العدسة – ياسين وجدي :

سلطت مطالعة دورية لخبراء مركز كارنيجي للدراسات في الشرق الأوسط الضوء على الدور القطري في لبنان، حيث رأت أن الخطوة القطرية بشراء سندات خطوة ذكية وموفقة في إطار توسيع نفوذها في المنطقة وسحب للبساط من تحت أقدام السعودية في لبنان التي لازالت تذكر للأخيرة اختطافها رئيس وزرائها سعد الحريري!

نستعرض ما جاء في تقدير الخبراء في سياق هذا التقرير..  

ذكاء قطري!

هشام ملحم الخبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن ، يرى في تقدير الموقف الذي وصل “العدسة”  أن قرار قطر باستثمار 500 مليون دولار في أسهم الحكومة اللبنانية، هو أحدث محاولة سياسية للتفوّق في المناورات على خصمها اللدود السعودية، في بلد أدّى فيه سوء الحسابات والعجرفة السعوديين إلى خلق فراغ.

وأضاف أن ذلك الفشل هو الذي حفّز الدوحة على محاولة ملئه بالطريقة القديمة، أي عبر الدفع نقداً، فيما ترى القيادة السعودية أن لبنان بمثابة ثقب أسود لا يخرج منه أي مردود سياسي للمساعدات المالية، ولذا لا يرجّح أن تحذو حذو خطوة الإسعاف القطرية هذه.

وأشار إلى أنه يمكن النظر للقرار في سياق هجوم قطر الإقليمي لتحسين دفاعاتها ضد الحصار الذي تفرضه عليها السعودية والإمارات العربية المتحدة وحلفاؤهما منذ العام 2017 ، حيث تنشط الآن لموازنة هذا التحالف ضدها عبر نسج علاقات قوية مع بلدان مثل العراق والأردن والسودان.

كما تحاول قطر بحسب محلم أيضاً اغتنام الامتعاض الذي شعر به العديد من اللبنانيين في العام 2017، حين استدعى السعوديون رئيس الحكومة سعد الحريري إلى الرياض وأجبروه على تقديم استقالته، بعد اتّهامه بالفشل في كبح جماح النفوذ الإيراني في لبنان.

خطوة مخفضة التكلفة !

أما كارين يونج الباحثة المقيمة في معهد إنتربرايز الأمريكي فلا تعتقد أن قطر “تعود” بقدر ما هي “تلكز”، لأنها عادةً لاتهتم أو تؤثّر في لبنان بالطريقة التي تؤثّر بها السعودية.

وفي هذا الإطار، يُعتبر شراء السندات اللبنانية، خطوة انتهازية بحسب وصف يونج إذ كان من الواضح أنه استثمار قليل التكلفة لشراء حسن النية في لبنان، في وقت لم تُظهر السعودية والإمارات العربية المتحدة مؤشرات عن استعدادها لدعم هذا البلد.

وأضافت أن خطوة الشراء القطرية هذه حفّزت السعودية ووزير ماليتها محمد الجدعان على الالتزام لفظياً بتقديم الدعم المالي للبنان موضحة أن ثمة منحى أوسع من التدخل المالي الخليجي (في شكل ودائع مباشرة للبنك المركزي، والتزامات استثمارية، ونقل نفط وغاز) في المنطقة وخارجها (بما في ذلك القرن الأفريقي وباكستان)، بهدف شراء الولاء، إنما أيضاً لإجراء تجارب على تصدير نماذج التنمية الخليجية التي تتمحور حول الدولة وتدرّ الأرباح على الشركات المرتبطة بها، والتي تكون في الغالب شخصانية لإرساء روابط بين القادة وهو ما يشكل طيّاً لصفحة التمويل التنموي التقليدي مع آليات شروطه التي استُخدمت في السابق لدفع الحكومات إلى تطبيق بعض الإصلاحات البنيوية.

أفق أوسع

من جانبه يشير كريستيان كوتس أولريخسن  الخبير في قضايا الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسة العامة في جامعة رايس إلى أن القرار القطري يأتي في منظومة أوسع من لبنان.

