العدسة – ياسين وجدي:

في الذكرى الثامنة لانطلاق ثورات الربيع العربي من مهدها من تونس الخضراء ، لازال يبحث أبناؤها المخلصون عن خارطة لاستعادة الحراك واستكمال الثورات المحاصرة حتى تاريخه.

في الخارطة المنشودة 4 بنود متكررة لدى الأبناء المخلصين ، تنطلق من التوافق الثوري وتتوقف في محطة مهمة هي بلورة مشروع سياسي ، مع وقف حملات التخويف وتجبيه الصفوف الخائفة في مربع الثورات المضادة ، مع استغلال اللحظة الفارقة لانطلاقة الاستكمال.

التوافق الثوري

وتواتر مطلب التوافق الثوري في بلدان الربيع العربي المحاصر في خرائط الثوار ، وبات يشكل أبرز مداخل الانطلاقة المنشودة وفق ما هو مرصود.

ومن نقطة البداية التي حققت نجاحات، يقف راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية ، مبشرا بهذا التوجه، مؤكدا أنه كان من أبرز عوامل نجاح الثورة التونسية التي تميزت بتناغم تركيبة المجتمع التونسي، والتنازلات التي قدمتها الحركة الإسلامية وتجنبها الاستقطاب الأيديولوجي، وإدارة الاختلافات واعتمادها نهج التوافق، والوقوف ضد قانون العزل السياسي.

” مسألة وقت “، هكذا يرى “الغنوشي” مؤكدا أن مسار الثورات في الدول العربية لم ينكسر، وما هي إلا مسألة زمن، وكلفة، ووعي نخب، لمواصلة الطريق نحو الحرية.

وفي هذا الاتجاه بدأت المبادرات عمليا مطلع العام الحالي ، ففي مصر دشن الوزير السابق د.محمد محسوب ورئيس جبهة الإنقاذ السابق د.محمد البرادعي تفاهما إعلاميا حول ضرورة التوافق على مبادئ تصلح للانطلاق .

 

نفس النداء أطلقه نصر الحريري رئيس هيئة التفاوض السورية مطالبا الجميع بالتوافق وتنظيم الصفوف من جديد ورفع الصوت في كل مكان في العالم داخل سورية وخارجها في نشاطات ومظاهرات واعتصامات تحرك العالم من جديد تحت شعار” لا سبيل للحل في سورية إلا الانتقال السياسي الحقيقي ومحاسبة المجرمين”.

 

وكذلك أطلق حزب البناء والعدالة الليبي نداءً مماثلاً ، مطالبا من أسماهم “الوطنيّين الشرفاء” إلى الوقوف صفا واحدا ضد مظاهر الإرهاب والتطرف والفوضى، وبذل المزيد من الجهود لإنهاء حالة الانقسام والتشظي، وتوحيد مؤسسات الدولة والعبور بالبلاد إلى بر الأمان.

المؤتمر السنوي الرابع لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة، والذي خصص مؤخرا لمناقشة موضوع (الانتقال الديمقراطي، الأسس والآليات) وضع اللبنة الأولى للتوافق بحضور مختلف أبناء الربيع العربي ، وأوصى بتحقيق مصالحة تاريخية بين مكونات العمل السياسي داخل الأقطار بمختلف اتجاهاتهم الفكرية، بما يقود إلى تعزيز مسيرة الانتقال الديمقراطي وجعلها الخيار الوحيد للجميع، وبالقدر الذي يؤدي إلى تقوية الموقف الداخلي للأوطان بما يمكنه من إنجاز شراكة حضارية على المستوى الخارجي وتحرير إرادته من حالة الاستلاب والتبعية.

بلورة مشروع سياسي!

ويذهب كثير من أبناء الربيع العربي وخبراء إلى ضرورة تصدر مشروع سياسي جامع للمرحلة المنشودة.

وفي هذا الإطار تحدث الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية المصري في ندوة نقاشية حول “الربيع العربي ” مؤخرا ، مؤكدا أن وجود مشروع سياسي توافقي جامع ضرورة مهمة لاستكمال أهداف الثورة وإقرار العدالة الانتقالية وشكل الدولة المصرية في المستقبل بما يساهم في معالجة الانقسامات والوصول إلى حالة من التوافق السياسي بين القوى المصرية، ومعالجة الانقسام والمصالحة المجتمعية.

وفي دراسة حديثة للخبير الاستراتيجي الدكتور محسن صالح فإن في حال استكمال الربيع العربي ، فإنه لابد من تقديم رؤية تغييرية عملية وحقيقية في ضوء مشروع وحدوي عربي إسلامي تحرري، يخرج من الانغلاق القـُطْري، لتنسيق الجهود فيما بينها وذلك عبر تقديم رموز قيادية تملك القدرة على حشد الجماهير، وعلى أخذ القرارات الحاسمة ودفع أثمانها.

