أحمد حسين
يبدو أن المغرب أطلق رصاصة الرحمة على علاقته مع السعودية، لتختتم مرحلة غير مسبوقة من التوتر بين أعرق ملكيتين عربيتين، على خلفية الأزمة الخليجية التي اندلعت في مايو 2017.
فهل يعتبر الإعلان المغربي الأخير بشأن مشاركته في التحالف العربي باليمن وصولا بالأزمة إلى مرحلة اللاعودة، أم أن العلاقات السياسية بين الدول تموج بالمتغيرات لا تعترف بالثوابت؟.
خروج من التحالف
ورغم التوترات القائمة منذ حصار قطر، كان يُنظر دوما للمشاركة المغربية في التحالف العربي الذي تقوده السعودية باليمن على أنه شعرة معاوية التي تحافظ على البقية الباقية من علاقات البلدين.
الآن أذنت الرباط لهذه الشعرة أن تنقطع، بعد التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، والتي قال فيها إن بلاده “غيرت مشاركتها” في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
التصريح الذي جاء في مقابلة مع شبكة الجزيرة، يعد الأول من نوعه، عقب تقارير محلية أشارت إلى انسحاب الرباط من العمليات التي يقودها التحالف العربي.
ورغم أن تلك التصريحات لا تحمل تأكيدا على انسحاب المغرب من قوات التحالف، إلا أن التلميح بذلك يرقى لدرجة التأكيد.
تفصيلا قال بوريطة، إن المغرب شارك في أنشطة التحالف، و”غيّر مشاركته انطلاقا من تقييمه للتطورات على أرض الواقع، وانطلاقا من تقييم البلاد للتطورات في اليمن، خصوصا الجانب الإنساني”.
وبخصوص عدم مشاركة المغرب في العمليات منذ سقوط مقاتلة مغربية من طراز “إف 16” قال بوريطة، “كان هناك بعد ذلك مشاركة، ولكن البلاد قامت بتقييم مشاركتها، وكان هناك تطوير في كيفية المشاركة في شكلها ومضمونها”.
(حطام الطائرة المغربية باليمن ربما كان المشهد الأخير للرباط في الحرب هناك)
وتوفي طيار مغربي خلال مايو 2015، بعد سقوط مقاتلة من طراز إف 16 باليمن، تابعة للجيش المغربي.
وأكد الوزير المغربي عدم مشاركة بلاده في آخر المناورات العسكرية التي شاركت فيها دول الخليج، مضيفا أن بلاده لم تشارك أيضا في عدد من الاجتماعات الوزارية لدول التحالف.
يذكر أن المغرب غاب للمرة الثانية على التوالي بداية شهر يناير الجاري عن مناورات “الموج الأحمر” في السعودية.
ورفض بوريطة اعتبار حياد بلاده من الأزمة الخليجية لا مبالاة، مؤكدا أن موقف المغرب انطلق من طبيعة العلاقة الشخصية بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والقادة الخليجيين، ومن ثم اعتبر نفسه معنيا برأب الصدع، فعرض الوساطة لحلها، وليس معنيا بالاصطفاف مع طرف ضد آخر.
وبشأن استثناء بلاده من الجولة المغاربية الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال الوزير: “المغرب كان ضمن الجدول، ولكن كانت هناك ترتيبات وتوافقات حول التواريخ والمواعيد وغيرها، وحول الطموح الذي نريده من هذه العلاقات”.
علاقات تاريخية وشواهد الأزمة
تميزت العلاقات المغربية السعودية منذ عقود بقوتها ومتانتها، فقلما برزت على السطح خلافات عميقة بين المملكتين، وهي العلاقة التي تعمقت بشكل مضطرد منذ ستينيات القرن الماضي، نتيجة التحالف بين المملكتين لمواجهة المد القومي الناصري الذي أعلن العداء للأنظمة الملكية، وهو المد الذي اجتاح شمال أفريقيا وجزء كبير من الشرق الأوسط، ولم تسلم منه في شمال أفريقيا إلا الملكية المغربية.
هذه المتانة عبرت عنها المواقف المتطابقة في أغلب القضايا الإقليمية والدولية، والتي بلغت سنة 2011 مع اندلاع شرارة الربيع العربي حد اقتراح انضمام المغرب رفقة الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي.
