أحمد حسين
من جديد تطل علينا القارة العجوز بأحدث إصداراتها من القرارات والحوادث العنصرية ضد المسلمين المقيمين فيها، لتواصل أوروبا العزف على أوتار الإسلاموفوبيا.
ومع تكرار مشاهد أوروبا العنصرية، يقع المسلمون هناك ضحية ليس لأوروبا فقط، بل لحكام دول ومنظمات ومؤسسات إسلامية تلتزم الصمت دوما، فلا ترد بموقف صارم، وباتت عبارات الشجب والإدانة والاستنكار أيضا شحيحة.
استبدال “الإسلام” في النمسا
السلطات النمساوية كانت البطل في أحدث مظاهر العنصرية الأوروبية ضد المسلمين، بإجراء جديد أثار حالة من الاستياء الشديد لدى أوساط المجتمع المسلم، حيث استبدلت كلمة “الإسلام” بحروف استدلالية، في الشهادات المدرسية.
وزارة التربية، ورئاسة الشؤون الدينية التابعة لرئاسة الوزراء، أقدمتا على وضع اختصار “الهيئة الإسلامية” في البلاد İGGÖ عوضا عن كلمة “الإسلام”، الأمر الذي اعتبره قادة رأي المجتمع الإسلامي، تمييزا صارخا ضد المسلمين، من الحكومة اليمينية المتطرفة.
وقال رئيس الهيئة الإسلامية، “أوميت فورال”، إن وزارة التربية بررت خطوتها بالحيلولة دون اختيار الطلاب أبناء الطائفة العلوية، درس “الإسلام” بالخطأ، لدى تحديد الدروس الاختيارية، مؤكدا رفض الهيئة قرار وضع الأحرف المختصرة لاسمها، عوضا عن كلمة الإسلام الدالة على هوية المسلمين.
وشدد في تصريحات صحفية، على أن الإقدام على هذا التغيير في الشهادات المدرسية التي تعد وثائق رسمية، لا ينبغي أن يتم عبر قرار من جهة بيروقراطية، معلنا أن الهيئة ستلجأ إلى كافة الوسائل القانونية، ضد القرار.
أستاذ العلوم السياسية، الباحث في جامعة جورج تاون، “فريد حافظ”، قال إن القرار يرمي على المدى البعيد إلى إضعاف الهيئة التي تمثل المسلمين رسميا، في إطار سعي الحكومة اليمينية المتشددة إلى تشكيل “إسلام خاص وفق منظورها”.
الهيئة تنضوي تحت مظلتها كافة المساجد والجمعيات الإسلامية، الأمر الذي لا يروق لليمين المتطرف الذي يحكم البلاد.
(المركز الإسلامي في العاصمة النمساوية فيينا)
اللافت أن القرار النمساوي يأتي بعد نحو شهرين على تصريحات أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش”، حذر خلالها من “تزايد الخطاب الذي يحض على الكراهية والعنصرية ضد الإسلام”.
وفي الذكرى السبعين للاتفاقية الدولية الخاصة بمكافحة الإبادة الجماعية، أعرب غوتيريش عن “القلق العميق إزاء محنة مسلمي الروهينجيا في ميانمار، الذين تعرضوا للقتل والتعذيب والاغتصاب والحرق بصورة ممنهجة”.
منذ أغسطس 2017، أسفرت جرائم تستهدف الأقلية المسلمة في إقليم “أراكان”، من قبل جيش ميانمار ومليشيات بوذية متطرفة، عن مقتل آلاف الروهينجيا، حسب مصادر محلية ودولية متطابقة، فضلا عن لجوء نحو 826 ألفا إلى الجارة بنجلاديش، وفق الأمم المتحدة.
وتعتبر حكومة ميانمار مسلمي الروهينجيا “مهاجرين غير نظاميين” من بنجلاديش، فيما تصنفهم الأمم المتحدة “الأقلية الدينية الأكثر تعرضا للاضطهاد في العالم”.
