العدسة: محمد العربي

كشفت التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام الدولية عن كبير مساعدي الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، بأنه سوف يطلع المشاركين في مؤتمر وارسو المزمع عقده بعد أيام بالعاصمة البولندية عن آخر تطورات صفقة القرن، أن الهدف من المؤتمر لم يكن فقط محاصرة إيران، وإنما كذلك لدعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قبل أسابيع من إجراء الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها في التاسع من أبريل المقبل، وهي الانتخابات التي يواجه فيها نتنياهو أزمات داخلية تهدد استمراره.

وتشير ردود الأفعال التي صاحبت خطة كوشنر، إلي أن الولايات المتحدة تريد أن تخرج من مؤتمر وارسو بالعديد من المكاسب لصالح إسرائيل، سواء من خلال خطتها لعزل إيران وتطويقها عسكريا وسياسيا، أو من خلال تأمين أمن إسرائيل، وهو ما تعول عليه إدارة ترامب للحصول على المزيد من التأييد من اللوبي الصهيوني، لدعم إدارة ترامب التي تواجه هي الأخرى العديد من الأزمات.

ماذا يريد صهر الرئيس

التقارير الصحفية التي تتابع المؤتمر المرتقب، تشير إلي أن كوشنر سوف يطلع عددا من المسؤولين الدوليين، على تطورات الخطة الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين المعروفة بصفقة القرن، دون أن توضح ما إذا كان كوشنر سوف يكشف عن كافة تفاصيلها كاملة، أم أنه سوف يكتفي بطرحها علي مائدة النقاش من أجل “الشو الإعلامي” لدعم نتنياهو ليس أكثر.

ونقلت العديد من التقارير الصحفية أن كوشنر سوف يقوم بعرض تصوراته حول صفقة القرن بشكل شفوي دون توزيع أوراق، وهو العرض الذي يوضح وجهة نظر الإدارة الأمريكية بأن أي سلام يجب أن يقوم على معطيات الأمر الواقع الذي يأخذ بعين الاعتبار أمن إسرائيل وضرورة توفير دعم اقتصادي ومالي لتخفيف معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن كوشنر سوف يشارك في جلسة يترأسها وزير الخارجية النرويجي السابق بورغ براندي، على هامش مؤتمر وارسو حول إيران، في الرابع عشر من الشهر الجاري، ونسبت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية لمسؤول بالبيت الأبيض، أن كوشنر يخطط لأن يركز نقاشه مع المسؤولين الأجانب على خطته للسلام، وأنه سوف يقدم إجابات على أسئلة المسؤولين الدوليين عن خطته للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويدعم المراقبون رأيهم المتعلق بخطة كوشنر ودعمها لنتنياهو في الانتخابات المقبلة، بأن كل الأخبار التي تحدثت عن الموضوع خرجت من الإعلام الإسرائيلي، حيث نقل التليفزيون العبري أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، سيلتقي الطاقم الأمريكي الخاص بصفقة القرن خلال مشاركته في مؤتمر وارسو ببولندا.

وحسب القناة العبرية “13” فإنه من المقرر أن يلتقي نتنياهو بفريق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة بـ “صفقة القرن”، والمكون من جاريد كوشنير، صهر الرئيس ومستشاره الخاص، وجيسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط.

كما نقلت صحيفة “معاريف” بأن كوشنر سيعلن ربما عن الكثير من تفاصيل الخطة الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط، خلال جلسة عامة مفتوحة، بمشاركة الصحفيين، على هامش اجتماعات مؤتمر وارسو، وأن صهر الرئيس الأمريكي سيعلن عن التوقيت الذي تعتزم خلاله الولايات المتحدة الإعلان عن “صفقة القرن”، والكيفية التي تخطط الإدارة الأمريكية من خلالها الإعلان عن الخطة، وأن هناك احتمالية لعقد لقاء بين نتنياهو، وكوشنير، وغرينبلات، على هامش فعاليات المؤتمر نفسه.

مشاورات لا مفاوضات

وقدم المراقبون عدة دلائل على صحة آرائهم بأن كوشنر يريد استغلال المؤتمر لدعم نتنياهو في صراع الانتخابات المقبلة، ومن هذه الدلائل ما نقلته وكالة رويترز عن مسئولين أمريكيين الجمعة بأن أمريكا وجهت الدعوة لمسؤولين فلسطينيين لحضور المؤتمر، والمشاركة في الاجتماعات التي يشهدها حول القضية الفلسطينية، وأن هذه الاجتماعات ستكون من باب المناقشات وليس المفاوضات حول الشرق الأوسط.

