رغم مرور عام على العملية العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة المصرية في سيناء، إلا أن العمليات الأخرى التي شهدتها ضواحي العريش ضد ضباط وجنود الجيش المصري، تشير إلى أن العملية ذات الأهداف الغامضة، لم تحقق ما يروجه الإعلام الحكومي المصري، بأن قوات الجيش والشرطة، استطاعوا تحقيق الأهداف التي وضعوها، بالتصدي لتنظيم ولاية سيناء.

ورغم أن العملية التي بدأت في 9 فبراير 2018 كان محددا لها ثلاثة أشهر، إلا أنها تجاوزت هذه المدة بعام كامل، ومازال تاريخ نهايتها غامضا مثل أهدافها، في ظل تضارب المعلومات التي تخرج عن القوات المسلحة بياناتها الرسمية، بينما الوضع على أرض الواقع يؤكد عكس البيانات، رغم حالة التعتيم الإعلامي المقصود من السلطات المصرية.

كشف المستور

جديد ما يحدث في سيناء وفقا للمتابعين، هو ما كشفته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن مشاركتها في العملية، وهي المعلومات التي ظلت حبيسة حتى إذاعة حوار رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي لقناة cbs الأمريكية، والذي كشف فيه عن وجود تعاون مع القوات الإسرائيلية في سيناء.

وحسب دراسات عدة قيمت الوضع في سيناء بعد عام على بدء العملية العسكرية، فإن إسرائيل تقوم بمتابعة مستمرة ودقيقة للتطورات في سيناء، إنطلاقا من عدة توجهات منها أن مصر تعد حليفة استراتيجية ومهمة لما يعتبره بنيامين نتنياهو الحلف المعتدل، في محاولة لاستيعاب النفوذ الإيراني المتنامي في الشرق الأوسط بهدف إضعافه. وتجري المخابرات الإسرائيلية اتصالات إقليمية، معظمها سرية، لكنها واضحة، مع عدد من الدول العربية، ومنها الأردن والإمارات والسعودية والبحرين والسودان وغيرها، لمساعدة مصر في هذه المهمة السيناوية.

كما أن هناك رغبة إسرائيلية في الحفاظ على الهدوء الأمني على طول الحدود الجنوبية مع مصر، وإقامة علاقات حسن جوار، بجانب التصور الإسرائيلي عن حماس وقطاع غزة، فإسرائيل تزعم أن مسلحي سيناء يقيمون اتصالات وثيقة مع حماس والمنظمات السلفية بغزة، وهرّبوا إليهم أسلحة عبر الأنفاق ووسائل قتالية. فضلا عن توجه إسرائيلي بإقامة قنوات اتصال مع الجنرال الليبي خليفة حفتر لتبادل معلومات أمنية في سبيل وقف تدفق الأسلحة من ليبيا للسودان وصولا إلى سيناء وغزة.

ولعل ما يؤكد ما ذهبت إليه الدراسة السابقة ما كشفه يوني بن مناحيم في مقاله مطول على موقع المعهد المقدسي للشؤون العامة، عن نجاح المخابرات الإسرائيلية، في اختراق المجموعات المسلحة في شبه جزيرة سيناء، من خلال تجنيد عملاء تابعين لها في تلك التنظيمات، لتقديم المساعدة للجيش المصري في عمليته العسكرية، وإحباط نقل شحنات الأسلحة إلى قطاع غزة، ومنع تنظيم الدولة الإسلامية من إقامة قواعد عسكرية له على الحدود المصرية الإسرائيلية.

وأوضح بن مناحيم، أن ما قد يؤكد نجاح المخابرات الإسرائيلية في اختراق بعض المجموعات المسلحة في سيناء، أن الهجمات الجوية التي نفذها الطيران الإسرائيلي في الآونة الأخيرة هناك، امتازت بالدقة والنجاح الكبيرين، حيث استهدفت مواقع جديدة لهذه التنظيمات ليست معروفة سابقا، ووجد الجيش المصري صعوبات في الوصول إليها.

وحسب ما كشفه بن مناحيم فإن المخابرات الإسرائيلية تتنصت بصورة دورية على مكالمات مقاتلي المسلحين في سيناء، وتراقب تحركاتهم الميدانية على مدار الساعة من خلال الطائرات المسيرة دون طيار، وأن الجيش المصري يمنح نظيره الإسرائيلي حرية الحركة والعمل في سيناء، فيما يوافق الأخير لنظيره المصري على إدخال قوات إضافية لسيناء بخلاف اتفاق كامب ديفيد، من أجل محاربة الجماعات المسلحة التي تشكل خطرا على الدولتين معا.

خيانة علنية

ويرى المراقبون أن ما نشره موقع “يسرائيل ديفينس” العبري، قبل أيام، يعكس إلى أي مدى وصل إليه التوغل الإسرائيلي في سيناء، حيث أكد الموقع أن لواء “فارن العسكري” التابع للجيش الإسرائيلي، تدرب مؤخرا على سيناريوهات الدخول في مواجهات مع تنظيم داعش سيناء، تحسبا لقيام الأخير باستهداف إسرائيل، وحسب سيناريوهات متعددة ناقشتها الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، فإنهم يتوقعون تسلل تنظيم الدولة، للمستوطنات القريبة من الحدود المصرية الإسرائيلية وإطلاق النيران والصواريخ والاشتباك بتلك المنطقة.

