أحمد حسين
اعتقد الجميع أنها نهايته ليس في عالم الصحافة، بل ربما يقوده ما تورط فيه – بحسب ما كان يتداول حينها – إلى مصير مجهول.
لكن الواقع جاء معاكسا للتوقعات، وما حدث مع الكاتب الصحفي “ياسر رزق” بعد تسريب أجزاء غير منشورة من حواره مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع حينها، كان مكافأة لا عقاب، ترقية لا جزاء.
تربع الرجل بعد التسريبات على عرش مؤسسة أخبار اليوم الصحفية الحكومية رئيسا لمجلس إدارتها، بعد أن كان يرأس تحرير جريدة “المصري اليوم” وقت إجراء الحوار.
بداية الرحلة
بدأ ياسر رزق عمله الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم القومية، لمدة 30 عاما، وذلك منذ أن كان طالبا في السنة الأولى بكلية الإعلام التي تخرج فيها عام 1986.
تنقل رزق بين أقسام متعددة لصحيفة “الأخبار”، قبل أن يستقر على العمل محررا عسكريا، ثم مندوبا للصحيفة في رئاسة الجمهورية، حتى 2005، وهو العام الذي شهد توليه، ولأول مرة، منصب رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون الحكومية أيضا.
بعد 6 سنوات قضاها في إدارة شؤون المجلة الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون “ماسبيرو”، عاد إلى مؤسسة أخبار اليوم مرة أخرى، لكن كرئيس لتحرير صحيفتها اليومية، وذلك في 18 يناير 2011، أي قبل نحو أسبوع من اندلاع ثورة 25 يناير.
(القرب من المؤسسة العسكرية حكم بدايات ياسر رزق وكتب مسيرته)
استمر في موقعه حتى أُقيل بقرار المجلس الأعلى للصحافة، في العام ذاته، وللمرة الأولى بعيدا عن الصحافة الحكومية، انتقل ياسر رزق إلى الصحافة الخاصة بعد اختياره من قِبل مجلس أمناء مؤسسة “المصري اليوم” في 22 أغسطس 2012، رئيسا لتحرير صحيفتها اليومية، ليستمر على مقعد رئاسة تحريرها لمدة سنة و3 أشهر.
وفي 2014 عاد “رزق” إلى مؤسسة أخبار اليوم مرة أخرى رئيسا لمجلس إدارة المؤسسة، حتى الآن.
حوار الأحلام!
يبدو أن البداية التي قربت ياسر رزق للغاية من المؤسسات السيادية في مصر منذ بدايات عمله الصحفي (رئاسة الجمهورية، الجيش) ساهمت بشكل كبير في صياغة مستقبله، وتمكن خلال سنوات عمله من بناء علاقات وثيقة، خاصة في صفوف قيادات المؤسسة العسكرية.
هذه البداية قادت إلى أن يقع الاختيار على رزق في أكتوبر 2013 ليجري الحوار الأول مع الفريق أول السيسي وزير الدفاع حينها، بعد أشهر قليلة من إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي.
(اختيار رزق لمحاورة السيسي لم تأتي مصادفة)
كان هذا التوقيت المناسب لاستكمال الصورة الذهنية لدى المصريين عن السيسي “المخلص” والبطل القومي الذي أنقذ البلاد، وهنا جاء توقيت رزق ليساهم في ترسيخ تلك الصورة الزائفة.
“شيىء ما فى هذا الرجل يجذبك وأنت تشاهده وتستمع إليه.. ليس مجرد هدوئه، واتزانه، وثقته البادية على ملامحه، وفى نبرات صوته، وإشارات يديه.. أكثر ما يجذب فى شخصية هذا الرجل القائد، هو إيمانه العميق الصريح بالجماهير، وتقديسه للشعب الذى يتحدث عنه بتوقير ولا يذكره إلا مقرونا بوصف العظيم”.
بتلك السطور بدأ رزق الجزء المنشور من حواره مع السيسي، وبدا لافتا كم النفاق والمبالغات التي احتواها الحوار، ليظهر السيسي في النهاية بصورة ملائكية، رسم الصحفي المتمرس تفاصيلها بعناية فائقة.
لكن الأهم من الجزء المنشور هو ذلك المُسرب الذي نشرت منه شبكة “رصد” بعض المقاطع الصوتية، التي اعترف بصحتها ياسر رزق فيما بعد، واتهم التنظيم الدولي للإخوان بالاستيلاء عليها.
بعد نشر التسريبات توجهت أصابع الاتهام إلى ياسر رزق بالتورط في حصول رصد على تلك التسجيلات المسربة عمدا أو بخداع من حوله، الأمر الذي توقع معه كثيرون أن يشهد نهاية حتمية ومأساوية للصحفي.
