العدسة – ياسين وجدي:

كعادته يخلق كل دقيقة مواجهة ولكن في العراق الأمر مختلف والحسابات أعقد بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ظل تمسك الخط الشيعي العراقي بخطوط الدفاع المتقدمة لإيران من بلاد الرافدين.

قصف كلامي سرعان ما بدأ فور تصريحات ترامب عن مراقبة إيران من قاعدة الاحتلال الأمريكي في العراق لم ترعى انتباه  ممثلون للسنة كثيرا في ظل ثبات موقفهم الاستراتيجي من رفض الاحتلال الأمريكي والنفوذ الإيراني معا ، وهو ما ما جعل التهديدات الجديدة مجرد كلام في الهواء.

معركة جديدة !

لم يصبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيام قليلة على فتح جبهة معركة مع روسيا على خلفية تعليق معاهدة الصورايخ النووية ، حتى اتجه إلى العراق متأثرا بفوبيا “إيران” فنشبت معركة جديدة.

 

 

في مقابلة مع قناة سي بي أس الأمريكية تحدث ترامب بأريحية كبيرة قائلا :” إنه من المهم الإبقاء على وجود عسكري أمريكي في العراق لمراقبة إيران ” مضيفا أن أحد الدوافع وراء رغبته بإبقاء القوات في العراق هو أنه “يريد مراقبة إيران على نحو ما لأنها تمثل مشكلة حقيقية” خاصة أنه ليس قادرا على ضربها بحسب تأكيده!!.

مسمار جحا كما يصفه المراقبون في العراق هو قاعدة “عين الأسد” الجوية في محافظة الأنبار غربي العراق التي زارها ترامب في ديسمبر الماضي سرا ، وأحدث ضجة كبيرة وقتها بسبب عدم مقابلته أيا من مسئولي العراق ، وما زاد الطين بلة أنه صرح في ذات المقابلة أن واشنطن أنفقت مبالغ طائلة على تلك القاعدة العسكرية التي تقع في موقع متميز بالعراق !!

طبول المواجهة دقت سريعا ،  حيث صرح نائب رئيس مجلس النواب العراقي، حسن الكعبي، بأن ترامب سقط في “تجاوز صارخ وسافر للسيادة والإرادة الوطنية، وانتهاك فاضح للدستور العراقي الذي يقر بعدم اعتبار العراق منطلقا للاعتداء على أي دولة”.

لم يكتف الرجل بالتصريحات الكلامية، بل ذهب إلى إجراءات عملية حيث أعلن أن مجلس النواب “سيعمل خلال الفصل التشريعي المقبل، على تشريع قانون يتضمن إنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية مع أمريكا، فضلا عن إنهاء تواجد المدربين والمستشارين العسكريين الأمريكيين والأجانب في الأراضي العراقية”.

الرئيس العراقي برهم صالح، الذي جاء لمنصبه باحتفالات تمجد تاريخه النضالي في السجون ، لم يتحمل الضربة واضطر للرد على تصريحات ترمب، مؤكدا أن نظيره الأمريكي لم يطلب موافقة بغداد لإبقاء قوات بلاده في العراق لـ”مراقبة إيران” ، كاشفا عن أن “الحكومة طلبت إيضاحات بشأن أعداد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق ومهمتها”، لكنه تذرع بوجود “القوات الأمريكية في العراق بموجب اتفاق بين البلدين، ومهمتها مكافحة الإرهاب”!!.

تصعيد شيعي!

كلام نائب رئيس البرلمان حسن الكعبي ، ينطلق من إطار ولائه المعروف لإيران، وقد يشكل قاعدة جديدة في بلاد الرافدين للتصعيد ضد الاحتلال الأمريكي، طبقا للمصالح الإيرانية التي يراها ممثلون بارزون للسنة أنها باتت أشبه بالاحتلال هي الأخرى.

 

الاتجاه الشيعي هو المتصدر في الرد على ترامب ، حتى الآن ، ويبدو أنه لن يتوقف، حرصا على الدفاع عن إيران ، حيث أعرب رئيس ائتلاف النصر، حيدر العبادي، عن رفضه تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن تواجد القوات الأمريكية في العراق ومراقبتها لإيران ، قائلا في بيان رسمي :”الحديث عن قواعد عسكرية أمريكية في العراق لأهداف المواجهة يُعقد العلاقة مع دول الجوار ويُعرض العلاقة مع الولايات المتحدة إلى أزمات غير متوقعة، ويُخل بسيادة واستقلال العراق”.

في السياق نفسه أكد المتحدث باسم كتائب حزب الله العراق محمد محيي أن الهدف الأمريكي من التواجد العسكري في العراق مواجهة محور المقاومة، كاشفاً أن”عدد القوات الأمريكية في العراق يتجاوز الـ 34 ألف عسكري”، مضيفا لقناة الميادين أن تصريح ترامب إعلان صريح لاحتلال العراق ومرحلة جديدة من المواجهة.

