العدسة – ياسين وجدي:

من القاع إلى رئاسة الظل ، كتب وزير الخارجية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ، قصة وصول مدلل ، خدمته الحياة الخاصة في الشأن العام فاقترن باسم الرئيس اللبناني الميشيل عماد عون، عبر المصاهرة لتبدأ رحلة تسلق مثيرة للانتباه والاستياء في أحيان كثيرة.

كان آخر محطات الاستفزاز مغازلته لإسرائيل، ودعوته لعودة سوريا لما أسماه “الحضن العربي”، وما بين المغازلة والأحضان، شفرات تقف خلفها بحسب المراقبين رغبات في التسلق أكثر وتهيئة مكانه في وراثة العرش اللبناني ، ولكن يبدو أن الغضب سيكون حليفه مهما كان موقعه، وهو ما نتوقف عنده.

مندوب مبيعات سوري !

فجأة أصبح لبنان محركاً رئيسياً لإعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، بل وظهرت في الأفق عبارات من نوعية لابد من إعادة إعمار سوريا، لـ”تنهض مجدداً، وينهض معها لبنان”، وإنها “الفجوة الأكبر اليوم ونشعر بثقل فراغها بدل أن نشعر بخفّة وجودها”، وكان صاحب المفاجأة والعبارات ، وزير الخارجية اللبنانية المثير للجدل دائما جبران باسيل، الذي صارت سوريا معه إحدى ركائز السياسة الخارجية لعهد لبنان “القوي”!!

رائحة الفساد زكمت الأنوف مبكرا ، ووفق مراقبين ، فقد أظهرت قمة بيروت، العربية الاقتصادية، حجماً غير مسبوق من التناقضات المحلية-الإقليمية، إذ أصرت أطراف لبنانية ضمن المحور السوري على القيام بدور المسوّق، عربياً ودولياً، لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، مقابل ما يبدو أنه وعود من النظام بحصة في إعادة الإعمار.

وبحسب وصف مازن عزي في موقع “المدن” فإن مندوب التسويق السوري-اللبناني “جبران باسيل” استعجل قراءة الإشارات الخليجية الأخيرة، شديدة التناقض، بالانفتاح السياسي على دمشق، كانفتاح اقتصادي أيضاً، حيث ربما ساهمت زيارة وفد استثماري إماراتي لمقر شركة “دمشق الشام القابضة”، المسؤولة عن تنفيذ مشروع مدينة ماروتا، بزيادة هذه البلبلة، ولكن “باسيل” لم يقرأ تلك الإشارات عن الانفتاح المشروط، وجرى نحو تعويض ما فات من أرباح ، أو، هكذا شُبّه لهم، وكأن جبران باسيل تخلى عن وزارته الخارجية، لصالح المغتربين.

في الصدد؛ كشفت صحيفة “الجمهورية” اللبنانية عن زيارة مرتقبة لـ”جبران باسيل” إلى العاصمة السورية دمشق، ولقاء رأس النظام “بشار الأسد” بعد فشله في دعوة النظام السوري لحضور القمة الاقتصادية في بيروت.

وذكرت الصحيفة أن النظام السوري غضب من الحلفاء الموجودين في السلطة اللبنانية بسبب عدم ممارستهم الضغط المسبَق المطلوب لكسب التزام عربي بعودة سوريا إلى الجامعة العربية، خصوصا مع قدوم الموفد الأمريكي، ديفيد هيل، إلى بيروت.

صحيفة الأخبار اللبنانية ترى أنه لا يمكن أن تكون زيارة “باسيل ” إلى دمشق منزهة عن كامل المتغيرات التي تحيط بسوريا، لا سيما لجهة المواقف المقربة من النظام السوري والمتحدثة عن فوزه على خصومه، لكنها أيضاً ليست بعيدة عن كل ما يجري من تحولات داخلية، خصوصاً أنها تأتي وسط تدرج مواقف باسيل من سوريا، وفي ظل نصف الولاية الثانية للرئيس ميشال عون، مع ما يعني ذلك من سجال حول مستقبل باسيل الرئاسي.

ورأت الصحيفة أن زيارة باسيل لسوريا تحمل وجهين مزدوجين هما : تفعيل العلاقات تمهيداً للإعمار، أو تحسين شروط التعامل وتعزيز وضعيته كمرشح رئاسي،  موضحة أن الزيارة ليست مغامرة غير محسوبة النتائج، لأن كل حركة من هذا النوع من الآن فصاعداً ستكون تحت المجهر أميركياً وخليجياً، إلا إذا كان الهدف مجرد إشاعة جو اطمئنان موجه نحو فريق 8 آذار ومَن هم خلفه إقليمياً، فتكون الزيارة قد حققت هدفها ولو لم تحصل، وكل ذلك يصب في خانة النقاط.

صبي صهيون الجديد!

وعلى نفس النحو ، أطلق “باسيل” عباراته المتوددة إلى الكيان الصهيوني، مؤكدا في مقابلة مع قناة “سي إن إن” الأميركية، من دافوس، أنه يريد الاستقرار والسلام على الحدود وأن من حق “إسرائيل” ضمان أمنها، ليعيد للذاكرة جدل مقابلة مع قناة الميادين الموالية لإيران وحزب الله تحدث فيها عن أنه لا خلاف أيديولوجي مع “إسرائيل“!!

