العدسة- ياسين وجدي
شهد مطلع العام الجاري سباق صهيوني للتوسع الاستيطاني المجرم في الضفة والقدس المحتلتين، بشكل تخطى التكتم والالتفاف إلى المجاهرة بالمخططات والعدوان.
الشكل الحالي بات يعزز المخاوف الدائرة عن بدء تنفيذ صفقة القرن بشكل فعلي، عبر سياسة الأمر الواقع، وهو ما باتت ملامحه كثيفة بشكل يثير الدهشة من الصمت العربي في انتظار إعلان صفقة يجرى تنفيذها بالفعل، وهو ما نستعرضه وندق من خلاله نواقيس الخطر في منطقة يبدو أنها لا تستيقظ إلا متأخرا!
شهادة أممية
لفت الانتباه إلى التوسع غير المسبوق ،المقرر الأممي الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية (1967) مايكل لينك حيث دعا المجتمع الدولي قبل أيام باتخاذ إجراءات ضد عمليات الكيان الصهيوني التوسعية الأخيرة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
ثلاثة وقائع أثارت قلق الأمم المتحدة وفتحت الحديث عن تنفيذ متصل بصفقة القرن، وفي مقدمتها وفق البيان الأممي الأحداث التي وقعت في قرية المغير بالضفة الغربية في 26 يناير والتي اعتبرها البيان مثال حي على هذه الظاهرة المقلقة للغاية.
وفي هذا السياق جاء إصدار مناقصات لبناء وحدات الاستيطان بشكل متزايد ومتسارع، ووفقاً لمنظمة “السلام الآن” ، تم إصدار 3154 مناقصة في عام 2017، وفي عام 2018 ، تجاوز هذا الرقم 3800، وهو أعلى رقم منذ عام 2002، بالتزامن مع الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة الصهيونية لتوسيع المستوطنات القائمة في بيت لحم ورام الله، بجانب طرد اللاجئين الفلسطينيين من ديارهم في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، حيث سيحل محلهم مستوطنون صهاينة.
في 8 يناير كذلك كانت الأراضي المحتلة على موعد آخر للاستيلاء وتغيير طبيعة الأرض، حيث فتح الكيان الصهيوني طريق 4370، الذي يربط القدس بالمستوطنات شمال وشرق المدينة، وهو الطريق الذي أطلقت عليه صحيفة هاآرتس “طريق الفصل العنصري”، ويتكون من طريقين متوازيين – أحدهما للصهاينة والآخر للفلسطينيين في الضفة الغربية – مع جدار فاصل بينهما ، وهو ما شكل بحسب الشهادة الأممية جزءاً لا يتجزأ من شبكة من مستويين للطرق السريعة المعزولة في الضفة الغربية المحتلة دعماً للمستوطنات، و جزء من استراتيجية الكيان الصهيوني طويلة المدى لضمان التواصل بين القدس والمستوطنات المحيطة بها ، وتدعيم مطالبة دولة الاحتلال بالسيادة على المنطقة” ج “، التي تغطي 60% من الضفة الغربية.
مايكل لينك كان حذرا بوضوح من المخطط الدائر في نداء أطلقه العام الماضي مؤكدا أن دولة الاحتلال تمضي في طريق إضفاء الطابع الرسمي على عملية الضم عبر القانون المحلي، وذلك في تقرير موثق قدمه إلى الجمعية العامة موضحا أن الكنيست الصهيوني اعتمد عددا من القوانين خلال فترة قصيرة كانت بمثابة الضوء الأخضر لمزيد من خطوات الضم الرسمية.
ويأتي في هذا السياق بحسب تأكيد اثنين من خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حكم محكمة صهيونية عليا يمنح حكومة الاحتلال الضوء الأخضر لهدم كامل المجتمع البدوي الفلسطيني في خان الأحمر قبل نهاية العام الماضي والذي لازال تهديدا حتى الآن.
واقع يتشكل بالقوة!
وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الفلسطينية أكدت هذه المؤشرات، حيث ترى أن “الضجيج” الذي تفتعله الإدارة الأمريكية ومبعوثيها إلى المنطقة تحت شعار ما تُسمى بـ (صفقة قرن)، يوفر أفضل الفرص لليمين الحاكم في الكيان الصهيوني للإسراع والتمادي في تنفيذ مخططاته وبرامجه الاستعمارية التوسعية لابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية المحتلة وتهويدها، وإغلاق الباب نهائياً أمام أية جهود لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، وهو ما اتضح ميدانياً وبشكل جلي من عمليات تعميق غير مسبوقة للاستيطان و “تشبيك” توسعي للمستوطنات والبؤر الاستيطانية بعضها ببعض وربطها بالعمق الصهيوني، بما يؤدي إلى محو الخط الأخضر.