(الصورة الودية تخفي وراءها علاقات متوترة)
غير أنه ومنذ تصدر ابن سلمان للمشهد السياسي بالسعودية تمر العلاقات بين المملكتين بفتور غير مسبوق، عبرت عنه العديد من المشاهد والمؤشرات يمكن إجمالها في التالي، بجانب التحالف العربي باليمن واستثناء المغرب من جولة ابن سلمان:
-دعم السعودية للملف الأمريكي المشترك لاستضافة نهائيات كأس العالم لسنة 2026، على حساب المغرب.
-إلغاء العاهل السعودي لعطلته السنوية المعتادة بمدينة طنجة المغربية.
-اقتصار آخر زيارة للعاهل المغربي بعد بداية الأزمة الخليجية على الإمارات وقطر دون السعودية.
-رفض المغرب الاستجابة لمطلب السعودية بتجميد حسابات مصرفية لأمراء سعوديين، عقب حملة الاعتقالات في فندق “الريتز كارلتون”.
-امتناع المغرب عن إعلان دعمه وتبنيه للرواية السعودية عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كما فعلت بعض الدول العربية.
لماذا الخلاف؟
وبجانب ما بات معروفا من إسهام للموقف المغربي من الأزمة الخليجية في تعكير صفو العلاقات مع السعودية، فإن ثمة سبب رئيسي آخر أدلى بدلوه في هذا التعكير.
التجربة المغربية تختلف كلية في تعاطيها مع الحركة الإسلامية أو ما يطلق عليه جماعات الإسلام السياسي عن مثيلاتها في غالبية الدول العربية، حيث انتهج منذ سنوات طويلة خيار الإدماج تجاه جزء من الحركة الإسلامية، وسمح له بالعمل العلني، وبتأسيس أحزاب سياسية، وبالولوج لمؤسسات الدولة المنتخبة.
هذا التوجه المغربي لم يكن ليزعج السعودية، إلا أنه ومنذ انطلاق ثورات الربيع العربي وما تمخض عنه من تصدر للحركة الإسلامية في دول الربيع للمشهد السياسي، ووصولها أو مشاركتها في الحكم، بدأت العلاقات المغربية-السعودية تتجه بشكل تدريجي نحو الفتور.
السبب هو الرفض السعودي للربيع العربي ومخرجاته السياسية، وما تبعه من إعلان مواجهة مفتوحة مع الحركات الإسلامية، ومع كل الحركات المشاركة والمساندة للربيع العربي.
(تجربة مغربية فريدة في إدارة الأزمات التالية لثورات الربيع العربي)
استمرار الإسلاميين في قيادة العمل الحكومي بالمغرب كان علامة فارقة، حيث استمر هؤلاء ممثلين بحزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة، وحتى عندما أتيحت الفرصة لإسقاط الحكومة سنة 2013، بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي أياما قلائل بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في يوليو2013، استمر الحزب في رئاسة الحكومة بعد انتقال حزب التجمع الوطني للأحرار -المصنف كحزب إداري مقرب من السلطة- من المعارضة إلى الحكومة.
ولا يزال الحزب ممثلا بأمينه العام الحالي سعد الدين العثماني يرأس الحكومة، كما يشرف الحزب على تسيير كل المدن الكبرى، وغالبية المدن الصغرى والمتوسطة منذ انتخابات 2015.
كذلك كان ملاحظا ضعف التأييد المغربي لنظام ما بعد الإطاحة بحكم الإخوان، والذي تجلى في امتناع ملك المغرب عن زيارة مصر، والتأجيل المتكرر لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للمغرب، فضلا عن الموقف غير المسبوق الذي اتخذه الإعلام الرسمي المغربي حين قام بمهاجمة النظام المصري، واصفا ما قام به السيسي عام 2013 بالانقلاب العسكري.
كما كان المغرب ثاني دولة بعد قطر تدين محاولة الانقلاب العسكري في تركيا صيف 2016، خلال الساعات الأولى لبداية المحاولة، في الوقت الذي كانت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية تتحدث عن نجاح الانقلاب.
اضف تعليقا