أثارت أرقام صندوق النقد الدولي، عن معدلات الديون خلال عام 2018، قلقا متزايدا داخل الأوساط العربية، بعد أن وصلت الديون المستحقة على الدول العربية إلى 1.86 تريليون دولار “7 تريليونات ريال سعودي” من إجمالي 184 تريليون دولار تمثل الديون العالمية لـ 190 دولة على مستوى العالم.
وعلى الرغم من أن الدول العربية تحتل أيضا مكانة متميزة في أسواق النفط والبترول، وخاصة السداسي الخليجي، إلا أن تزايد مديونيات السعودية، ودخول البحرين ضمن مجموعة الدول الأكثر خطرا في الوطن العربي بسبب القروض، يدفع بالعديد من التساؤلات، عن الأسباب التي تدفع العرب للاقتراض بمن فيهم أغنياء النفط والغاز.
أرقام مفزعة
يشير الخبراء إلى أن الديون العربية وصلت لحد الخطر، مستدلين بالأرقام التي أصدرتها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، عن ارتفاع الديون الخارجية لنحو 20 دولة عربية، خلال السنوات الـ18 الماضية، التي تجاوزت عتبة التريليون دولار مؤخرا، مقارنة بنحو 426.4 مليار دولار عام 2000 بزيادة بلغت نحو 573.6 مليار دولار تعادل ما نسبته 134.5 بالمئة.
وانطلاقا من نفس البيان، فإن إجمالي الدَين الخارجي للدول العربية قفز من 426.4 مليار دولار في عام 2000، إلى 891 مليار دولار عام 2014، ثم إلى 878 مليار دولار عام 2015، ونحو 923.4 مليار دولار عام 2016، متوقعا أن يكون قد تجاوز حاجز تريليون دولار في الوقت الحالي.
وتأتي مصر في صدارة قائمة الدول العربية الأكثر استدانة خلال عام 2018، ما دفع صندوق النقد الدولي أن يرفع توقعاته للدين الخارجي لمصر، بينما تم تصنيف لبنان كأكثر دول العالم من حيث الاستدانة، حيث وصلت تجاوزت نسبة الدين اللبناني 152 بالمئة من حجم الناتج القومي اللبناني.
وتشير تقارير متعددة إلى تراجع كبير في الاحتياطي لدى البنك المركزي البحريني منذ عام 2014 بنحو 75 %، كما ارتفع الدين الحكومي إلى 82 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي، في حين وصل العجز المالي الكلي إلى 18 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما دفع صندوق النقد الدولي لأن يتوقع بأن تسجل البحرين أعلى عجز ميزانية في المنطقة، رغم احتمال تلقيها مساعدات عربية وخليجية.
كارثة السعودية
ويرى المراقبون إلى أن الأزمة الأكبر في هذا الإطار تتمثل في ميزانية المملكة العربية السعودية، حيث ارتفع الدين العام الى 560 مليار ريال بنهاية عام 2018، مقارنة بـ 438 مليار ريال في 2017، بزيادة بلغت 122 مليار ريال فيما يتوقع أن يصل الدين إلى 678 مليار ريال بنهاية عام 2019.
وتشير العديد من التقارير إلى أن الدين العام للمملكة العربية السعودية شهد تباين ملحوظ على مدى الـ 15 عاما السابقة فبعد أن فاق الدين العام 660 مليار ريال ونسبة 83% من الناتج المحلي الذي كان 792 مليار ريال، بنهاية عام 2003، ثم نجحت الحكومة في تخفيض قيمة الدين العام على مدار السنوات التالية، حيث أخذت قيمته في التراجع عام تلو الاخر ولم تشهد أي ارتفاع مقارنة بالعام السابق، حتى بلغت ادنى مستوياتها في العام 2014 ووصل الى 44 مليار ريال فقط وبنسبة 2% من الناتج المحلي، إلا أنه وبدءا من عام 2015 عاود الدين العام الارتفاع مرة اخرى، وقفز بنسبة فاقت الـ 200% عن مستوياته في 2014، وبلغ 144 مليار ريال، وجاءت جميعها من خلال إصدار الحكومة لسندات محلية بـ 98 مليار ريال في 2015، ووصل لأعلي مستوياته القياسية في 12 سنة خلال عام 2018 ببلوغه 560 مليار ريال، وبزيادة 122 مليار ريال عن عام 2017، عن طريق إصدار سندات محلية اضافة الى اصدار صكوك دولية ومحلية.