تزايد رغم المخاطر
العديد من البلدان الأوروبية الكبرى التي استقر المسلمون فيها منذ عقود، ترفع دوما شعار العنصرية ضدهم، حيث كشف استطلاع للرأي أجرته وكالة الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية على أكثر من 10 آلاف مسلم في 15 دولة أوروبية، أن نحو 92% من المسلمين قيد البحث عانوا من التمييز العنصري بأشكاله المختلفة.
وأوضحت النتائج أن 53% من المسلمين في أوروبا واجهوا التفرقة العنصرية عند محاولات العثور على منزل بسبب أسمائهم، بينما عانى 39% من التمييز العنصري بسبب مظهرهم الخارجي عند سعيهم للحصول على عمل، وشكلت النساء أغلب تلك النسبة.
كما لفتت الدراسة، التي أجريت بين أكتوبر 2015 ويوليو 2016، إلى “تعرض نحو 94% من النساء المحجبات المشاركات في الاستطلاع، لاعتداءات ومضايقات تراوحت بين الجسدية واللفظية”.
(أعداد المسلمين في ازدياد مستمر رغم العنصرية المقيتة)
وعلى الرغم من تلك الأرقام التي يتحدث الواقع عن أضعافها، فإن أتباع الدين الإسلامي بأوروبا يزدادون بشكل مطرد.
توقعت دراسة أعدها مركز “بيو” للأبحاث بواشنطن أن تصل أعداد المسلمين في بعض الدول الأوروبية إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050.
وأوضحت الدراسة أن الهجرة وموجة النزوح تشكلان أهم الأسباب التي أدت إلى تزايد عدد المسلمين في أوروبا.
ومن المتوقع، حسب مركز بيو، أن تنتقل أعداد المسلمين في ألمانيا وحدها من 6.1 عام 2016 إلى 19.7 % عام 2050.
أوروبا تنضح عنصرية
ويبدو الحديث عن موجات العنصرية التي يعاني منها المسلمون في أوروبا مادة خصبة ومتجددة ومنتشرة في عدة دول من شمال القارة إلى جنوبها.
في اليوم الأول من عام 2019، أفادت وسائل إعلام سويدية بتعرض مسجد في مدينة مالمو إلى هجوم مسلح، لم يسفر عن وقوع إصابات.
سبق هذا الحادث، إقدام مجهولين مطلع رمضان الماضي على إحراق مسجد في مدينة هسلهولم.
يان جونسون، المدير السابق لمجلة سامتيدن الوسيلة الإعلامية للحزب الديمقراطي الاشتراكي السويدي اليميني المتطرف، نشر عبر حسابه على موقع تواصل اجتماعي رسوما كاريكاتيرية مهينة للمسلمين.
(ألسنة اللهب تتصاعد من مسجد في السويد)
وقال “توماس أبيرج” مؤسس جمعية “أبحاث جرائم الكراهية في الإنترنت”، بالسويد، إن ثلث جرائم الكراهية المرتكبة بالبلاد عام 2017 استهدفت المسلمين.
وذكر أن الشرطة سجلت حدوث 767 جريمة كراهية في الإنترنت عام 2017 في السويد، ثلثها استهدف المسلمين، ثم الأفارقة، واليهود.
في نوفمبر 2018، كشف تقرير لمؤسسة حقوقية بريطانية إن بريطانيا شهدت 608 حوادث مرتبطة بظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) خلال 6 أشهر.
وقال منظمة “تيل ماما” إنها رصدت في الفترة بين يناير ويونيو 2018 وقوع 608 حوادث “إسلاموفوبيا” ببريطانيا، من أصل 685 حادثة متعلقة بالعنصرية.
65.9 % من الحوادث (401 حادث) وقعت في شوارع المملكة المتحدة، كما أشار التقرير إلى أن 58 % من حوادث الإسلاموفوبيا استهدفت النساء، بسبب ارتداء المسلمات للحجاب.