إلا أنه وبعد أقل من شهرين على نشر التسريبات يبدو أن رزق حصل على مكافأته منها، لتتضح الصورة التي حاولوا إخفاءها وهي أن التسريب تم بعلم السيسي وتدبير ربما لتوصيل رسائل معينة إلى أطراف الأزمة في البلاد.
(رزق ساهم بقوة في تشكيل الصورة الذهنية الزائفة عن السيسي لدى المصريين)
المكافأة الكبرى كانت جلوس على عرش المؤسسة التي بدأ فيها حياته المهنية رئيسا لمجلس إدارة أخبار اليوم، لتصبح التسريبات مجرد ذكرى فاقدة الأثر، حتى ولو نُشرت أجزاء أخرى منها بعدها بسنوات.
ربما كانت الرسالة الأبرز من التسريبات، تلك المتعلقة بما رواه السيسي عن رؤيته للرئيس الراحل أنور السادات في الحلم وما تحدث إليه خلال تلك الرؤية، حيث قال السيسي: “أنا عارف إني هابقى رئيس الجمهورية”.
قلم “تحت الطلب”!
قد تختصر عبارة “قلم تحت الطلب” مسيرة حياة ياسر رزق، الذي لم يمنعه الترعرع في كنف الرئيس الأسبق حسني مبارك وإشاداته المتكررة سابقا بدور نجله جمال في خدمة الوطن، من التحول 360 درجة إذا اقتضت المصلحة.
في سبتمبر الماضي، انتقد رزق الظهور المتكرر لنجلي مبارك، وعبر عن خشيته من وجود صفقة بين جمال و”الإخوان”، وذلك بعد الإفراج عن جمال في قضية التلاعب بالبورصة.
وقال رزق لدى اعتقال نجليْ مبارك قبلها بأيام، إن “الجريمة الرئيسية ليست جريمة قصور رئاسية، بل هي جريمة سياسية.. هي خرق الدستور ومحاولة قلب النظام الجمهوري وتحويله إلى نظام وراثي وملكية مقنعة.. كان من اللازم محاكمته محاكمة سياسية”.
وأضاف: “أنا متخوف من أن يكون هناك في مرحلة ما نوع من الصفقة بينه وبين الإخوان”.
مؤخرا كان الظهور الأبرز لياسر رزق عبر مقاله الذي جاء تحت عنوان “عام الإصلاح السياسي الذي تأخر“، حيث طالب خلاله بتعديل مواد عدة في دستور 2014، بعضها يتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية لتمديد رئاسة السيسي عامين إضافيين واستحداث أخرى تنص على تشكيل مجلس حكم انتقالي بصلاحيات واسعة لحماية الدولة برئاسة السيسي حتى بعد انتهاء مدة رئاسته.
واعترف رزق بأن تعديله المقترح مفصل خصيصا لتمديد بقاء السيسي في الحكم، وبرر ذلك بضرورة الأوضاع القائمة، قائلا: “ربما يقول قائل إن النص الانتقالي بزيادة سنوات مدة الرئاسة إلى 6 سنوات هو تفصيل دستوري على حالة قائمة.. لكن من قال إن الدساتير توضع في فراغ من زمن وتصاغ في معزل عن أوضاع؟!”.
(رئيس للأبد.. سعي دؤوب ياسر رزق أحد عرابيه)
خلال الفترة الماضية، دأب رزق على كيل المديح ووصلات النفاق للسيسي بمناسبة وبدون مناسبة، ففي أحد لقاءاته التليفزيونية قال: “الرئيس عبدالفتاح السيسي صادق النوايا تجاه الشعب المصري الصابر والناس الغلابة.. حينما يأتي الحديث عنهم كنت أرى الدموع في عينيه، وهذا سر ارتدائه للنظارة السوداء، وذات مرة بكى ولم يستطع إخفاء دموعه، فقلت له ما تتكسفش من عينيك، فقال هو أنا أعز من الرسول أو أبوبكر”.
وبالمقدار ذاته، كان الهجوم الشرس والعنصري لرزق ضد جماعة الإخوان المسلمين، ومنها أنه دعا في لقاء متلفز يرجع إلى أغسطس 2017، إلى “استئصال” قيادات الجماعة ومعاملتهم كـ “النازيين”.
واعتبر رزق، أن الجماعة انتهت من الحياة العامة تمامًا كالحزب النازي في ألمانيا، وقال: “أنا مع الإقصاء التام للإخوان المسلمين، واستئصالهم ومعاملتهم كالنازيين في ألمانيا من أجل هذا البلد”.
اضف تعليقا