أحمد حسين

يبدو أن السعودية تسعى لرد اعتبارها أمام المغرب، بعد تصريحات مسؤول مغربي اعتبرت “مهينة” في حق الرياض، وربما وجدت ضالتها في قضية النزاع على الصحراء الغربية.

ورغم أنه ليس بموقف رسمي واضح، إلا أن اللهجة التي تبناها تقرير إعلامي محسوب على السعودية في تناوله للأزمة، يشير إلى تغير موقف المملكة تجاه الأزمة 180 درجة، من تأكيدها مغربية الصحراء، إلى وصف جبهة البوليساريو بالجمهورية!.

رد الاعتبار

فضائية “العربية” المملوكة بشكل أو بآخر لآل سعود، والمعروف تبنيها لمواقف وسياسات الأسرة المالكة، تناولت في تقرير لها الأسبوع الماضي، أزمة الصحراء الغربية.

وحرصت القناة في تقريرها على إبراز وجهة نظر جبهة البوليساريو (التي تعاديها المغرب) على حساب الرباط، فضلا عن لهجة إيجابية غير معتادة أظهرت وكأنما تدافع القناة عن الجبهة دفاعا كبيرا.

وأشار التقرير إلى الجبهة بأنها تحوز اعتراف الأمم المتحدة “كممثل شرعي للشعب الصحراوي”، فضلا عن مطالبة الجبهة للمغرب بحق تقرير المصير، دون إية إشارة إلى الرواية المغربية التي تتحدث عن الصحراء الغربية باعتبارها جزءا من التراب المغربي، واستعدادها لمنحها حكما ذاتيا تحت سيادة الرباط.

كما أبرز التقرير ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” المعلنة من طرف واحد وهو جبهة البوليساريو، في إشارة مبطنة إلى اعتراف القناة بتلك الجمهورية، وهو الأمر الدخيل على لهجة الإعلام السعودي بشأن أزمة قديمة.

(تقرير العربية بشأن نزاع الصحراء غير مسبوق على الإعلام السعودي)

اللافت أن التقرير الذي يبدو مقحما في سياق الأحداث، يأتي بعد أيام من المقابلة التليفزيونية  التي أجرتها قناة “الجزيرة” مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.

الوزير المغربي كشف رسميا لكن بشكل غير مباشر انسحاب بلاده من التحالف الذي تقوده وقال  إن المغرب “غيّر مشاركته انطلاقا من تقييمه للتطورات على أرض الواقع، وانطلاقا من تقييم البلاد للتطورات في اليمن، خصوصا الجانب الإنساني”.

وأكد كذلك عدم مشاركة بلاده في آخر المناورات العسكرية التي شاركت فيها دول الخليج، مضيفا أن بلاده لم تشارك أيضا في عدد من الاجتماعات الوزارية لدول التحالف.

ورفض بوريطة اعتبار حياد بلاده من الأزمة الخليجية لا مبالاة، مؤكدا أن موقف المغرب انطلق من طبيعة العلاقة الشخصية بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والقادة الخليجيين، ومن ثم اعتبر نفسه معنيا برأب الصدع، فعرض الوساطة لحلها، وليس معنيا بالاصطفاف مع طرف ضد آخر.

وبشأن استثناء بلاده من الجولة المغاربية الأخيرة لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، قال الوزير: “المغرب كان ضمن الجدول، ولكن كانت هناك ترتيبات وتوافقات حول التواريخ والمواعيد وغيرها، وحول الطموح الذي نريده من هذه العلاقات”، الأمر الذي يُفهم منه تحفظ الرباط على استقبال ابن سلمان.

لاشك أن تلك التصريحات أحرجت بشدة السعودية، التي ربما استخدمت أحد أذرعها الإعلامية لرد الاعتبار أمام المغرب، لكن ما هي حقيقة المواقف المعلنة للمملكة بشأن أزمة الصحراء الغربية؟.

بين ليلة وضحاها!

ولعل الجميع يترقب المواقف الرسمية المعلنة للسعودية بعد التقرير الذي نشرته العربية، بحيث لو تماشيا فإن الأمر يمثل تحولا جذريا في مواقف المملكة التي تعد من المؤيدين تاريخيا لمغربية الصحراء، وساهمت في تمويل حروب خاضتها الرباط.

في أكتوبر الماضي، كانت السعودية على رأس 5 دول خليجية تعلن دعمها للمغرب في خطته لحل نزاع الصحراء الغربية، وذلك قبل بدء جولة جديدة من المحادثات المباشرة في جنيف مع جبهة البوليساريو.

وتلقت خطة المغرب القائمة حينها دعما من السعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين وهو ما أكدته تصريحات الممثلين الدائمين لتلك الدول في الأمم المتحدة.

وفي مايو 2018 أجرى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، اتصالا هاتفيا بنظيره المغربي الملك محمد السادس، أكد على وقوف المملكة مع المغرب تجاه كل ما يهدد أمنه واستقراره ووحدة أراضيه.