ونقلت الوكالة عن مسؤول أمريكي لم تسمه بأن كوشنر صهر الرئيس ترامب سيبحث خلال المؤتمر ”جهود الإدارة لدفع عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وسيجيب على أسئلة يوجهها الحضور” مبديا في الوقت نفسه ترحيب إدارته بآراء السلطة الفلسطينية خلال النقاش، مؤكدا أن المؤتمر، ليس مجال للمفاوضات ولكنه للنقاش والحوار البناء.

نتنياهو المتأزم

ويرى المراقبون أن نتنياهو يحاول تحصيل المزيد من المكاسب السياسية مستفيدا بدعم الرئيس الأمريكي وإدارته التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني، خاصة وأن هناك معلومات صحفية تؤكد أن نتنياهو يعاني من مشاكل داخلية متعددة ربما تهدد وجوده في الانتخابات المقبلة وهو ما اعتبره المراقبون الدلالة الثانية لوجهة نظرهم السابقة، خاصة بعد إعلان النائب العام الإسرائيلي، أفيخاي مندلبليت، لطاقم الدفاع عن نتنياهو، بأنه قد يحسم القرار في ملفات فساده قبل الانتخابات.

وحسب مندلبليت فإن تأجيل القرار بشأن ملفات فساد نتنياهو يمس مبدأ المساواة والعدل أمام القانون، ويمنع الإسرائيليين من معرفة حقيقة من يمثلهم، خلال الأيام المقبلة، ما يستوجب الإعلان عن القرار، وهو ما ردت عليه وزيرة القضاء الإسرائيلي بأنه لا مانع من أن يقوم النائب العام بنشر قراره بشأن ملفات فساد نتنياهو قبل الانتخابات، مشيرة إلى أن للجميع الحق بافتراض البراءة، وهي من حق نتنياهو أيضًا، في حين وصف نتنياهو النائب العام بأنه خضع للضغوط التي يمارسها اليسار والإعلام.

ويرى المتابعون أن ما صدر عن نتنياهو بعد إعلان النائب العام، يدعم كذلك الرأي السابق بأن الهدف من الحديث عن صفقة القرن خلال مؤتمر وارسو، إنما هي للدعم السياسي لرجل ترامب المقرب في إسرائيل، ولذلك فإن نتنياهو كان حريصا بأن يوضح أن الأحزاب اليسارية تضغط لتقديم لائحة اتهام ضده بأي ثمن، حتى دون وجود أي شيء، وأن الأمر الأساسي بالنسبة لهم أن يكون ذلك قبل الانتخابات، وهو ما يمكن أن يدفع لصعود اليسار إلى الحكم.

ويشير المراقبون إلى أن قرار النائب العام الإسرائيلي سوف يطيح بأحلام نتنياهو، الذي توسع خلال الأيام الماضية في تقديم نفسه للمجتمع الإسرائيلي، بأنه صاحب سياسة الانفتاح على العرب، ومن خلاله سيتم القضاء علي الفلسطينيين بما يحمي أمن إسرائيل، وأنه الوحيد القادر على استغلال الإدارة الأمريكية الحالية، وأن نشاطه الدبلوماسي، والسياسي، هو الذي أدى لزيادة معدلات التطبيع مع الدول العربية الكبرى وخاصة السداسي الخليجي وفي مقدمتهم السعودية والإمارات، وهو ما يعني في النهاية أن كل ما يجري إنما بهدف إقناع الناخب الإسرائيلي أن وجود نتنياهو مرتبط بمصلحة إسرائيل بعيدًا عن أي ملفات فساد.

مخاوف السلطة

ووصف المراقبون موقف السلطة الفلسطينية بما كشفه الإعلام الإسرائيلي عن طرح صفقة القرن على مائدة مؤتمر وارسو، بعديم الفائدة، خاصة وأن كل ما قامت به السلطة ضد حركة حماس من أجل نيل الرضا الأمريكي والإسرائيلي لم يحقق النجاح المرجو الذي كان يأمل من خلاله رئيس السلطة محمود عباس في الإطاحة التامة بحماس من غزة بدعم دولي وخاصة أمريكي.

وحسب بيان السلطة الفلسطينية وتصريحات المسئولين فيها، فإن المؤتمر يعد بمثابة مؤامرة أمريكية تستهدف النيل من استقلالية قرارات المشاركين بالمؤتمر السيادية، حيال قضايا جوهرية تعتمد على مواقف مبدئية لهذه الدول، مثل الموقف من القضية الفلسطينية.

وحذرت السلطة الدول من المشاركة في مؤتمر “وارسو”، من الانجرار وراء المؤامرة الأمريكية التي تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، مؤكدة أنها لن تتعامل مع مخرجات مؤتمرات غير شرعية، وأنها سوف تظل متمسكة بمواقفها الثابتة وسوف تواصل مساعيها مع الدول، وكأن مؤتمر وارسو لم يعقد.