وحسب شهادة أهل الديار أنفسهم فإن من هذه المخططات الخطيرة ما يجري تنفيذه في مناطق جنوب القدس المحتلة من توسيع لمستوطنة (هار جيلو) وربطها مع مستوطنة (جيلو)، وهو ما سيؤدي إلى مصادرة مساحات شاسعة من أراضي بلدة (الولجة) ويعزلها عن محيطها الفلسطيني، بالإضافة إلى الاستيلاء على الأحواض المائية الموجودة في المنطقة، بالتزامن مع إطار مخطط توسيع حدود القدس جنوباً نحو التجمع الاستيطاني المسمى بـ (غوش عتصيون)، وعزل القرى والبلدات الفلسطينية جنوب القدس المحتلة عن محيطها الفلسطيني، بهدف خلق أغلبية يهودية في ما يسمى بـ (القدس الكبرى)، وفي سياق هذا المخطط سيتم إقامة أكثر من 300 وحدة استيطانية جديدة، وإنشاء خط للقطار الخفيف يربط مستوطنات شمال القدس بالمستوطنات الواقعة جنوبها”.
في الضفة كذلك تمضي آلة الاحتلال في نفس الطريق ، حيث من المقرر بناء أكثر من 1000 وحدة استيطانية جديدة في أنحاء مختلفة من الضفة الغربية المحتلة، غالبيتها خارج ما تُسمى بالكتل الاستيطانية الضخمة، بجانب خلق حالة من الترابط والتشبيك بين جميع المستوطنات والبؤر الاستيطانية عبر شق مئات الطرق الضخمة التي تلتهم مساحات واسعة من أراضي المواطنين الفلسطينيين”.
وأعلن وزير الجيش في حكومة الاحتلال المستقيل ( أفيجدور ليبرمان) كذلك عن مخططات استيطانية جديدة في الضفة المحتلة تستهدف بناء 3900 وحدة استيطانية في أكثر من 30 تجمعا استيطانيا في الضفة المحتلة بينها مستوطنات أرئيل، ومعاليه أدوميم، وكريات أربع، وكفار عتصيون.
مكر صهيو أمريكي!
وبحسب المراقبين فإن الولايات المتحدة الأمريكية تستغل اشتعال الأوضاع في الضفة الغربية لتهيئة الظروف لتمرير صفقة القرن، في حين تتعمد دولة الاحتلال زيادة انتهاكاتها، وتكريس أمر واقع لإجبار الفلسطينيين على قبول الخطة الأميركية.
وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت مؤخرا لصحيفة “العرب” فإن صفقة القرن التي كثر الحديث عنها ولم تطرح بعد، لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى حرب سياسية للترويج إليها، بعدما قطعت شوطا كبيرا في تطبيق الكثير من مكوناتها، مستفيدة من انهماك الفصائل الفلسطينية في خلافات وصراعات مضنية، وانخراط السلطة الوطنية في حرب تصفية الحسابات مع خصومها، ودخول أطراف إقليمية على الخط بحجة المساعدة الإنسانية، بينما تقود التصرفات إلى تثبيت المفاصل الرئيسية للصفقة، بحيث يصعب التراجع عما تم إنجازه على أرض الواقع.
الاستباحة الصهيونية في الضفة والقدس المحتلتين موثقة ، ووفق تقرير سنوي أصدرته الدائرة الإعلامية لحركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالضفة الغربية ، فإن أكثر من 32 ألف انتهاك للاحتلال الإسرائيلي جرت بحق المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلتين، خلال عام 2018.
وأحصى التقرير 91 نشاطًا استيطانيًّا تنوع ما بين بناء وحدات سكنية ومخططات لبناء أخرى ومصادرة وتجريف آلاف الدونمات وشق طرق وتوسعة وإقامة بؤر استيطانية ومعسكرات للجيش ، فيما بلغ عدد عمليات مصادرة ممتلكات للمواطنين الفلسطينيين 369 عملية وفقًا للتقرير، ودمرت ممتلكات أخرى في 381 عملية مع إبعاد 206 فلسطينيين عن مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى.
بدوره حذر الكاتب الفلسطيني “غسان مصطفى الشامي” في هذا الإطار من أن المستوطنات الجديدة في الضفة هي بداية حقيقية لصفقة القرن، موضحا أن الحكومة الصهيونية تواصل بخط ممنهج طرح المئات من المخططات الاستيطانية في الضفة المحتلة، بهدف استمرار تهويد الضفة والتوسع الاستيطاني في كافة أرجائها بشكل يسير في فلك صفقة القرن الأمريكية مؤكدا أن الحكومة الصهيونية بدأت بالتنفيذ الفعلي لصفقة القرن بحيث تكون مستوطنات الضفة ضمن حدود الكيان ولم يتبقى من الضفة سوى رام الله وعدد من المدن الفلسطينية الأخرى، وهو ما يؤدي إلى فرض واقع جغرافي جديد على الأرض يتماشى مع ما رسمته صفقة القرن للضفة المحتلة.
فهل يتحرك العرب في الاتجاه الصحيح؟!
اضف تعليقا