العدسة: محمد العربي

القضية لم تكن فقط في مدة الرئاسة، هكذا وصف الكثير من المراقبين للمشهد المصري، التعديلات الدستورية التي بدأ البرلمان المصري في وضع الرتوش الأخيرة عليها، قبل طرحها للاستفتاء الشعبي خلال الأسابيع المقبلة.

التعديلات التي اشتملت حتى الآن على 12 مادة، كان أبرزها المواد المتعلقة بمدد الرئاسة، ووضع رئيس الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي في التعديلات المقترحة بشكل محدد، بينما كانت المادة الأهم المتعلقة بوضعية القوات المسلحة، والتي تم تعديلها بما يسمح للجيش بالتدخل العسكري في أي وقت لحماية ما أسمته التعديلات بـ “مدنية الدولة”، وهو ما يعني باختصار أن المواد المقترحة شرعنة أي انقلاب عسكري تقوم به القوات المسلحة ضد النظام السياسي القائم.

عبارات فضفاضة

الخبراء الذين تناولوا الموضوع أكدوا أن المادة 226 التي تتحدث عن مدة الرئاسة كانت بمثابة المادة الإلهائية، بينما الكلام الأخطر هو المتعلق بالمادة 200 التي تتحدث عن وضعية القوات المسلحة، والتي منحها التعديل المقترح حق التدخل لحماية مدنية الدولة، وهو ما يعني في النهاية أن الانقلابات العسكرية، تحولت من إجراء ترفضه الدساتير المصرية السابقة، لإجراء تشرعنه الدساتير الجديدة التي وضعها السيسي مستخدما رغبة القوى السياسية المناوئة للإخوان في التخلص منهم في أعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في تموز/ يوليو 2013.

وحسب التحليلات المختلفة فإن الصياغات التي تم طرحها للنقاش البرلماني، حول المواد المقترحة للتعديلات جاءت بعبارات فضفاضة، بشكل كبير وخاصة المادة 200 التي تحدثت في دستور 2014 عن وضعية القوات المسلحة وفقا للنص الآتي ” القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أى فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية، ويكون للقوات المسلحة مجلس أعلى، على النحو الذى ينظمه القانون”.

وهي الصياغة التي شهدت إضافات جوهرية في التعديلات المقترحة حيث جاء نصها كالآتي” القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد والدولة وحدها هي التي تنشئ هذه القوات، ويحظر على أي فرد أو هيئة أو جهة أو جماعة إنشاء تشكيلات أو فرق أو تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية”.

ووفقا للمادة بشكلها الجديد فإن للقوات المسلحة حق التدخل لحماية مدنية الدولة، وهو ما كان محل خلاف كبير بين داعمي التعديلات، والفريق الآخر الرافض لها.

المؤيدون ماذا يقولون:

ائتلاف دعم مصر الذي تقدم بالتعديلات للبرلمان، أكد أن المادة المتعلقة بالقوات المسلحة، تعد عرفانا بالدور الذي لعبته في حماية الدولة المصرية من الاختطاف الإخواني على حد وصفهم، وأن التعديل لم يمنح الانقلابات اعترافا كما يظن البعض، وإنما يعالج القصور الذي شهده التطبيق العملي للدستور الذي تم إقراره في 2014.

وحسب بيان البرلمان المصري فإن القوات المسلحة هي الحامية والضامنة للديمقراطية ومدنية الدولة، وهذا واضح وظاهر من انحيازات هذه القوات التي دائماً ما وقفت بجوار الشعب وانحازت لاختياراته، وبالتالي يتعين إعادة النظر في صياغة هذه المهمة بما يعكس هذا الفهم، مضيفا أن هذا يقتضي إعادة النظر في طريقة تعيين وزير الدفاع.

للرافضين أسبابهم

ويرى الرافضون لهذه المادة أنها تعد “دسترة” واضحة للانقلابات العسكرية، كما أنها تهدف للسيطرة على القضاء، وبالتالي فإن الخطير فيها ليس تعديل مدة الولاية الرئاسية لتكون ست سنوات، بدلا من أربعة، والسماح للسيسي، بإعادة الترشح مجدداً لانتخابات 2022 والتي يليها وفقا للتعديل الجديد، ليصبح رئيساً حتى 2034، وإنما تقنين وضع شاذ للقوات المسلحة، وجعلها بشكل رسمي وشرعي، أعلى من سلطة أي رئيس للدولة المصرية، وبالتالي لم يكن متبقيا إلا أن يتم إعلان أن وزير الدفاع بمثابة الرئيس الفعلي بينما رئيس الدولة مجرد موظف يمكن أن يتم تغييره وفقا لرغبة الجيش.