 

عبارات وزير الخارجية اللبناني أشعلت هجوما واسعا ضده ، حيث شن اللبنانيون هجوماً عليه، مذكرين بتصريحاته السابقة حول غياب “الخلاف الأيديولوجي ” مع إسرائيل، متهمين إياه بأنه يقول التصريحات بحسب الموقع الذي يتواجد فيه.

واستنكر مغردون لبنانيون تناقض”باسيل” الذي يرفع شعار “العهد القوي” ، ويتجاهل اتفاق الطائف ويغازل “إسرائيل” ، متوهما أن المقابلات مع الفضائيات الأجنبية لا تصل إلى لبنان، وتحدث البعض عن تناقضاته المتكررة وإثارته للجدل ، مشيرين إلى أنه يتحدث في إيران على أن إسرائيل دولة عدوة تجب إزالتها بينما في أمريكا أو أوروبا تصير إسرائيل لها حق الدفاع عن النفس.

وأطلق ناشطون وسم  #”إصلاح_وتغيير_التيار”، في إشارة إلى المطالبة بإقالة باسيل، الذي يعد الرجل الثاني بعد الرئيس، ميشال عون، في حزب “التيار الوطني الحر”، وتربطه به علاقة مصاهرة، واشتمل الوسم على أكثر من 50 ألف تغريدة، بالإضافة إلى آخرين غردوا بوسم #جبران_باسيل.

وانضم للنشطاء الوزير اللبناني الأسبق  محمد المشنوق مطالبا بإقالة باسيل لمخالفته الدستور والقوانين والاتفاقات، متسائلا: “هل هذا موقف لبنان في المحافل الدولية؟”، مؤكدا أن انتقائية باسيل مطّاطة والخوف أن تتحوّل تعريفاته إلى أعراف وبدع جديدة”.

الصهر المدلل!

جبران باسيل ، اسمه مرتبط بالجدل منذ صعود نجمه الذي ترافق مع عودة العماد عون إلى لبنان من منفاه الفرنسي، كما ارتبط كذلك بوصف ” صهر الرئيس المدلل” ، ووفق مراقبين فإن باسيل، صهر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يحظى إلى جانب مرتبته العائلية، بمرتبة لم يتمتع بها أي من الصهرين السابقين، لرئيسين للجمهورية وهما الوزير السابق فارس بويز الذي كان صهراً لرئيس الجمهورية الراحل إلياس الهراوي، ونائب رئيس مجلس الوزراء السابق إلياس المر الذي كان صهراً للرئيس السابق إميل لحود.

ولد جبران باسيل في بلدة البترون في العام 1970 لعائلة متواضعة، وبدأ “رئيس الظلّ”، كما تطلق عليه بعض وسائل الإعلام في لبنان، حياته مهندسا بسيطا، يعمل في المشاريع الصغيرة، حتى التقى شانتال ابنة عون، واقترن بها ، في العام 1999، وهو ما قلب الموازين لصالحه.

وبعد أن أصبح رقماً صعباً في الحياة السياسية اللبنانية منذ العام 2008 عقب اتفاق الدوحة الذي أوصل العماد ميشال سليمان إلى الرئاسة الأولى، تنقل باسيل في الحقائب الوزارية ، لكنه كان “وزير الوزراء” بحسب المتابعين للشأن اللبناني يفرض قراره ورأيه على سائر الوزارات التي يتولاها تياره ناهيك عن معارضته الشرسة والمستفزة لخصومه.

ولاحقته اتهامات بالعنصرية حين صرح أمام مؤتمر حاشد للمغتربين اللبنانيين في نيويورك بأنه مع إعطاء المرأة اللبنانية حق منح الجنسية لأبنائها بشرط ألا يكون الرجل الذي اختارته شريكا لحياتها فلسطينيا أو سوريا ، ولم يكتفي صهر الجنرال ميشيل عون المسكون بهواجس التوازنات السياسية والطائفية القائمة بلبنان بهذه التصريحات بل سعى جاهدا لإضفاء صبغة وطنية عليها، وهو ما أثار الغضب ضده.

وتدور حول باسيل شبهات فساد لا نهاية لها ، وأكدت صحيفة “الديار” اللبنانية، أن ثروته وصلت إلى مليار دولار، وانتشرت شائعات كثيرة حول باسيل، عن ثروته وشرائه أراضي شاسعة في لبنان والبترون، وعن امتلاكه منازل خارج لبنان، وعن طائرة خاصة يملكها، فاضطر أكثر من مرة إلى تكذيب الخبر ونفي تلك التقارير.

وبحسب مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى “ديفيد شينكر” فإن “جبران باسيل” شخصية مثيرة للجدل ولطالما تورّط اسمه في فضائح فساد وادعاءات بالتحريض الطائفي.

ورغم ذلك كله فإن محاولات تضخيم “رئيس الظل ” مستمرة وتجري على قدم وساق ، ودفعت الكاتب بجريدة النهار اللبنانية نبيل بومنصف إلى التساؤل باستنكار :”من “يعملق” جبران باسيل؟”، قائلا :” هناك جرعات إعلامية وصحافية واسعة تركز على جبران باسيل الاستفزازي والسلطوي أو الوارث الحتمي لرئيس الجمهورية كما في رئاسة التيار”!