ويرى الخبراء إلى أن السبب في هذا الارتفاع للديون السعودية يعد نتيجة طبيعية لاتباع الحكومة السعودية لسياســة تمويليــة متنوعــة مــا بيــن إصــدارات الديــن والسـحب مـن ودائـع الحكومـة والاحتياطي العـام للدولـة لتمويـل عجـز الميزانيـة خـلال العـام المالـي 2018م. حيـث قامـت الـوزارة بتنويـع إصداراتها المحليـة و الخارجيـة.
تطور تاريخي
وتشير الدراسات المتخصصة إلى أنه في بداية السبعينات لم تكن مشكلة الديون الخارجية تمثل أزمة للدول العربية، إلا أنه في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بدأ حجم الدين الخارجي للدول العربية التزايد بمعدلات كبيرة، وحتى بداية الثمانينات كانت الديون الخارجية المستحقة على العالم العربي تشمل فقط الدول العربية المتوسطة والمنخفضة الدخل ما يعني أن مجموعة الدول المصدرة للنفط لم تكن ضمن الدول المدينة، إلا أنه مع بداية هذا العقد الذي صاحبه انخفاض حاد في أسعار النفط امتدت الديون لتشمل الدول النفطية ماعدا الكويت والمملكة العربية السعودية.
وحددت الدراسات نفسها أسباب ارتفاع حجم الدين العربي لعدة أسباب، بعضها كان مقبولا، ومعظمها كان نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات العربية، مثل لجوء بعض الدول للاقتراض، بينما لم تقم في المقابل بالتوسع في المشروعات الضخمة التي يمكن أن يتم عن طريقها سداد مثل هذه القروض إلا أنه مع سوء التخطيط وتغير الظروف والسياسات الاقتصادية فشلت معظم هذه المشروعات لأنها لم تكن مبنية على أسس واضحة.
وتشير الدراسات كذلك إلى أن الفساد والاستهلاك الترفي، اقترنت بعمليات، بالإضافة لفشل سياسات التصدير وتوظيف القروض حيث اعتمدت السياسات الاقتصادية الخارجية للدول العربية على استيراد السلع الاستهلاكية والرأسمالية ذات الأسعار المرتفعة وتصدير الكثير من مواردها الطبيعية على شكل مواد خام وبأسعار زهيدة ما تسبب في العجز المستمر لموازين المدفوعات العربية.
المواطن يدفع الثمن
وحسب دراسات متخصصة فإن الديون العربية، لا تمثل عبئا على الحكومات بنفس القدر الذي تمثله علي المواطنين، حيث يتحمل المواطن العربي أعباء هذه الديون علي مدار السنوات الكثيرة المقبلة.
حيث يبلغ نصيب المواطن اللبناني من ديون بلاده 4444 دولاراً، وهذا الرقم يعادل قرابة الـ55% من متوسط دخله السنوي، وفي الأردن يتحمل كل مواطن أردني من ديون بلاده 4091 دولاراً، أي ما نسبته 99.7% من متوسط دخله السنوي.
وفي تونس تبلغ حصة المواطن من ديون بلاده 2400 دولار، بما يعادل 61.5% من متوسط دخله السنوي الذي يبلغ 3900 دولار، وفي المغرب تصل نسبة ما يتحمله الفرد في الديون 2125 دولاراً، بنسبة ـ73.3% من متوسط دخله السنوي، وتصل نسبة تحمل المواطن السوداني في يدون بلاده 1364 دولاراً، أي ما يعادل 75.7% من متوسط دخله السنوي الذي يبلغ 1800 دولار، وهي نسبة قريبة من التي يتحملها المواطن الموريتاني الذي يتحمل 1150 دولاراً من ديون بلاده، بنسبة 88.5% من دخله السنوي الذي يبلغ 1300 دولار.
ونتيجة لزيادة أعداد السكان بمصر فإن المواطن يتحمل 900 دولار، بنسبة 25% من دخله السنوي، في حين تصل حصة المواطن اليمني 714 دولاراً، بما تعادل 147.2% من متوسط دخله السنوي، بينما تصل نسبة المواطن الصومالي 360 دولار، بما يعادل 66.7% من متوسط دخله السنوي، وفي سوريا تصل نسبة المواطن من ديون بلاده 241 دولاراً، وهو ما يعادل نحو 20.2% من متوسط دخله السنوي البالغ 1188 دولاراً، استناداً لإحصائيات الأمم المتحدة لعدد السكان في البلاد البالغ 18.2 مليون نسمة.
اضف تعليقا