(مسلمو بريطانيا يعانون عنصرية متزايدة)
وفي سويسرا كان المسلمون على موعد مع مظهر جديد من مظاهر العنصرية، ففي سبتمبر الماضي وافق السويسريون في كانتون “سانت جالن” شمال شرق البلاد في استفتاء على حظر النقاب في الأماكن العامة، ليصبح بهذا ثاني مقاطعة سويسرية تتخذ مثل هذا القرار.
وأقر البرلمان الإقليمي هذا القانون بدعم من الأحزاب الشعبوية اليمينية والوسطية، ومن المتوقع أن يُدعى الناخبون في جميع أنحاء سويسرا للتصويت على مبادرة حظر النقاب في عموم البلاد العام الجاري بعد أن جمع حزب الشعب السويسري اليميني الشعبوي المتشدد 100 ألف توقيع مطلوبة لطرح أي قضية على الاستفتاء.
أما في هولندا يستمر “خيرت فيلدرز” زعيم حزب “الحرية” اليميني المتطرف في بث سمومه العنصرية ضد المسلمين بلا هوادة، حيث قدم في سبتمبر الماضي إلى البرلمان مقترح مشروع قانون لحظر العبارات الإسلامية في هولندا.
وقال في تصريحاته أمام البرلمان حينها: “نحن بحاجة إلى تطهير بلدنا من الإسلام. الإسلام لا ينتمي إلى هولندا. الإسلام يساوي الكراهية والإرهاب”.
(الهولندي فيلدرز أبرز الوجوه الأوروبية العنصرية)
وأضاف أنه “لسنوات، لم يتم فعل أي شيء لمنع الإسلام، ولهذا السبب اقترحنا مشروع قانون لحظر العبارات الإسلامية في هولندا.. ينبغي أن تُحظر المساجد والمدارس الإسلامية والبرقع والقرآن. آمل أن تحتذي بقية الدول بهذا”.
إسبانيا لم تكن هي الأخرى ببعيدة عن مشاهد العنصرية ضد المسلمين، رغم جذورهم التاريخية الذاربة في أنحاء البلاد (الأندلس) التي كانت جزءا من الدولة الإسلامية لعدة قرون.
قالت منصة المواطنة الإسبانية حول الإسلاموفوبيا، إن بلادها شهدت في 2017، أكثر من 500 حادثة متعلقة بالإسلاموفوبيا، بينها حوادث استهدفت نساء وأطفالا ومساجدا.
وبحسب التقرير اتجاه متزايد من التحيز ضد الإسلام بين مختلف الآراء السياسية في إسبانيا، وتم أيضا توثيق حوادث من تلك الظاهرة في الشوارع، والإعلام، وحملات الإنترنت، من قبل مجموعات يمينية متطرفة.
كما أشار إلى أن 386 حادثة من أصل 546 من حوادث الإسلاموفوبيا بالبلاد، جرت عبر منصات إعلامية أو مواقع الإنترنت، فيما وقع 48% من تلك الحوادث عبر اعتداءات لفظية ضد الإسلام والمسلمين.
وقع العنصرية كان أشد وطأة على المسلمين في ألمانيا، حيث وثقت السلطات الألمانية 950 هجوما على الأقل على مسلمين ومنشآت إسلامية مثل المساجد في عام 2017.
(النيران تلتهم أجزاء من أحد مساجد برلين)
وكشفت بيانات قدمتها وزارة الداخلية الألمانية لمشرعين أن 33 شخصا أصيبوا في الهجمات التي كان 60 منها موجها ضد مساجد ونفذ بعضها بدماء خنازير، وأظهرت البيانات أن كل مرتكبي تلك الهجمات تقريبا من المتطرفين اليمينيين.
ولعل أبرز موجات العنصرية ضد الإسلام والمسلمين في أوروبا، ما شهدته فرنسا العام الماضي، من عريضة تدعو إلى حذف آيات من القرآن الكريم” بزعم أنها معادية لليهود.
وقع العريضة شخصيات سياسية يمينية ويسارية، أبرزها الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي.
اضف تعليقا