وهو كذلك ما دعا إليه رفيق عبد السلام وزير خارجية تونس الأسبق مؤكدا أن مشاريع التعويق التي واجهت وتواجه ثورات الربيع العربي أخذت طابعا إقليميا ودوليا ، لا يمكن مواجهتها إلا بمشروع مضاد من جنسها، أي بنسج تحالفات إقليمية ودولية واسعة تأخذ بعين الاعتبار ما هو أهم على المهم.

وأرجع خبراء كذلك تحدثوا في مائدة مستديرة بمركز الجزيرة للدارسات الاستراتيجية في العام 2016  انتكاسات الثورة إلى أن الفاعلين (التقليديين وغير التقليديين) في حركة التغيير لم يستطيعوا بلورة مشروع سياسي مناسب للحظة التاريخية، بل أخذت القوى التقليدية المبادرة؛ فزاد الانقسام والصراع السياسي، ثم انتكست تجربة التحوُّل السياسي، بعد تدخل الدولة العميقة .

مواجهة حملات التخويف!

ويعتبر كثير من المراقبين وأبناء الربيع العربي أن مواجهة حملات التخويف من عودة الربيع العربي ، مهمة أولى للطلائع ، بحيث تتقدم عناصر الطمأنة على ماعداها ما يؤثر بالسلب على تماسك معسكرات الثورات المضادة.

ويستند هؤلاء إلى تجربة الثورات المضادة في حصار “الربيع العربي” حيث اعتمدت على فزاعات لتخويف الجماهير من الثورات ، وهو ما أقر به مؤخرا محمد دحلان الذراع الأيمن لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مؤكدا أن الثورات العربية أداة لتقسيم وتخريب الأوطان، وفق مزاعمه.

ووفق دراسة للأكاديمي المصري عبد الفتاح ماضي ، فقد عمدت الثورات المضادة إلى التخويف منذ اللحظة الأولى ، وعبر تحالف لها مع بعض رجال الأعمال والقوى التقليدية، استخدمت أدوات الإعلام لتشويه الثورات وشيطنتها ، وعادت مفردات النظم القديمة عن “الأمن والاستقرار” للظهور.

“الحرب على الإرهاب” انضم لعناصر الشيطنة والتخويف ، وبحسب مراقبين ، يتزايد كل يوم في الساحة الإعلامية العربية المناهضة للربيع العربي “خطاب تقريعي يتجلى في الهجوم الإعلامي والرسمي الشرس على مُخرجات الربيع العربي وتصويرها على أنها السبب الأساسي لما آلت إليه الأمور في المنطقة، حيث تتعمّد مصادر كثيرة الربط السببي بين تمدد حالة الفوضى وانتشار الاقتتال وبين المطالب التي رفعتها الشعوب منذ حوالي ثماني سنوات”.

استغلال اللحظة الفارقة!

تقديرات استراتيجية وتنبؤات كثيرة تتحدث عن عودة “الربيع العربي” ولكنها تشدد على ضرورة استغلال اللحظة الفارقة لاستكمالها حين قدومها خاصة مع الأزمات الاقتصادية الحالية.

وتوقعت دراسة حديثة لمركز كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط أن “تؤدي الثورات المضادة في المنطقة العربية إلى اندلاع مزيد من الثورات لاحقا”، وأرجعت ذلك إلى عدة أسباب وهي: الأجواء القمعية المفرطة التي تمارسها نظم الثورات المضادة، وفشل هذه الأنظمة في تحقيق أي من المطالب والأهداف التي نادت بها الشعوب، والاعتماد على إسرائيل” لحماية الأنظمة.

المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف يتوقع كذلك عودة للربيع العربي بنفس الأسباب الأولى ، مؤكدا أن السؤال بالنسبة للدول العربية لم يعد يدور حول “ما إذا”، ولكنه يدور حول “متى” و “من ستكون أولى الدول” التي تبدأ فيها الأزمة.

وأضاف نازاروف أنه إذا كانت الموجة السابقة من “الربيع العربي” قد نجمت عن أسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، فما أخشاه أن تواجه دول عربية هذه المرة أيضا تحديات من نفس النوع.

مراقبون يرون في هذا السياق أن القادم أكثر حدة ثورية ، وفي هذا الإطار يتوقع الكاتب “بلال التليدي “أن ثمة مؤشرات مقلقة تنبئ بأن العالم العربي، على الرغم من مرور هذه السنوات على اندلاع الربيع العربي، لم يتجاوز نقطة الخطر، بل دخل بالفعل في شروط سياسية واقتصادية ممهدة لفعل شعبي عارم، ربما يكون أكثر حدة من الانتفاضة الشعبية التي عاشها العالم العربي منذ سنة 2010، وهو ما ينتظره كثيرون.