أحمد حسين
فاجأت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، العالم بدعوة هي الأولى من نوعها، مطالبة مؤيديها بتقديم الدعم المالي للكتائب عبر عملة “بيتكوين” الرقمية الافتراضية.
بطبيعة الحال فإن النداء يعبر عن أزمة حقيقية تمر بها كتائب القسام وحركة حماس ككل، على مستوى الدعم المالي وحاجاتها المتزايدة لتطوير ترسانتها العسكرية، في ظل حصار مطبق مفروض على قطاع غزة.
وكما يعبر النداء عن أزمة خانقة فإنه ينسحب على ذكاء شديد من الحركة، وتكيّف غير مسبوق مع مستجدات الأوضاع، في ظل حصار مطبق، مقابل حاجات متزايدة لجناحها العسكري تضمن بقاءه رهن الجاهزية اللازمة لأية مواجهة مع الاحتلال.
لكن التساؤل الأبرز: هل يكون التضييق الإسرائيلي فقط هو المتسبب في الأزمة التي يعاني منها الجناح المسلح لحماس، أم أن منابع التمويل قد جفت؟، وماذا عن الدعم الإيراني؟، وإلى أي مدى يعتبر رهان القسام على البيتكوين راجحا؟.
(أبو عبيدة)
أبو عبيدة، الناطق باسم القسام، نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي: “ندعو كل محبي المقاومة وداعمي قضيتنا العادلة لدعم المقاومة ماليا من خلال عملة البيتكوين عبر الآليات التي سنعلن عنها قريبا”.
السبب الذي برر به أبو عبيدة الأزمة اقتصر على تضييق الاحتلال الإسرائيلي، قائلا: “العدو الصهيوني يحارب المقاومة من خلال محاولة قطع الدعم عنها بكل السبل.. ومحبي المقاومة في كل العالم يحاربون هذه المحاولات الصهيونية ويسعون لإيجاد كافة سبل الدعم الممكنة”.
هل تخلت إيران؟
من المعروف والمعلن لدى كل الأطراف أن إيران هي الداعم الأول والرئيسي لحركة حماس وجناحها المسلح، ورغم التوتر الذي ساد العلاقات في أعقاب دعم الحركة للثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، إلا أن الأمور عادت لمجاريها لكن ليس بالقوة ذاتها.
ولعل التعبير عن متانة العلاقات بين طهران وحماس يمكن أن تلخصه عدة مشاهد، أحدثها في نوفمبر الماضي، عندما أدانت الحركة في بيان رسمي العقوبات الأمريكية التي أعادت واشنطن فرضها على إيران.
وفي أغسطس 2017، أكد رئيس المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة “يحيى السنوار” أن إيران هي “الداعم الأكبر للسلاح والمال والتدريب لكتائب القسام”.
وقال في تصريح صحفي: “الدعم الإيراني العسكري لحماس والقسام استراتيجي، والعلاقة مع إيران أصبحت ممتازة جدا وترجع لسابق عهدها – بعدما اعتراها تأزم – خصوصا بعد الزيارة الأخيرة لوفد من حماس إلى إيران”.
(سنوات القطيعة لن تعيد دفء العلاقات كما كان)
قبلها بنحو 3 أشهر هنّأ الجنرال “قاسم سليماني” قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل هنية بمناسبة انتخابه رئيسا للمكتب السياسي لحركة حماس، قائلا: “نتطلع إلى جهودكم لتجذير المقاومة امتدادا للخط الجهادي لحركة حماس”.
وعلى الرغم من أن المؤشرات تدل على عودة الدفء إلى العلاقات، إلا أن الأزمات التي تمر بها طهران – داخليا لوطأة الأزمة الاقتصادية وإقليميا بسبب النزاع في سوريا ودعم حزب الله لمواجهة مرتقبة مع إسرائيل، ودوليا نظرا لاستمرار العقوبات الأمريكية – تؤكد جميعها أن التمويل الذي تقدمه إيران ليس كسابق عهده بأي حال من الأحوال.
وبالإضافة إلى الأسباب السابقة، فإن العلاقة الوثيقة بين الطرفين لم تعد كما كانت قبل الثورة السورية، وربما لن تعود.
وكان مسؤول بالحركة قال لوكالة “فرانس برس” أن إيران تقدم ملايين الدولارات سنويا لكتائب القسام.
مصادر تمويل أخرى
تقارير إعلامية سابقة أفادت بأن حماس تتلقى تمويلها الأكبر من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها امتدادا للجماعة في غزة، كما يعتقد أنها تتلقى أيضا دعما من منظمات خيرية إسلامية في أوروبا.
وبسبب موقفها من النظام السوري فقدت حماس دعمه، كما يرجح متابعون أن الحلفاء الجدد لحماس لم يعوضوا التبرعات الإيرانية بنفس القدر.