(الأحاديث الودية لم تزل جبال الجليد بين البلدين)

الاتصال جاء بعد إعلان المغرب قطع العلاقات مع إيران، متهما طهران وحزب الله بدعم جبهة البوليساريو التي تسعى لانفصال الصحراء الغربية.

وكان لافتا ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية التي قالت إن الزعيمان شددا على “ضرورة توحيد المواقف وتنسيق الجهود لمواجهة النزعة العدوانية للنظام الإيراني وتدخلاته ووكلائه في شؤون الدول العربية، وسياساته الهادفة لزعزعة الأمن والاستقرار في العالم العربي”.

وفي أبريل 2016 أعربت دول مجلس التعاون الخليجي خلال قمة مشتركة مع المغرب في الرياض دعمها للرباط في قضية الصحراء الغربية، وفي كلمة افتتح بها القمة، أكد العاهل السعودي مخاطبا نظيره المغربي على “تضامننا جميعا مع كل القضايا السياسية والأمنية التي تهم بلدكم الشقيق وفي مقدمتها الصحراء المغربية”.

وأضاف أن دول مجلس التعاون تؤكد “رفضنا التام لأي مساس بالمصالح العليا للمغرب” في ما يتعلق بالصحراء الغربية.

شبح الحرب لا ينقطع

في 1973 أُعلن تكوين جبهة تحرير وادي الذهب والساقية الحمراء المعروفة باسم “البوليساريو”، التي تدعو إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية كدولة مستقلة، وقامت الجزائر بدعم الجبهة عسكريًا ولوجستيًا في قتالها مع القوات المغربية في نهاية السبعينيات.

أزمة المنطقة الحقيقية بدأت قبل انسحاب الاحتلال الإسباني للمنطقة في أكتوبر1975 حيث طالبت المغرب باسترجاع الصحراء الغربية قبل انسحاب الاحتلال منها، معتبرة أن الصحراء الغربية جزء من أراضيها.

طلبت المغرب إحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للبت فيها، وقد أقرت محكمة العدل الدولية في 16 أكتوبر 1975بوجود روابط تاريخية وقانونية تشهد بولاء عدد من القبائل الصحراوية لحاكم المغرب، وكذلك بعض الروابط التي تتضمن بعض الحقوق المتعلقة بالأرض الواقعة بين موريتانيا والقبائل الصحراوية الأخرى.

كما قضت المحكمة بأن السكان الأصليين أهل الصحراء هم مالكو الأرض، وبالتالي فإنهم يتمتعون بحق تقرير المصير، غير أنه وبعد ساعات من صدور حكم المحكمة أعلن ملك المغرب حينها الحسن الثاني عن تنظيم “مسيرة خضراء” لإعادة الصحراء الغربية إلى الوطن الأم.

بعدها بأيام بدأت اتصالات دبلوماسية مكثفة بين المغرب وإسبانيا للوصول إلى حل، لينتهي الأمر في يوم 14 نوفمبر 1975 بتوقيعهما وموريتانيا اتفاقية في مدريد استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أغسطس 1979، تخلت موريتانيا عن جميع مطالبها بشأن نصيبها من الصحراء الغربية وتنازلت عن هذه المنطقة إلى البوليساريو، ولكن المغرب سيطرت عليها.

ومنذ هذا التاريخ شهدت المنطقة نزاعات مسلحة بين الطرفين، وبعد أن هزم الجيش المغربي، قوات البوليساريو بعد عناء، في عام 1980 اتجه إلى بناء جدار أمني استمر تشييده نحو 7 سنوات، يمتد على طول الحدود الجنوبية مع الجزائر.

(شبح الحرب يخيم دوما على نزاع الصحراء الغربية)

استمرت الاشتباكات حتى عام 1991، حيث أشرفت بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة على إلزام الطرفين بوقف إطلاق النار، وكانت السنوات التالية شاهدة على أحداث دامية بين شباب جبهة البوليساريو والحكومة المغربية متمثلة في أحداث العيون عام 1999 وأحداث السمارة 2005 وأحداث كديم ازيك عام 2010.

وفي أبريل 2007 قدمت المغرب للأمم المتحدة اقتراحًا بشـأن نظـام للحكـم الذاتـي للجبهـة، وظلت المشاورات قائمة منذ هذا التاريخ دون حسم بين زيارات لمبعوثين من الأمم المتحدة واجتماعات لمجلس الأمن.

وفي نوفمبر 2014 شدد الملك محمد السادس، في الذكرى الـ 39 لإحياء انطلاق المسيرة الخضراء، على أحقية المغرب التاريخية فى الصحراء الغربية.

جبهة البوليساريو ردت هي الأخرى باستعدادها للعودة إلى الكفاح المسلح، التهديد الذي تكرر في أبريل 2016 على لسان الأمين العام للجبهة “محمد عبد العزيز” باحتمال استئناف القتال مع المغرب إذا لم تنجز بعثة الأمم المتحدة في هذه المنطقة مهمتها بالكامل.