أحمد حسين

ربما لم يتوقع أحد أن تكون إقالة تركي الدخيل، من منصب المدير العام لقناتي “العربية” و”العربية الحدث” التابعتين لمجموعة “إم بي سي”، ليس عقابا بل مكافأة، وتوطئة لدخوله مجال الدبلوماسية سفيرا للسعودية بالإمارات.

التفسير المنطقي الوحيد لهذه الترقية، إن جاز التعبير، هي مدى متانة العلاقة التي تربط الدخيل بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد من ناحية، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان من ناحية أخرى، والتبعية التي تربط المحمدين.

المفارقة أن السبب الذي تم الترويج له في تبرير الإقالة وهو الفشل في إدارة أزمة مقتل جمال خاشقجي إعلاميا، يبدو شديد الرمزية بالنسبة للدخيل الصحفي الذي ربطته علاقة “صداقة” مع المغدور.

على أشلاء خاشقجي

ولعل أبرز ملامح العلاقة التي تربط الصديقين كانت بصحيفة “الوطن” السعودية، فبينما كتب لها الدخيل كان خاشقجي يرأسها لفترة وجيزة، إلا أن الأول كان في طليعة المدافعين عن المملكة وولي عهدها أمام اتهامات التورط باغتيال خاشقجي.

اللافت أنه وقبل أيام فقط من أداء الدخيل اليمين أمام العاهل السعودي سفيرا لبلاده بالإمارات، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، أن ابن سلمان، تعهد في سبتمبر 2017 باستخدام “رصاصة” ضد خاشقجي، وذلك قبل عام من مقتله.

وبحسب تقرير الصحيفة، اعترض مسؤولون بالاستخبارات الأمريكية، اتصالات بين ابن سلمان، وأحد كبار مساعديه، وهو تركي الدخيل، شهدت إطلاق الأمير تهديدات ضد خاشقجي، قبل أن يبدأ الأخير في كتابة مقالات لصحيفة “واشنطن بوست”.

(الدخيل يؤدي اليمين سفيرا للسعودية بالإمارات)

ونقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤولين (لم تسمهم) مطلعين على تقارير صدرت عن الاستخبارات الأمريكية في ديسمبر الماضي، أن ابن سلمان قال خلال حديثه مع الدخيل “إنه إذا كان من غير الممكن استدراج خاشقجي إلى السعودية ، فيجب إعادته بالقوة”.

وتابع المسؤولون أن الأمير السعودي أشار في حديثه أيضا، أنه في حالة عدم نجاح هاتين الطريقتين، فسيلاحق خاشقجي بـ”رصاصة”.

ويبدو هنا أن ابن سلمان ربما حاول استغلال علاقة “الصداقة” بحكم المهنة التي تربط الدخيل وخاشقجي، من أجل استمالة الأول لاستدراج الثاني، وفق المخطط سالف الذكر.

(خاشقجي تسبب بإقالة الدخيل من العربية)

لكن خاشقجي أكثر من زميل مهنة بل “صديق” أشاد الدخيل سابقا بكتاباته، ومن ذلك المقال الذي نشرته صحيفة “الرياض” السعودية في يوليو 2013، حيث قال: “الصديق أبو صلاح جمال خاشقجي صدر له هذا الشهر كتابه المهم (احتلال السوق السعودي) قال فيه خاشقجي كلاماً مهماً عن السوق السعودي الكبير الواسع، وناقش فيه مشكلات كبيرة ومعقدة ومتشابكة”.

هذه الصداقة لم تمنع الدخيل من التماهي مع رواية السعودية الرسمية بشأن مقتل خاشقجي، لكن ىثارها جاءت متأخرة للغاية ومن باب الإشادة بحكام السعودية أكثر من الترحم على الصديق.

ففي 6 نوفمبر 2018 أي بعد أكثر من شهر على اغتيال خاشقجي، كتب الدخيل مقالا نشرته “الشرق الأوسط” تحت عنوان “جمال أبناء جمال”، أشار فيه إلى تصريحات نجلي الراحل عن والدهما وثقتهما بالمملكة، كما أشاد بالملك سلمان وولي عهده، وقدرة بلاده على تجاوز الخصوم والشائعات.

السر في علاقة المحمدين!

ويبقى التساؤل المهم، إذا كان ابن سلمان غاضب من أداء الدخيل في ملف خاشقجي وبناء عليه أقيل من منصبه، كيف إذن تسند له مهمة دبلوماسية كهذه؟.

تبدو الإجابة ذات شقين، أولهما يشير إلى سر العلاقة بين ابن سلمان وابن زايد، أما الثاني فتلك العلاقة الوثيقة التي تربط الدخيل بولي عهد أبو ظبي.

ووفق تقارير إعلامية، فإن ابن سلمان يبدو شديد التأثر بابن زايد، إلى حد اعتقاد البعض أن الأخير يسيطر على قرارات الأمير الشاب، ويشعر ابن سلمان أنه بحاجة إلى هذا الالتصاق بابن زايد، نظرا إلى طموحه الجامح نحو خلافة والده.

دور ابن زايد الأكبر يتمثل في تحقيق طموح ابن سلمان، خاصة لناحية تسويقه في الغرب، وإعانته على حصد نجاحات في الملفات الإقليمية، حيث يدرك ابن سلمان أهمية ما وصلت إليه أبوظبي لدى الإدارة الأمريكية.