في احتفال سابق بذكرى تأسيسها، قال أبو عبيدة إن الحركة “تتلقى دعما من شخصيات ومؤسسات ودول”، ووجه الشكر لإيران على دعم حماس بالمال والسلاح، بالإضافة إلى دعم دول عربية وإسلامية على رأسها تركيا وقطر.
(شكوك حول قدرة ورغبة داعمي حماس في تعويض الغياب الإيراني)
وحسب تقديرات قديمة لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي ” الشاباك”، فإن ميزانية حماس لعام 2010 كانت كالتالي: 200 مليون دولار سنويا لتغطية النفقات الحكومية، و50 مليونا للأنشطة المدنية للحركة، و40 مليونا لصالح الجناح العسكري.
وتمتلك القسام منظومة سلاح وصواريخ استخدمتها بضرب مدن إسرائيلية مثل تل أبيب، في مواجهات عسكرية عدة.
البيتكوين.. هل هي الملاذ؟
“البيتكوين” عملة رقمية ظهرت للعلن أول مرة في عام 2009، من قبل شخصية غامضة تدعى “ساتوشي ناكاموتو”، الذي لا تزال هويته الحقيقية مجهولة ولا يعرف أحد إلى الآن إن كان شخصا أو مجموعة أشخاص أو كيانا منظما.
الفكرة بدأت عام 2008 وقت حدوث الأزمة المالية وانهيار العديد من المؤسسات والمصارف المالية والاستثمارية، حيث ظهر المجهول في أوساط الإنترنت، بورقة عمل يشرح فيها عن عملة رقمية مشفرة cryptocurrency سماها bitcoin كبديل للعملة الورقية الحالية ووضع بروتوكول التعامل في أبحاثه.
وحسب تقرير لصحيفة “The Guardian” البريطانية، فإن كريغ رايت، وهو أكاديمي أسترالي، قد يكون المخترع السري للبيتكوين.
تحتوي كل عملة رقمية على رقم خاص وتشفير معين، تدعمها تقنية تسمى blockchain والتي بمفهوم مبسط عبارة عن جدول الحسابات الخاص لكل العمليات المحاسبية من تداول للعملة الرقمية، وما يترتب عليه من تغيير في القيمة والتحويل من شخص إلى آخر منذ أول تعامل بها.
تستمر التقنية في تسجيل كل معاملة قائمة، وتحتفظ بهذه المعلومات التاريخية ولا تزول من جدول الحسابات.
والبيتكوين عكس العملات التقليدية، حيث لا يوجد بنك مركزي أو دولة قومية أو سلطة نظامية تدعمها أو تتحكم فيها، الأمر الذي يجعل تتبعها صعبا من أي جهة، خاصة في ظل عمليات التشفير المعقدة التي تخضع لها، والتي تستهلك كمية كبيرة من الطاقة.
تلك العملة الافتراضية شديدة التقلب، فقد تضاعفت قيمتها عدة أضعاف في عام 2017، لتصل إلى 19.783 دولار، في شهر ديسمبر 2017، قبل أن تنخفض قيمتها انخفاضا حادا نهاية العام وبداية 2018، ولكن حاليا تدور قيمة البيتكوين الواحد منذ بداية يناير 2019 حول 3400 دولار.
الآن كل ما يجب أن يقوم به المتبرع إنشاء حساب على الإنترنت للبيتكوين ثم إرسال التحويل المالي إلى حساب متلقي التبرع، الذي يستطيع لاحقا في أي دولة من دول العالم تسييل التبرع الرقمي إلى أوراق نقدية بالدولار أو غيره من العملات.
الخبراء يقولون إن عملية اكتشاف حساب المتبرع يكاد يكون مستحيلا، نظرا لعملية التشفير المعقدة عبر الـ”بلوك تشين”، لكن تبقى نقطة الضعف عند تحويل الأموال من حساب البيتكوين من المتبرع على الإنترنت إلى حساب مصرفي لتسييل عملة البيتكوين.
عملية الاكتشاف يمكن أن تتم في الحساب المصرفي، ولكن في هذه الحالة يتم اكتشاف متلقي التبرع وليس المتبرع.
إجمالا، فإن كتائب القسام التي تئن تحت وطأة أزمة مالية غير مسبوقة تبدو مضطرة لأن تسلك الطريق نحو البيتكوين، رغم ما يحفه من مخاطر، لن تكون بطبيعة الحال اصعب من مخاطر أزمة التمويل.
ومن المتوقع إذا سارت الأمور وفق تخطيط القسام، فإن الكتاب قد تكون ضربت موعدا مع تمويلات ضخمة في الطريق، من قبل أفراد مؤيدين ومتعاطفين من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن تلك المتوقعة من قبل الدول والمنظمات.
على الجانب الآخر تبدو فرص الاحتلال لتطويق تلك العملية صعبة للغاية، لكنها ليست مستحيلة، في ظل ما يمكن أن تمارسه الأطراف المختلفة من ضغوط على حماس للكف عنها.
اضف تعليقا