أحمد حسين
لم تكن كلمات عبدالفتاح السيسي، خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بالقاهرة يوم الإثنين 28 يناير 2019، مفاجئة، خاصة في الأجزاء التي تعلقت بمسألة حقوق الإنسان.
ردود السيسي بشأن اعتقال المدونين والنشطاء، وأن مصر ليست كأوروبا وأمريكا، وشمول حقوق الإنسان للحق في السكن والعلاج وغيرها، جاءت مكررة في كثير من المناسبات السابقة ومنها ما شهده مؤتمر صحفي مع ماكرون في باريس أكتوبر 2017.
لكن ثمة قضية أخرى يصر السيسي على إثارتها بين الحين والآخر، تكشف كمًّا غيرُ قليلٍ من التناقض في تصريحاته ومواقفه المختلفة.
همشي.. مش همشي!
الجدل الذي يتجدد بشأن بقاء السيسي في منصبه وارتباط ذلك بإرادة المصريين واستعداده للرحيل في أي وقت، حضر بقوة في المؤتمر الصحفي الأخير.
السيسي قال في تصريحاته بالمؤتمر: “لا أقبل أن أستمر في منصبي إذا لم تكن هناك إرادة مصرية، ولو رفضني الرأي العام سأتخلى عن موقعي فورا”.
من تلك الكلمات يبدو السيسي رئيسا زاهدا في السلطة ديمقراطيا إلى أبعد الحدود يقبل الرأي الآخر حتى ولو كان اتِّباعِه يطيح به من منصب الرئاسة، لكن الواقع يقول شيئا آخر.
(لقاءات الرئيسين دائما تشهد تصريحات مثيرة)
هذا التصريح يعريه ،ويكشف تناقض السيسي تصريح آخر له في يوليو الماضي، عندما قال: “إحنا دخلونا في أمة ذات عوز.. عارفين أمة العوز أمة الفقر دخلونا فيها، ولما أخرج بيكو منها يقولك هاشتاج إرحل يا سيسي.. لما آجي عايز أخرجكم من العوز واخليكم أمة ذات شأن بفضل الله سبحانه وتعالى تعملوا هاشتاج ارحل يا سيسي.. أزعل ولا مزعلش؟، في دي أزعل.. في دي أزعل”.
ولعل التساؤل هنا: ألا يعد هاشتاج متربع على عرش الأكثر انتشارا في مصر لعدة أيام متتالية تعبيرا بشكل أو بآخر عن الرأي العام الذي يرحب به السيسي؟، أليست كل الميادين مغلقة ولا يستطيع الشعب التعبير عن رأيه فيها؟، ألم تختف أية أصوات معارضة للسيسي داخل مصر خوفا أو سجنا أو هجرة؟.
المحصلة إذاً واضحة للعيان، فالسيسي الذي يبدو مرحبا بمعارضة شعبية تُنَحِّيه عن منصبه، لا يقبل حتى تعبيرا عفويا عن الرأي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
غير أن حديث السيسي عن استعداده للرحيل من منصبه ليس وليد اليوم، لكنه تكرر عدة مرات في مناسبات مختلفة على مدار الأعوام الماضية.
ففي أبريل 2017 خلال مؤتمر الشباب بالإسماعيلية، قال السيسي: “أقسم بالله العظيم لو المصريين مش عايزني في الحكم مش هقعد ثانية”، وخلال احتفال المولد النبوي الشريف في ديسمبر 2015، قال: “لو عايزني أمشي هامشي، من غير ما تنزلوا.. أنا طائع فى ترك السلطة، لأن السلطة بإرادة الله”.
الرئيس يحاسب شعبه!
وبدلا من أن يمثل السيسي باعتباره مسؤولا للمحاسبة، عكس الآية وبادر هو إلى حساب الشعب، ففي مؤتمر الشباب بأسوان يناير 2017، قال: “اللي بيتكلم ويقول إني وعدت بتحسن الأوضاع بعد 6 أشهر، أنا عملت اللي عليا، لكن هل كل اللي بطلبه منكم تعملوه بتعملوه يا مصريين؟!”.
إلا أنه قبل هذا التصريح بشهر واحد، أبدى السيسي استعداده للمحاسبة، حين قال خلال افتتاح مشروع الاستزراع السمكي في الإسماعيلية: “والله العظيم أنا مستعد اتحاسب.. أي حد يغلط يتحاسب ومفيش حد كبير على ده من أول رئيس الجمهورية”.
فكيف يقبل السيسي أن تتم محاسبته، ويأتي بعد شهر واحد يحاسب هو الشعب، ليس هذا فحسب، بل يؤكد أنه “عمل اللي عليه”.
كما أنه سأل الشعب: “إنتو عملتوا إيه؟”، أجاب بنفسه على ذلك السؤال مرات عدة في أكثر من مناسبة، ففي 16 يناير 2017، في الجزء الأول من حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية، أكد أن “ما أنجزه الشعب المصرى بسواعد أبنائه فى أقل من ٣ سنوات على أرض مصر يفوق ما يمكن إتمامه فى ٣٠ عامًا”.
(السيسي أول من يحاسب شعبه!)
وقبلها بأسبوع واحد، أثنى على إنجازات الشعب المصري في مكافحة الإرهاب، حين قال في مداخلة هاتفية مع الإعلامي عمرو أديب على فضائية (ON E) إنتو مش عارفين يا مصريين انتو عملتوا إيه”.
وبمناسبة مرور عامين على توليه الحكم، قال السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية يونيو 2016 إن “ما تم إنجازه خلال أول عامين من الحكم هو إنجاز المصريين مش إنجازات حد تاني”.
من “قد الدنيا” إلى “شبه دولة”!
تناقض السيسي ينسحب أيضا على رؤيته لمصر كدولة، فلا ينس أي مصري، العهد الذي قطعه السيسي على نفسه وقت أن كان وزيرا للدفاع، بعد أيام من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي.
“مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا”، هكذا رددها السيسي أكثر من مرة في مناسبات عدة، لكنه وبعد أكثر من 3 سنوات ونصف، نطق بعبارات مغايرة.
(قد الدنيا.. حلم استيقظ المصريون منه على كابوس مفزع)
ففي مؤتمر أسوان للشباب يناير 2017 قال السيسي: “.. يا ساتر على أهل الشر، بيقولك خلي بالك مش سائل فيك، ومقالش خلي بالك إنك فقير أوي، أه لازم نقول الحقيقة، إحنا فقرا أوي”.
وبعد نحو عام من انتخابه رئيسًا للجمهورية، وتحديدًا في أغسطس 2015، قال السيسي خلال الاحتفال ببدء تشغيل قناة السويس الجديدة: “مصر دولة عظيمة صاحبة حضارة عظيمة ممتدة لـ7 آلاف سنة، قدمت خلالها قيما ومبادئ وأخلاقيات تناغمت مع الرسالات والأديان السماوية ولم تتقاطع معها”.
وبعد أقل من عام على التاريخ السابق، رأى أن مصر ليست أصلًا دولة، فخلال إطلاق شارة البدء لموسم حصاد القمح بالفرافرة قال السيسي: “إحنا مش في دولة حقيقية.. طلوا على بلدكم صحيح.. دي أشباه دولة مش دولة حقيقية”.
اضف تعليقا