تحالف “سائرون” المدعوم من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، علق على تصريحات الرئيس الأمريكي، على لسان النائب، صباح الساعدي، وأعلن التحرك البرلماني من جديد لتفعيل مقترح قانون إنهاء اتفاقية صوفا، وإلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، مؤكدا أنه لا يمكن السماح لا لترامب ولا لقواته ولا لأي دولة أخرى، أن تستغل أرض العراق من أجل تهديد دولة أخرى.

في الجانب الآخر تحدثت  هيئة علماء المسلمين، في العراق ( الممثل الأبرز للسنة) في تقدير موقف قبل أيام ، عن ذات الأزمة فهي  ترى أن العراق بات رهن الصراع بين النفوذين الأمريكي والإيراني في العراق، وعبرت في بيانها رقم (1360) ترفض أن يستمر العراق ساحة صراع قوى دولية وإقليمية وإرادات خارجية بعيدًا عن مراعاة مصالح العراق وشعبه.

غياب السيادة الوطنية لا تراها الهيئة في الاحتلال الأمريكي فقط ، بل كذلك في النفوذ الإيراني المتجاوز، وآخره ما قام به وزير الخارجية الإيراني، من تجاوز للأعراف الدبلوماسية والسياقات البروتوكولية بعقد عدة لقاءات في (بغداد) و(النجف) مع فئات مجتمعية عدة، منها: شيوخ عشائر وشيوخ دين وطوائف وغيرهم؛ في رسالة واضحة تبين أن العراق تحت النفوذ الإيراني، مظهرًا بذلك حجم التحكم الإيراني في العراق وقراراته المصيرية التي باتت تمثل صدى لحكومة طهران.

وسجلت الهيئة رفضها استغلال العراق كکبش فداء لتحقيق مآرب النظام الإيراني وأطماعه التوسعية في المنطقة، وجعله ساحة صراع قادمة يدفع العراق ثمنها باهظا من دماء أبنائه ومقومات شعبه الضرورية التي صار مفتقرًا إلى أدنى مستوياتها ، مؤكدة أن ما يجري من تحركات أمريكية في العراق لا يعدو كونه صراع نفوذ بين الاحتلالين الأمريكي والإيراني في سياق ملفاتهم غير المتفق عليها، ومحاولات لتحسين ظروف التفاوض لكل طرف على حساب الآخر، فمن سمح بالنفوذ الإيراني في العراق ومن ساند الميليشيات، ومن أوصل العراق إلى ما عليه اليوم؛ هي الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تغير من نهجها حتى بعد مرور ما يقرب من (16) عاما على احتلالها العراق.

تهويش إيراني!

في ظل هذا الانقسام الداخلي وشعور السنة بقضايا أهم مع رفض الاحتلالين الإيراني والأمريكي معا ، يرجح البعض أن تكون التهديدات في سياق “طق الحنك” الشيعي فقط!

ويستند هذا الفريق إلى التهديدات المماثلة التي أطلقها شيعة العراق وهيئاتهم الممثلة في السلطات العراقية إبان الزيارة السرية للرئيس الأمريكي لقاعدة عين الأسد في ديسمبر الماضي، حيث هددوا بطرد الأمريكان حتى آخر جندي من بلاد الرافدين دون تحرك فعلي.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي العراقي د. ماجد السامرائي فإنه لا يمكن بجميع المقاييس الاستراتيجية والسياسية أن يقاتل الأمريكان الإيرانيين حاليا على أرض العراق أو غيره، وما يحصل اليوم من تأجيج للمعركة السياسية بين الطرفين لن يصل إلى حالة الاشتباك العسكري، رغم أن النيران قابلة للاشتعال في أي لحظة.

ويصنف “السامرائي” في تقدير موقف له التصعيد الحالي بسبب خروج طهران عن فلكها الطبيعي كدولة نامية حالها حال الدول الأخرى في المنطقة، وبسبب أن نظامها الطائفي المتطلع إلى خارج الحدود خلف الكوارث على الشعوب الإيرانية التي تستحق الحياة المدنية الحرة الكريمة موضحا أن نفوذ طهران في العراق، كان إضافة إلى ثلاث عواصم عربية أخرى، سببا في شعورها بأنها دولة كبيرة قادرة على إدارة صراع سياسي وعسكري مع واشنطن تتمكن من خلاله من سرقة هذه المكانة، رغم أن هذا الواقع شاذ في الهيمنة الطارئة على العراق من خلال الحكم وبسبب الأميركان الذين قدموه هبة لطهران .

ووفق السامرائي فإن دونالد ترامب يحاول في سياسته الخارجية تصحيح ذلك فهو يشعر بمرارة أن بلاده أنفقت 7 تريليونات دولار في العراق والمنطقة من دون مقابل، وهو ما دفعه إلى إعلان استراتيجية إعادة إيران إلى حجمها الطبيعي وفق العقوبات الاقتصادية وخصوصا على الساحة العراقية، لأن العراق هو المجال الحيوي الأول لتنفيذ مثل هذه الاستراتيجية.