وقال : ” أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، واحداً من بين حفنة من رؤساء الدول الذين شاركوا في القمة العربية الاقتصادية والتنموية التي عُقدت مؤخراً في لبنان، وأيضاً الممثّل الوحيد من الدول الخليجية الغنية بالطاقة”.

وأضاف أن مشاركة الشيخ تميم تشكل تجسيداً لسياسة تطبّقها قطر منذ أمد بعيد، وهي البحث عن حلول عربية للمشاكل العربية. كما تُعتبر هذه الخطوة تكملةً للنهج الذي اتّبعه كلٌّ من والد الشيخ تميم وسلفه الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ووزير خارجيته لمدّة طويلة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة.

وأكد أن الحصار الذي فرضته أربع دول إقليمية على قطر، بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حرّرها من القيود المتمثّلة في اضطرارها للاصطفاف إلى جانب المصالح السعودية أو الإماراتية الأضيق في مجلس التعاون الخليجي، كما أفسح المجال أمام القطريين لاتّباع مقاربة عروبية حيال التطورات الإقليمية.

في السياق ذاته يشير كريم طرابلسي الكاتب في صحيفة “العربي الجديد” إلى أن قطر كسبت ثقةً بالنفس بعد فشل الحصار الذي فُرض عليها بقيادة المملكة العربية السعودية، فباتت تسعى إلى الاضطلاع بدور حازم في المنطقة، وإلى استعادة بعض من النفوذ الذي فقدته خلال سنوات الانتفاضات العربية بدءاً من العام 2011.

ولفت طرابلسي الانتباه إلى أن قطر تبدو مهتمّة كذلك باستعادة الدور الذي لعبته كوسيط قبل العام 2011، ولذا، ينبغي دراسة خطواتها في لبنان وغزة وأفغانستان والسودان في الآونة الأخيرة في هذا السياق.

وأوضح أن المقاربة القاسية التي اتّبعتها السعودية تجاه لبنان في ظل حكم ولي العهد محمد بن سلمان أدت إلى نتائج عكسية، إذ خلت الساحة اللبنانية أمام قطر، وإضافةً إلى إحراز نصر سياسي على الرياض، تريد قطر على الأرجح الحفاظ على رصيدها من القوة الناعمة في بيروت، باعتباره استثماراً طويل الأمد في دولة استراتيجية تُعتبر على نطاق واسع أنها بوابة لإعادة إعمار سورية.

وأكد طرابلسي أن قطر تحتل مكانة جيدة نظراً إلى تاريخها في توفير المساعدة إلى لبنان ودورها كوسيط سياسي في البلاد، ما يجعلها نوعاً ما على مسافة واحدة من معظم الفرقاء اللبنانيين.

دعم واضح

من جانبها لا تعتقد مها يحيى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط أن قطر تسعى للعودة سياسياً إلى لبنان، وترجع ذلك إلى أن زيارة أمير قطر إلى لبنان، التي استغرقت يوماً واحداً خلال القمة العربية الاقتصادية والتنموية، لم تفعل شيئاً سوى ملء الفراغ المتمثّل في الغياب الفاقع لمعظم القادة العرب، ولاسيما العاهل السعودي.

وترى يحيى  أن تعهّد قطر بشراء سندات حكومية بقيمة 500 مليون دولار أملاً بأن زيارة الأمير تميم هي تعبيرٌ عن دعم قطر الواضح للبنان الذي يشهد أزمات اقتصادية وسياسية متنامية، فيما تقبع ساحته السياسية المحلية رهينة موازين القوى الإقليمية والطموحات الشخصية لقادته.

وأضافت أن عجز لبنان عن تأليف الحكومة أدّى إلى تقويض إيمان المواطنين بمؤسسات البلاد، وإلى إضعاف ركائزها الاقتصادية والمالية، لكن، لو أرادت قطر حقاً دعم لبنان، لعمدت إلى إيداع مبلغ 500 مليون دولار في مصرف لبنان المركزي بفائدة مخفّضة، أما شراء السندات فسيعود عليها بمعدّلات فائدة مرتفعة، ما يضمن لها تحقيق أرباح جيدة في المدى القصير.