العدسة – ياسين وجدي:
زيارة هي الأولى إقليميا إلى لبنان بعد ولادة متعسرة للحكومة الجديدة سجلت باسم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ما أعطاها زخما واسعا.
وتحولت الزيارة إلى مادة ثرية للمناكفات اللبنانية المعتادة ولكن هذه المرة تصارعت لغة الترحيب الشديد مع صراخ التحذير الكبير من فرض الوصاية الإيرانية على بلاد شجر الأرز.
وما بين اتهامات ونفي ، نحاول أن نبرز حقيقة الموقف الإيراني من لبنان ، فهل تريد طهران فرض الوصاية وإغراق لبنان بـ “جدول أعمال” إقليمي واقتياده إلى “خط المواجهة” بالنيابة عنها ، أم أنها تريد دعمه ومساعدته خاصة بعدما وصل الخطر إلى حرق المواطنين لأنفسهم والذي كشف عنه المواطن “جورج رزيق”؟!
زيارة الجبهة الأمامية
لم تكاد تعلن التشكيلة الحكومية اللبنانية بنكهة فوز إيراني وفق المراقبين ، حتى سارع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى نقل الدفة إلى هناك حتى قبل أن تنال الحكومة الجديدة ثقة مجلس النواب الأسبوع المقبل، ما أثار الجدل والمناكفات حول طبيعة الزيارة!.
ولم ينتظر الدبلوماسي الإيراني الأبرز كثيرا ، وألقى بالتصريح الأول من مطار بيروت في مستهل زيارته الأولى للبنان منذ تشكيل الحكومة ، وقال ردا عما إذا كانت إيران مستعدة لتقديم مساعدات عسكرية: “لدينا دائما مثل هذا الاستعداد وأعلنا في مناسبات أخرى أن هذا التوجه موجود في طهران، ولكننا بانتظار أن تكون هذه الرغبة متوفرة لدى الجانب اللبناني”.
التوجه إذن واضح في تعزيز النفوذ الإيراني عمليا في الجبهة الأمامية بعد إنفاذ إرادة حلفائها في الحكومة وتقدم حزب الله ، وهو ما أعلنه ظريف بكل صراحة مشددا على أن زيارته تهدف إلى إعلان الدعم الإيراني للبنان وإعلان استعداد طهران “الكامل والشامل للتعامل مع الحكومة اللبنانية الشقيقة في كافة المجالات”!.
جدول الزيارة ضم مسؤولين وشخصيات عديدة في لبنان، تعطي تصورا لرغبة إيران في التمدد بدون تحفظات مسبقة ، حيث تقدم الجدول رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري المحسوب على النظام السعودي، كما يضم الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، الذي استبق الزيارة متسائلا في خطاب جماهيري :” لماذا يتجاهل لبنان إيران بينما نعطي رقابنا للآخرين؟، فضلا عن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ووزير الخارجية جبران باسيل الذي يصفه البعض بأنه الرئيس اللبناني المحتمل في الفترة المقبلة.
الزيارة جاءت بعد أن استبق الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط إلى بيروت للتهنئة بتشكيل الحكومة الجديدة وفتح ملفات اقتصادية وسياسية مع لبنان ، وليس مستبعدا بحسب مراقبين أن يصل إلى العاصمة اللبنانية قريبا نزار العلولا المسؤول عن الملفّ اللبناني في المملكة العربية السعودية.
أوساط لبنانية مطلعة كشفت لصحيفة “الرأي” الكويتية عن أن مسارعة ” ظريف” إلى زيارة بيروت ، بدت في سياق حرص إيران على إظهار دورها كحاضنة لإنجاز الولادة الحكومية ، ولقطْف ثمار هذا المسار الذي كانت إيران بكّرت في رسْم “علامات انتصارها” فيه بكلام القائد في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بعد الانتخابات النيابية بأن لبنان سيكون على موعد مع حكومة مقاومة”.
ولكن كان المعسكر المناوئ بالمرصاد ، وتصدر الوزير اللبناني السابق أشرف ريفي، منصة القصف الشديد ، وشن هجوما واسعا على “جواد ظريف” في رسالة أصدرها خصيصا لزيارته مؤكدا أهمية ألا يعتقد النظام في إيران أنّ ابتلاع لبنان ممكن، وأن الوصاية على بيروت وهم وتحدي مرفوض.
في هذا السياق سخر البعض من قدرة أنظمة الدفاع الجوّي الإيرانية وعدم استطاعتها التصدي للطائرات الصهيونية التي تقصف أهدافا إيرانية في الأراضي السورية، واستنكر النائب السابق لرئيس مجلس النواب فريد مكاري تصريحات وزير الخارجية الإيراني.