ويرى المراقبون أن إسرائيل طورت من سياستها تجاه سيناء خلال الأشهر الماضية، رغم العملية العسكرية للجيش المصري، حيث لم يقتصر التواجد الإسرائيلي على فرقة (ساجيا) الإسرائيلية المسؤولة عن تأمين القطاع الحدودي مع سيناء، ليضيف إلى الفرقة لواء (فارن) للمساعدة في تأمين هذه المنطقة.

نجاح أم فشل

وتشير تحليلات متخصصة إلى أن أزمة العملية العسكرية التي مر عام كامل عليها، ومازال نزيف الدم متواصل بسيناء، يرجع في الأساس إلي أن العقلية العسكرية المصرية مازالت تصر على تنفيذ استراتيجية واحدة فاشلة في التعامل مع الجماعات المسلحة، وهي سياسة الاعتماد على جيش نظامي تقليدي، مكبل بالبيروقراطية ومركزية القرار، يعمل بسياسة القوة المميتة والعقاب الجماعي، وتتحكم فيه الخيارات الأمنية سواء في بقائه في السلطة أو في التعامل مع مختلف التهديدات، وتؤثِّر هذه الاعتبارات في تسريح وإقالة القيادات العسكرية والأمنية والاستخباراتية.

وحسب هذه التحليلات فإن من أهم أسباب فشل العملية حتى الآن، استخدام الجيش للقوة المفرطة، والخسائر الناتجة عن العملية، والاعتماد على سياسة العقاب الجماعي، ما دمر الثقة بين السيناويين والدولة المركزية، وكانت المحصلة هي فشل العملية في جمع المعلومات الاستخباراتية وخسارة ثقة وتعاون الغالبية الساحقة من السكان المحليين.

وترى تحليلات أخرى أنه في المقابل، فإن سيناء تبدو الآن أكثر بؤساً ممّا كانت عليه قبل بدء العملية، حيث أزيلت معظم أحياء مدينة رفح بعد تهجير سكانها، وجُرفت آلاف الدونمات الزراعية وهو ما أدّى إلى ضعف السلّة الغذائية لسكان المحافظة. كذلك نفّذ الجيش المصري مزيداً من عمليات التهجير عبر إقامة حرم آمن لمطار العريش، والبدء بمشروع توسيع ميناء العريش، الأمر الذي يتخلله تدمير لمزيد من المنازل والمصانع وتجريف المزارع. ما أحدث تغيّرات ديموغرافية في المحافظة، وفي المقابل فإن هجمات تنظيم ولاية سيناء ما زالت تتوسع في كل أرجاء سيناء، مكبدة خسائر مادية وبشرية في صفوف قوات الأمن، ما أصاب المواطنين باليأس.

تقييم الخسائر

وحسب دراسة تحليلية، فإن الخسائر العسكرية بين طرفي الصراع، لا تعكس مدى القوة التي استخدمها الجيش في العملية، ولعل أبرز خسائر الجيش من العملية، هو تعامله مع سيناء كمنطقة عسكرية معادية، ما أدى لفرض حصار عليها، والتحكم في المواد الغذائية المسموح بدخولها، وهو ما نتج عنه أن الجيش والشرطة اكتسبوا عداوات وخصومات محلية، نتيجة غياب الرقابة القانونية وتأمين الضباط والعسكريين من المحاسبة، وسياسة الحصار الغذائي الذي فُرض على سكان محافظة شمال سيناء، وقيام قوات الشرطة وجهاز الأمن الوطني باعتقال سيدات وإهانتهم في مدينة العريش تحديداً.

ويرى الخبراء أن العملية كانت سببا استخدمه السيسي للإطاحة بكل شركائه في الانقلاب العسكري، حيث تسبب الفشل في إنجاز العملية بإقالة وزير الدفاع صدقي صبحي، بالإضافة لقائد الجيش الموحد في سيناء أسامة عسكر، ومن قبله أحمد وصفي، كما استغل السيسي عملية الواحات التي قام بها تنظيم الدولية ضد قوات الشرطة، في إقالة رئيس هيئة الأركان محمود حجازي، وبعده تم إقالة رئيس المخابرات العسكرية.

ووفق التحليلات المتعددة فإن غياب المصداقية كان العنوان الأساسي لبيانات المتحدث العسكري للجيش عن عدد القتلى من المسلحين، حيث كشف الأهالي أن معظم من يتم تصفيتهم مواطنين عاديين ليس لهم أي علاقة بولاية سيناء، وأن معظمهم كان معتقل لدى قوات الجيش والشرطة نتيجة الرفض الشعبي لسياسة التطهير والتعذيب ضد أهالي سيناء.