العدسة – ياسين وجدي:

بدأت ثورات الربيع العربي سلمية ملهمة للعالم ، ورويدا رويدا تسلل السلاح لبعضها تحت وطأة القمع المفرط واستخدام العتاد العسكري الحربي لسحق الثورة.

وفي الذكرى الثامنة لثورات الربيع العربي ، نتوقف عند ما جرى من تسليح للثورات السورية والليبية واليمنية كأمثلة بارزة في عسكرة موجات التغيير، لنرصد تبعاته والمستفيد منه حتى الآن.

عسكرة الثورة السورية!

وتصدر ثورة السوريين الاشكالية المطروحة ، ووفق دراسة مهمة لمركز ” مركز حرمون للدراسات المعاصرة” فقد استُدرج الشارع السوري وثورته السلمية صاحبة هتاف 🙁 سلمية … سلمية .. بدنا حرية ) إلى التسلّح والعسكرة استدراجًا، تحت وطأة رفض القمع المسلح والاعتقالات والتعذيب حتى الموت ، ولكن المستفيد بحسب الدراسة في ذلك كان النظام السوري بقيادة “بشار الأسد”.

مخطط العسكرة كان واضحا ، ودفع النظام الثورة بكل قوته وجميع أساليبه إليه ، وأشعله ظاهرة الانشقاق من داخل الجيش لبعض العسكريين و إطلاق النظام لعشرات المعتقلين الإسلاميين المتشدّدين من سجونه في السنة الأولى للثورة، في محاولة من صبغ الثورة بلون دينيّ متشدّد ومتطرّف ومسلح، اتخذها النظام فيما بعد ذريعة لاجتياح المدن واستقدام الميليشيات المسلحة الطائفية من لبنان وإيران والعراق.

المتطرفون كذلك استفادوا من ظاهرة التسليح ، ولعبت “داعش” دورا سلبيا أضر بالثورة السورية واستدعى مواقف دولية مناهضة وسلبية وأنعش بحسب الدراسة خوفا مكبوتا لدى “أقلية” استفاد منه النظام ، فضلا عن أنها قاتلت الفصائل المعارضة أكثر مما قاتلت النظام، وسيطرت على مساحات واسعة في سورية أغلبها تم بتسهيل من النظام، ومارست عنفًا وإرهابًا موثقًا جيّش العالم ضدها وضد الثورة السورية في آن واحد.

الولايات المتحدة الأمريكية استفدت أيضا إلى حد كبير من تسليح الثورة فقد استطعت تحقيق مصالح أمريكا والكيان الصهيوني في تقليم أظافر النظام السوري، بنزع سلاحه الكيماوي، واستمرار استنزاف قواته، وقوة الحليف الإيراني، وهو ما تحقق ويتحقق، مع بقاء بشار في السلطة بلا أنياب كخيار أفضل من البدائل الثورية الراديكالية خاصة الإسلامية والجهادية بحسب مراقبين.

وفي هذا الاطار يرى المحلل السياسي الأميركي البروفيسور مارك غوبن أن تسليح الثورة السورية أفقدها جزءا كبيرا من خصوصية نجاحها، فيما ذهب المحلل السياسي العربي ياسر الزعاترة إلى أبعد من ذلك مؤكدا أن الثورة السورية إذا مضت في سلميتها الأولى كانت ستطيح بالنظام شرط أن تدار بشكل صائب ، ومن خلال قوة مركزية تحدد الفعاليات وتحركها بشكل منضبط، لا سيما أن الوضع السوري بوجود غالبية ساحقة ضد النظام، كان مؤهلا تماما للوصول بالحراك السلمي خلال شهور نحو العصيان المدني، بخاصة في العاصمة.

 تسليح الثورة الليبية !

أفرزت ثورة 17 فبراير 2011 في ليبيا بحسب تقديرات  غير رسمية  نحو 1700 كتيبة أو ميليشيا مسلحة ، استمدت شرعيتها من المعارك العنيفة التي خاضوها حتى أسقطوا العقيد الراحل معمر القذافي بعد 42 عاما في الحكم، ولكنها خلفت وراءها صراعات لازالت مستمرة.

الصحيفة الألمانية البارزة”دويتشه فيله” تنبأت بأزمة ما بعد تسليح الثورة مبكرا ، حيث أعربت عن عقب انتصار الثورة في 2011 عن شكوكها في أن تعطل“عسكرة”الثورة الليبية حركة التغيير في العالم العربي خاصة أنها جاءت بعد نجاح الثورتين التونسية والمصرية وانتقال الاحتجاجات السلمية إلى دول أخرى آمال دعاة التغيير العرب، وهذا كان أول مكاسب الثورة المضادة التي لعبت بالصورة البائسة للتسليح في مواجهة الطامحين للتغيير.

المعارض الليبي حسن الأمين يبرر التسليح بأن طبيعة النظام الليبي هي السبب وراء ما حدث من عسكرة للثورة الليبية، حيث انزلقت الحركة الاحتجاجية الليبية إلى منحى عسكري، وتحولت المظاهرات السلمية التي انطلقت، في السابع عشر من فبراير 2017 ، في عدة مدن ليبية إلى حرب جبهات للدفاع عن نفسها، وهو مكسب يراه مهم في حد ذاته .

