العدسة- باسم الشجاعي:

“اتفق العرب ألا يتفقوا”.. مقولة استشهد بها كثيرون عبر التاريخ، ومازالت حتى الآن تلخص حال الأمه العربية، وما وصلت إليه من تشرذم وتفكك، ترجمه الحضور الباهت لرؤساء الدول وزعماء العرب للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الرابعة، التي عقدت في العاصمة اللبنانية بيروت.

القمة الاقتصادية العربية التي انعقدت  في بيروت بعد غيابٍ دام 6 سنوات منذ القمة التي عُقدت في الرياض 2013، وسط تمثيل ضعيف، بعدما اعتذر معظم الرؤساء والملوك عن الحضور وخفض مستوى التمثيل إلى حده الأدنى في القمة.

وشارك في القمة ثلاث رؤساء هما: ” القطري والموريتاني والعراقي”، واعتذر أمير الكويت وكذلك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، نظرًا لوجوده في نيويورك لرئاسة مجموعة “77 +” الصين.

ويرتبط الإحجام العربي عمومًا عن المشاركة بجملة أسباب، من بينها أن الدول العربية، ولاسيما منها الخليجية، تعتبر أن لبنان في المحور “السوري ـ الإيراني”، وهناك مخاوف من التهديدات الأمنية التي صدرت الأسبوع الماضي عن عدد من المسؤولين اللبنانيين، وكذلك الحوادث التي حصلت حيال الدولة الليبية وإنزال عَلمها.

ضف إلى ذلك سعى حلفاء الأسد في لبنان وعلى رأسهم حزب الله للضغط ومحاولة توجيه الدعوة بشكل رسمي للنظام السوري لحضور القمة، ما يعني اعترافًا عربيًا به وإعادة تطبيع العلاقة معه، وهو ما يؤكد أن مخاوف البعض بأن لبنان أصبحت ملحقاً بإيران، وخارجاً عن الشرعية العربية والدولية.

ومن بين الأسباب التي دفعت البعض لعدم المشاركة، هو الانشغال بالأوضاع السياسية المرتبكة داخل بلادهم، وهنا تجدر الإشارة للسودان، التي تشهد منذ 19 ديسمبر الماضي، احتجاجات تندد بتدهور الأوضاع المعيشية.

ليس الفشل الأول

تزامن عقد القمة في وقت تواجه الدول العربية تحدياتٍ جمة، في مقدمتها الخلافات البينية وإن كان بعضها قديم مثل الخلاف الجزائري المغربي، فيما جديدها استعصى على الحل رغم الوساطات الدولية، كالأزمة الخليجية التي قضت على آخر حلم عربي بتحقيق التكامل الاقتصادي والتنسيق السياسي العربي في المحافل الدولية.

حصار الدوحة، كشف أيضا مدى فشل مجلس التعاون للخليج العربي، وذلك حينما ذهب 3 دول من المجلس هي السعودية والإمارات والبحرين، لحصار دولة قطر ما أدى إلى تفتيت المجلس، والقضاء على المنجزات التي حققها على مدار ما يقرب من 3 عقود من العمل المشترك خصوصًا في الجانب الاقتصادي.

ملتقيات بروتوكولية

كما تحولت اللقاءات والقمم التي تعقد من أجل بحث العمل العربي المشترك، خلال السنوات الماضية إلى ملتقيات بروتوكولية، لا تغني ولا تثمن من جوع، وأثبتت بالدليل القاطع فشل العمل العربي المشترك.

ولعل النجاح الوحيد الذي حصده لبنان من انعقاد القمة الاقتصادية العربية على أرضه هو حسن الضيافة، أما النتائج السياسية كما الاقتصادية جاءت مخيبة للآمال، فالمشاريع التي طرحت ليست بجديدة بل طُرحت في قمة العام 2011 وبقيت حبرًا على ورق حتى الآن، ما يمكن لأي مراقب اختصار قمة بيروت بأنها تكرار لأفكار من دون مشاريع.

أسباب الفشل

وبحسب مراقبون فإن غياب الإرادة السياسية وتعارض المصالح والأهداف والرؤى والتوجهات والاستراتيجيات التي تأخذ اتجاهات متعارضة ومتباينة، هي أحد أهم أسباب فشل العمل العربي المشترك.

أما السبب الثاني يرجع إلى أن العالم العربي قائم على أفراد وليس مؤسسات وتأليه الحاكم،  على عكس النظم الحاكمة في الدول الأخرى خاصة الأوروبية والحكم فيها قائم على المؤسسات، وهو ما يجعل الاندماج والوحدة بين هذه المؤسسات أكثر سهولة.

ضف إلى ذلك ضعف المؤسسات السياسية العربية الخارجية في توضيح موقف عربي موحد حيال قضايا المنطقة بسبب تركيز كل دولة على إبراز حضارتها وموقفها الوطني دون أن يعنيها الشأن العربي.

أما عن الأسباب الخارجية، فيأتي على رأسها الدور الأمريكي الإسرائيلي، الساعي في المقام الأول لإفشال الوحدة العربية‏.

فالقوى الكبرى وعلى رأسها أمريكا ترى أن وحدة العرب ضربة لمصالحهم وأطماعهم في المنطقة، وتلك القوى تريد أن تظل المنطقة سوقا لمنتجاتها وسلاحها وموردا لا ينضب للنفط الرخيص الثمن، فلذلك نجدها تعمل على الضغط على الحكومات والأنظمة من أجل إعاقة وإضعاف المشروعات العربية المشتركة.

هل ستكون الإجابة تونس؟

مخاوف الفشل التي دائما ما تلاحق العمل العربي المشترك، أثارت مخاوف تونس، التي تسعى بشكل كبير لإنجاح قمة جامعة الدول العربية القادمة التي تحتضنها البلاد في شهر مارس المقبل لأول مرة بعد الثورة؛ حيث يكتسي الحدث رمزية خاصة جدا فتونس التي مازالت التجربة الوحيدة التي تواصل سيرها في طريق تكريس الديمقراطية، وظهر ذلك في فحوى تصريحات وزير الشئون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، الذي شددد على ضرورة تكثيف التشاور بين الدول العربية من أجل إنجاح القمة العربية التي تحتضنها تونس مارس المقبل، بما يعزز مسيرة العمل العربي المشترك وإيجاد الصيغ الكفيلة بتحقيق التكامل الاقتصادي المنشود، استجابة لتطلعات شعوب المنطقة العربية في التنمية والرفاهية.