي ليقوم بالضغط على الأردن من أجل القبول بالمشاركة في الحلف المزمع إنشاؤه، باستخدام ورقة الغاز المصري.

مصير عباس

وتدلل المعلومات التي استبقت الزيارة على أن مصير رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ربما كان حاضرا بشدة في المباحثات التي جرت في عمان، ووفقا لما أعلنه الأحد وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، جلعاد أردان، فإن الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية “الكابينيت” ناقش كيفية التصرف مع عباس، موضحا أن مصيره سيكون مشابها لمصير سلفه، الرئيس الراحل، ياسر عرفات.

وأضاف الوزير الإسرائيلي أن عباس هو الذي يتسبب بتسخين جبهة الجنوب حول قطاع غزة، بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال الضغوطات والخنق الذي يقوم به للقطاع، وبالتالي “تنفجر الساحة في وجوهنا”، حسب ما ذكرته وكالة سما الفلسطينية.

وكشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أنه جرى نقاش في “الكابينيت” يشبه النقاش الذي تعلق بمصير عرفات، عندما تم الإعلان عن أنه شخصية غير ذي صلة، وهناك أفكار لم تطرح بعد، ولكنها موجودة، مثل أن يمنع من العودة إلى الضفة الغربية، خلال إحدى سفرياته الخارجية.

وانطلاقا من ذلك فإن عباس الذي زار القاهرة مؤخرا، واستتبع الزيارة بسلسلة من الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة تمثلت في سحب قواته من معبر رفح، أوحى للجميع بأن القاهرة راضية عن هذه التصرفات، إلا أن الأخيرة يبدو أنها وضعت عباس في الفخ، عندما أرسلت وفدا أمنيا للقطاع من أجل التباحث حول آلية تيسير حركة المعبر، والبحث عن حلول حقيقية لإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يشهد ردود أفعال تصعيدية من كلا الجانبين.

ويرى المحللون أن ما نقلته وكالة سوا عن مسئول فلسطيني بأن الوفد الأمني المصري وعد بفتح معبر رفح بكل الأحوال سواء وافقت السلطة الفلسطينية على عودة موظفيها الذين انسحبوا من هناك الأسبوع الماضي أو لم توافق، يعكس أن ورقة الضغط التي استخدمها عباس لم تأت بثمارها، خاصة وأن المناقشات التي عقدها الوفد مع حركة حماس ثم ممثلي باقي الفصائل، تطرقت بشكل كبير إلى تثبيت التهدئة مع إسرائيل، وأن مصر في سبيل تحقيق ذلك سوف تواصل الضغط على الجانب الإسرائيلي من أجل تنفيذ كل ما تم التواصل بشأنه، أما ما يتعلق بملف المصالحة فإن اللقاء الذي تلى تصعيد عباس ضد حماس مباشرة، لم يتطرق لتفاصيل إضافية، بل إنه اعتبر الحديث عن إحراز تقدم في هذا الشأن وفي الوقت الراهن يكاد يكون مستحيلا.

وحسب التقارير الإعلامية المتعلقة بمعبر رفح فإن الوفد المصري وعد بفتحه وتشغيله في اقرب وقت باعتباره قرار من السيسي، وهو ما دفع الفلسطينيون إلي انتظار نتائج مباحثات الوفد الأمني المصري مع حركة فتح التي جرت برام الله.

وأخيرا اليمن

ووفقا لتحليلات أخرى فإن ملف اليمن لا شك بأنه كان حاضرا في المباحثات بين السيسي وعبد الله، خاصة وأن الأمم المتحدة وجهت الدعوة للأردن من أجل استضافة الجولة الثانية من المحادثات اليمنية بين الحكومة والحوثيين، وهي الدعوة التي مازال الجانب الأردني يتردد في قبولها، ومن هنا يأتي دور السيسي الذي يحمل في حقائبه كلاما من الرياض وأبو ظبي للأردن حول هذه الدعوة، في ظل التضييق الأممي على التحالف الذي تقوده السعودية من أجل إنهاء هذه الحرب القاسية على الشعب اليمني.