ولكن على الجانب الآخر ، استفادت العائلة المالكة السعودية من التسليح حيث سارعت إلى استغلال التحول الثوري الليبي لإخافة معارضيها والمطالبين بإجراء إصلاحات في البلاد، حيث تم توزيع رسالة هاتفية وقتها على الجوال على نطاق واسع،  تحذر من وجود أي قلاقل أو تظاهرات لأن ذلك سيؤدي إلى انفلات أمني كما حدث في النموذج الليبي .

الثورة المضادة في ليبيا كذلك استفادت من عسكرة الثورة ، وانطلق الجنرال خليفة حفتر في تشكيل “ميليشيا مسلحة كبيرة” استهدف بها الثورة تحت شعارات مكافحة الارهاب ، بحسب تأكيد خالد المشري رئيس مجلس الدولة في ليبيا .

وفي قراءة مبكرة أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان  رفضه وقتما كان رئيسا للوزراء لدعم فكرة تسليح ثوار ليبيا، معتبرا أن ذلك سيخلق وضعا مختلفا في ليبيا، وسيخلق بيئة ملائمة للإرهاب، قائلا بوضوح وصراحة :” لا نجد من الملائم عمل ذلك”.

اشكالية أصعب في الثورة اليمنية !

ورغم أن اليمن يعرف بأنه بلد السلاح، وتتحدث تقديرات غير رسمية عن وجود 60 مليون قطعة سلاح منتشرة بين القبائل، حرص الشباب عند انطلاق الثورة على الحفاظ على السلمية،  وانتهى الفعل الثوري بتسليم الرئيس هادي صالح السلطة، ولكن النظام السابق وعلى رأسه المخلوع عبد الله صالح، لعب بورقة إدخال البلاد في حرب شاملة وواسعة، واستخدم مليشيا الحوثي ولذلك كان “التسليح واجب اجباري” وفق ما يرى البعض.

السيناريو اليمني كان أصعب مع التسليح والحرب ، لأن الشعب اليمني كله مسلح، وعصفت الحرب وفق محللين بثورة الشباب اليمني، حيث تسبب الانقلاب في تسليح الشباب في إطار الدفاع عن النفس أولًا، ومن ثم عن الشرعية الدستورية.

وتنوعت طرق تسليح الشباب في اليمن وبات مرصودا بحسب مراقبين أن التسليح من طرف الرئيس المخلوع عبد الله علي صالح وجماعة الحوثي هو الأكثر فتكًا بالوضع الأمني، وتصاعد ملف التسليح بعد دخول الحلف السعودي الإماراتي في مواجهة الحوثيين ، وبات السباق في مجال التسليح مقدم على حل الأزمة واستفاد تجار السلاح بشكل كبير.

وتقدّر مجلّة التايمز البريطانية، تكلفة الحرب بنحو 200 مليون دولار يومياً، أي 72 مليار دولار سنوياً، و216 مليار دولار في ثلاث سنوات، فيما تقدّره مجلة فورين بوليسي بنحو 725 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى فقط، منها الصفقات العسكرية للمملكة.

مافيا السلاح أولا

بشكل لافت ، فقد حقق تجار السلاح الدوليين بمساعدة تطرف حركة “داعش” الارهابية مكاسب تفوق مكاسب الثوار حتى تاريخه، وباتت لغة الصفقات تعلو لغة الانحياز لمطالب الشعوب وفق ما هو مرصود.

وأنعشت صفقات السلاح العربية الاقتصاد الغربي بحسب تقارير متواترة بعد ثورات الربيع العربي وانتشار التنظيمات المتطرفة مثل “داعش” في عدة دول عربية، منها : سوريا والعراق وليبيا والحوثيين في اليمن ، وباتت البلاد العربية من وقتها سوقًا رائجة للسلاح العالمي،  من أبرزها صفقة السلاح السعودية التي التهمت 25% من ميزانيتها في عام  2014 .

وبحسابات الربح والخسارة يمكن القول بحسب البعض أن الخاسر الأول في تسليح بعض ثورات الربيع العربي هي الجماهير التي خرجت، حيث قُدّر عدد القتلى في الحرب السورية حتى عام 2016 حوالي 470 ألف، وفي اليمن قتل 58 ألف وبات 21 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، وفي ليبيا بلغ عدد القتلى 58 ألف قتيل، وبالإضافة إلى القتلى هناك ملايين النازحين واللاجئين والمشرّدين.

مؤسسة “روس أوبورون أكسبورت” الهيئة الروسية المشرفة على التعاون العسكري مع دول العالم على سبيل المثال حصدت عام 2012 صفقات سلاح وصلت قيمتها إلى قرابة ثمانية عشر مليار دولار، ركزت في بعضها على بلدان تناهض الربيع العربي أو بلدان الربيع العربي خاصة في ليبيا ، في ازدياد لحجم طلبيات السلاح الروسي مرتين ونصف بالمقارنة مع عام 2011 ، واحتلت المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية .

المركز الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم (SIPRI)، الصادر عام 2015، كشف عن ارتفاع  حجم الصادرات الأمريكية للأسلحة التقليدية الرئيسية إلى 31٪ بين السنوات 2005 – 2009، والسنوات 2010 – 2014 ، كما أشار إلى أن واردات الأسلحة لدى دول مجلس التعاون الخليجى ارتفعت بنسبة 71٪ خلال السنوات 2010 – 2014، واستحوذت بذلك على 54٪ من واردات الأسلحة إلى الشرق الأوسط.