ويرى أنصار هذا الفريق أن صياغة هذه المادة في شكلها الجديد بعبارات فضفاضة، جعلت أي تحركات لوزير الدفاع ضد السلطة المنتخبة إجراءً طبيعياً، الأمر الذي يرسّخ لاستمرار الجيش في الحكم وامتلاكه حق الاعتراض والتدخل لإلغاء أي قرار لا يرى قادته فيه تحقيق لمصالحهم، تحت شعار حماية المصالح المدنية، كما أنه يقضي على فكرة الثورات، وهو ما يرىده الرافضون لثورة 25 يناير بشكل واضح.

ووفقا لأراء أخرى داعمة لهذا الفريق فإنه في مقابل الصلاحيات الواسعة للجيش، تم تقييد استقلال القضاء، وتحويله تابعا للسلطة التنفيذية، وحتى المحكمة الدستورية العليا، أصبح اختيار رئيسها وهيئتها في يد رئيس الدولة، بعد إلغاء انتخاب رئيس المحكمة وهيئتها من خلال الجمعية العمومية للمحكمة، وفقا لدستور 2012 الذي تم إقراره في حكم الرئيس محمد مرسي، وهو ما ينطبق كذلك على طريقة اختيار رئيس هيئة مفوضي المحكمة الدستورية، الذي أصبح هو الآخر بيد رئيس الجمهورية بناءً على ترشيح من رئيس المحكمة الذي يعينه رئيس الجمهورية لفترة واحدة لمدة 4 سنوات.

لماذا الشرعنة

وحسب العديد من التحليلات فإن تعديل المادة 200 من الدستور، كانت شرطا من القوات المسلحة للموافقة يرى تعديل المواد الخاصة بمدد الرئاسة، وكذلك المادة الانتقالية التي منحت السيسي الحق في الترشح بشكل استثنائي للولاتين المقبلتين بعد انتهاء ولايته الحالية في 2022.

ويبرر أصحاب هذا الرأي هذا الشرط، بأن القوات المسلحة بعد الانقلاب العسكري، كان طرفا في الصراع الذي شهدته مصر مع جماعة الإخوان المسلمين، وباقي التيارات الإسلامية الرافضة لحكم السيسي والمدافعة عن شرعية حكم الرئيس محمد مرسي، وبالتالي فإن القوات المسلحة ستكون في وجه المدفع إذا حدث أي تغير سياسي يمكن أن يطيح بالسيسي الذي وسع من تواجد الجيش في مختلف المجالات المصرية.

ويستند هذا الفريق إلى أن التعديلات شملت عدة مواد متعلقة بالقوات المسلحة وليس فقط المادة 200، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 204، على أنه “لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في جرائم مثل اعتداء على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها أو المنشآت التي تتولى حمايتها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التي تمثل اعتداء مباشرًا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم”.

وبالنسبة لتعيين وزير الدفاع، تم تعديل المادة 234 لتصبح كالتالي: “يكون تعيين وزير الدفاع بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة”، لتصبح قاعدة عامة، وليست مؤقتة لمدة 8 سنوات كما كانت في دستور 2014.

المخرج الآمن

القراءات المتعلقة بالمواد الخاصة بالقوات المسلحة لم تقف عن السيناريوهات السابقة، حيث ذهب البعض إلى أن الهدف من تعديل المادة 200 يرى النحو السابق، إنما يرجع إلى أن السيسي يبحث عن مخرج آمن من السلطة، إذا اضطرته الظروف لذلك، حيث يؤيد البعض أن المواد الخاصة بمدد الرئاسة أقرب للمناورة، من أجل تمرير المواد الخاصة بالقوات المسلحة، وهو ما يمكن تسميته بالمناورة من السيسي للتخلي عن السلطة، لكن مع إبقاء الجيش وتحصينه ضدّ أي محاولات مستقبلية من أجل السيطرة عليه، ويرى أصحاب هذا الرأي أن تعديل المواد الخاصة بوزير الدفاع وشروط تعيينه وإقالته؛ ترسخ لقوة وزير الدفاع في مواجهة الرئيس، بصورة غير مسبوقة منذ تحول البلد من الملكية إلى الجمهورية، حيث يمتلك وزير الدفاع في التعديلات الجديدة صلاحيات لن يكون للرئيس حق التدخل فيها، كما سيبقى التلويح بحق الجيش في الحفاظ على مدنية الدولة هو المهدّد الأول لأي رئيس منتخب ديموقراطياً، مع الأخذ في الاعتبار أن توسيع صلاحيات الرئيس وقدرته على التدخل في بعض الشؤون القضائية لن تجعله قادراً على مواجهة الجيش في أي صدام، بل إن الأخير سيرفض حتماً أي تعديلات مرتبطة بالمواد الخاصة به؛ ليس لحصوله على امتيازات استثنائية فحسب، بل للأهمية السياسية التي سيتمتع بها ككل قريباً، أو وزير الدفاع على وجه خاص.