السفير السعودي في لبنان وليد بخاري دخل على خط الغمز ، وأراد إثبات موقف أثناء الزيارة ، حيث غرد عبر حسابه على تويتر مؤكدا أن السعودية لدى لبنان، ستواصل تبنّي وتنفيذ المبادرات الإنسانية، التي تعكس الدور الحقيقي الذي تضطلع به المملكة في خدمة الإنسان وبناء قدراته وصناعة الأمل لديه بحسب تعبيره !
في المقابل ، برر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب عن حزب الله إيهاب حمادة أن “العرض الذي تقدمه إيران إلى لبنان ليس عرضا سياسيا أو للاستعراض”، مؤكدا أنه “كان يجب علينا مناقشة العرض الإيراني بطريقة أخلاقية”، كاشفا أن ” إيران في السابق قدمت هبة بـ 50 مليون دولار لإنشاء سد العاصي ولكن تم رفضها”.
بنك الأهداف
الأهداف المعلنة مضت في سياق دبلوماسي رشيق لكن بالنسبة إلى بعض الأوساط اللبنانيّة المعارضة لطهران، فإن موعد هذه الزيارة مؤشر إلى بداية مواجهة بين لبنان والمجتمعين العربي الدولي نيابة عن إيران.
تلك الأوساط تصنف زيارة وزير الخارجية الإيراني على أنها رسالة للداخل الإيراني، من أجل القول للمواطن الإيراني العادي إن بلاده ليست معزولة وإنّها تمتلك حلفاء إقليميين وأوراقا تستطيع عبرها مقاومة العقوبات الأميركية والصمود في وجهها.
ووفق موقع القوات اللبنانية المعارض لـ”حزب الله” الذي تبني هذا الاتجاه فإن إيران تطلب من لبنان تنفيذ مطالب محددة تهدّد نظامه السياسي وهيكل اقتصاده، عبّر عنها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب ألقاه قبل أيّام قليلة ، كما تسعى لاستخدام المصارف اللبنانية في كسر العقوبات الأميركية على إيران .
مراقبون يرون كذلك أن مؤتمر وارسو يقف في خلفيات الزيارة، ووضع سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبّارة الزيارة في هذا السياق مؤكدا أن هدفها شدّ عصب حلفاء طهران، والردّ على الجهة الأميركية التي تسعى بدورها لشدّ العصب ضدّ إيران ما يتجلى بوضوح عبر الاجتماع المرتقب عقده في وارسو والذي يهدف بشكل أساسي لإعادة تشكيل التحالف ضد إيران بالاشتراك مع الكيان الصهيوني والدول العربية.
سوريا بالطبع حاضرة، وبالتحديد مستقبل رئيس النظام الملاحق دوليا بشار الأسد وفق رأي البعض ، خاصة بعد أن تحدث أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في تصريح له بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون عن ذلك ، وبعد أن أطلق وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل دعوات لعودة سوريا إلى الحضن العربي.
أبو الغيط كشف عن أن مباحثات لبنان تطرقت إلى عودة سوريا إلى الجامعة، موضحا أنه “لا مؤشرات حول نضوج الوضع بالنسبة لسوريا والحديث حول عودتها هو بالكواليس ويجب أن يكون هناك توافق حول عودتها “.
ورقة في يد لبنان !
الموقف اللبناني الرسمي حتى الآن ، يتحسس موضع أقدامه ، ويبدو أنه يتجه بالتوافق إلى الاستفادة ما أمكن من “إيران”، خاصة أن الحكومة الجديدة تضم 18 وزيرا فيها بالحدّ الأدنى يشكلون يد طولى لطهران .
التسريب السريع بالرفض كشف التوجس من المعسكر المناويء حيث نقلت مصادر لبنانية وزارية مصنفة على رئيس الوزراء “سعد الحريري” للملحقين العسكريين التابعين لسفارات غربية أنه “سيكون هناك رفضا للهبة الإيرانية لأن طهران تقع تحت عقوبات دولية، مؤكدة أن “القبول بمبادرة شبيهة قد تنعكس عزلة على لبنان، لكون المجتمع الدولي سيعتبر بيروت ملحقة بالمحور الإيراني”.
لكن في المقابل هناك رأيا آخر يرى أن هناك اختلاف بين العامين 2014 و2019 حيث أن العقوبات التي كانت تطال إيران قبل ذلك كانت عقوبات دوليّة، أما العقوبات اليوم فهي أميركية وبالتالي هناك إمكانيّة للالتفاف حولها، فضلا عن ترحيب مصادر وزارية لبنانية أخرى يبدو أنها محسوبة على حزب الله لقناة الميادين “أن كل مساعدة إيرانية للبنان ستكون موضع شكر وترحيب”
وفي هذا السياق يرى البعض أن لبنان لن تدخل في مواجهة مباشرة مع واشنطن في هذا الملف، لكنه سيحتفظ بورقة تجعله يضغط على الإدارة الاميركيّة لتأمين بعض السلاح المحرّم عليه، وإلا لوّح بالاستجابة للعرض الإيراني.
اضف تعليقا