(ابن زايد بات مسيطرا على الأمير المتهور)

مجلة “ذي آتلانتيك” واسعة الانتشار أكدت أن دور أبوظبي “يثير إعجاب صناع الاستراتيجيات الأميركية (من كلا الحزبين)، الذين لطالما حلموا بشريك مماثل في المنطقة”.

“معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، نشر تقريرًا للكاتب سيمون هندرسون، قبل تعيين “ابن سلمان” وليًا للعهد، تحدث فيه عن نفور بين “ابن نايف” وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد الذي يُعرف بأن لديه تأثير كبير على ابن سلمان، وقد أتت أزمة قطر لتزيدهما قربًا.

وفي التقرير، الذي حمل عنوان “تعرف على الأميرين اللذين يعيدان تشكيل الشرق الأوسط”، تحدث هندرسون عن “الثنائي الديناميكي” الذي يضم “ابن سلمان” الثلاثيني، و”ابن زايد” الخمسيني.

كما يصف العلاقة بينهما والتي تعاظمت في الأزمة الأخيرة، بـ”الأستاذية”، فابن زايد ينظر لابن سلمان باعتباره تلميذًا معجبًا به وبتدرجه في السلطة، ويرى فيه النموذج الممكن، والقابل للتحقيق، فمحمد بن زايد هو الآخر جاء من بعيد؛ فابن زايد يقوم بإدارة أبوظبي التي تحتوي على معظم احتياطات النفط في الإمارات، منذ تعيينه نائبًا لولي العهد عام 2003 ثم إلى ولاية العهد عام 2004، بعد وفاة الوالد المؤسس للدولة، ليكون الحاكم الفعلي للبلاد مع اشتداد المرض على أخيه “خليفة”، وهو الوضع المشابه كثيرًا للملك سلمان ونجله.

الدخيل ينسج خيوطه

كالعنكبوت بدأ الدخيل ينسج خيوطه بالتقرب إلى الحاكمين الفعليين للسعودية والإمارات، ومع صعود ابن سلمان في هيكل السلطة الداخلية في المملكة كولي لولي العهد ووزير للدفاع وأمين عام للديوان الملكي، بدأ تركي الدخيل في صعود الواجهة مع ابن سلمان، حيث أصبح أشبه بالمستشار الأقرب لدى الأمير الشاب.

ويرافق “الدخيل” الأمير في معظم رحلاته بالخارج، كما أجرى المقابلة الحصرية مع “ابن سلمان” بعد إعلانه عن رؤية 2030 للمملكة، وهي المقابلة التي عرّف بها الأمير نفسه للشعب.

قبل توليه منصبه السابق في العربية، أسس الدخيل في 2005 مركز المسبار الإماراتي للدراسات والأبحاث ويوصف بأنه أحد أذرع دولة الإمارات العربية المتحدة الإعلامية.

وتربط وثائق نشرتها تقارير إعلامية بين الدخيل ومحمد بن زايد، الذي على ما يبدو كان يعمل على استمالة الدخيل في تلك الفترة، ويعتقد كثيرون أن للدخيل دور كبير في التقارب بين الرياض وأبوظبي، نظرا لعلاقاته الجيدة مع ولي عهدها.

وكان المغرد السعودي الشهير “مجتهد” نشر تغريدة سابقة على حسابه قالت إن المهمَّة الثانية للدخيل هي الترويج لـ”ابن سلمان” في الإعلام العربي ووسائل الاتصال.

قال الدخيل، في مقابلة ترجع لعام 2014، عن علاقته بابن زايد: “أنا لا أعمل مستشارا له ولكن لدي علاقات جيدة معه”، مضيفا: فضل محمد بن زايد عليّ كثير وهناك العديد من النعم التي كان يغدقها عليّ”.

(جلسة ودية بين الدخيل وعبدالله بن زايد)

وعلى الرغم من الاعتراف الذي يمكن من خلاله استنتاج تأثير تلك العلاقة المريبة على تضخم ثورة الدخيل، إلا أن المحطات المتسارعة لهذا التضخم تلت اعتلاء الملك سلمان عرش المملكة واقتراب الدخيل من ابن سلمان في 2015.

موقع “ميدل إيست أوبزرفر” نشر في نوفمبر 2016 تقريرًا بالوثائق عن التحول السريع في ثروات الدخيل منذ اعتلاء الملك سلمان السلطة في يناير2015، منها محفظة استثمارية في “الاستثمار كابيتال” بقيمة 8 ملايين ريال سعودي بتاريخ 15 فبراير2015، وصلت إلى 94 مليونًا في أغسطس من العام نفسه.

وخلال هذه الفترة، اشترى الدخيل عدة عقارات في مدينة دبي مقابل 17 مليون درهم إماراتي، وجاء ذلك بوضوح في الوثائق التي نشرها الموقع، والتي توضح تاريخ الشراء وهو 21 يونيو 2015.

ويتضح من الوثائق أيضًا شراء عقارين في مشروع يسمى “ريفير لايت” لا يزال قيد الإنشاء في العاصمة البريطانية لندن، حيث اشترى الدخيل شقتين بقيمة تزيد على 3 ملايين يورو.