قضاء فقد عناصر استقلاله في دول الأزمات والتوتر في المنطقة ، فتحول إلى قضاء وقدر تحاول بهما أنظمة تلاحقها كل أنواع الاتهامات ، الانتقام الممنهج من نشطاء ثورات الربيع العربي والمعارضين ، وهو ما أبرزته بوضوح رسائل الإعدامات المسيسة في مصر منذ مطلع العام الجاري.
“العدسة” يسلط الضوء على شكل القضاء في أبرز دول الانتهاكات في المنطقة ، وأسباب الأوضاع الراهنة ويبحث في أفق المستقبل الذي يتحدث فيه مراقبون أن المنطقة إما مع موعد مع موجة جديدة من الربيع العربي تقر تطهير القضاء أو العدالة الانتقالية فورا دون قيد وشرط.
قضاء غير مستقل !
يشكل القضاء العربي في دول الأزمات والتوتر ، أحد أبرز أدوات الأنظمة لملاحقة المعارضين وناشطي الربيع العربي والمدافعين عن حقوق الانسان ، ما جعله قضاء غير مستقل ومحل طعن وفق المراقبين والحقوقيين.
مصر تحتل الصدارة في هذا الشأن ، وشكلت حادثة إعدام 9 شبان معارضين الأربعاء 20 فبراير بتهم ملفقة تدور حول قتل النائب العام السابق المستشار هشام بركات، أحد أحدث الانتهاكات الصارخة التي دفعت منظمات دولية لوصف القضاء المصري بأنه شديد الجور وغير عادل.
ووصفت نجية بونعيم، مديرة الحملات لشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية، القضاء في تعليقها على تلك الإعدامات بأنه بالغ الجور ويزدي الحق في الحياة مؤكدة أن مصر تشهد محاكمات تشوبها مزاعم التعذيب ولا علاقة لها بالعدالة ، بل تمثل شهادة على مدى وقوع الظلم في البلاد.”
وكشفت منظمة “كوميتي فور جستس”، و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان”، و”المؤسسة العربية للحقوق المدنية والسياسية” (نضال)، عن أن المحاكم المصرية، المدنية
والعسكرية، أصدرت منذ الانقلاب العسكري في عام 2013، وحتى نهاية العام الماضي، 2532 حكماً قضائياً معيبا بالإعدام على متهمين في قضايا جنائية وسياسية، وتم تنفيذ أحكام الإعدام بحق 165 شخصاً على الأقل دون محاكمات عادلة.
القضاء في البحرين والإمارات كذلك محل طعن ، وتواترت في الفترة الأخيرة بيانات صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي، والبرلمان الأوروبي، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومان رايتس ووتش، ترفض الأحكام المسيسة في المنامة وأبو ظبي.
ووثقت الأمم المتحدة عبر مقررها الخاص بالقضاء “جابريلا كنول” التدخل في شؤون القضاء من جانب السلطة التنفيذية وجهاز الأمن في الإمارات ، كأحد أبرز التجاوزات والانتهاكات القانونية والقضائية والدستورية والنظام السياسي برمته في الدولة.
ولم تغب المملكة السعودية عن المشهد السلبي ، حيث أكد حساب “معتقلي الرأي” التعريفي بالمعتقلين السعوديين، عدم استقلالية القضاء السعودي وتبعيته الكاملة للسلطة ،
وفي تغريدات على تويتر وثق تدخل جهاز أمن الدولة أكثر من مرة في القضاء أو إعادته التحقيق مع عدد كبير من معتقلي الرأي، رغم إحالة ملفاتهم إلى محكمة الإرهاب “الجزائية المتخصصة” ، في دليل واضح على تسييس قضاياهم وعدم استقلالية القضاء وفق تأكيده.
منظمة القسط لدعم حقوق الإنسان في السعودية تقف في هذا الإطار كذلك وعادة تتهم القضاء في المملكة بأنه غير مستقل ، وهو ذات الاتهام لدى الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، والتي تؤكد أن السعودية تعيش على وقع “أحكام يصدرها القضاء السعودي الغير مستقل بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان”، موضحة أن “النظام السعودي
وأجهزته الأمنية والقضائية أصبح عقبة أمام أي تحول ديمقراطي على الأراضي السعودية”.
وفي ليبيا قدم عبدالرحمن السويحلي، رئيس مجلس الدولة الاستشاري السابق في ليبيا شهادة سلبية مؤخرا ضد المنظومة القضائية في بلاده وما تتبعه من سياسات الانتقائية التي وصفها بـ”أنها تنسف مبدأ المساواة أمام القانون” مؤكدا في تغريدة على حسابه الرسمي على “تويتر” في سبتمبر 2018 أن القضاء المستقل العادل كان أهم أهداف ثورة السابع عشر من فبراير فبراير، والتي نجحت في وضعه الجهات التشريعية لكنه غير واقع الآن ولم يعد يتمتع بالاستقلالية المطلوبة لتحقيق العدل ، و”ما يحدث الآن لا يُبشر بمستقبل بقضاء مستقل عادل”.
وفي اليمن تلاحق الاتهامات الحوثيين بانتهاك استقلال القضاء واستخدامه كأداة للانتقام ، وقالت منظمة “سام للحقوق والحريات”: إن ميليشيا الحوثي في اليمن تعمل على استغلال القضاء في الانتقام السياسي من المعارضين، والتحفظ على ممتلكاتهم، وتشريد الأسر خاصة من حزب الإصلاح مضيفة أنه” لا مشروعية لأي أحكام أو أوامر صادرة عن القضاء الخاضع لسلطة الحوثي فيما يخص القضايا ذات البعد السياسي”.
أسباب الإنهيار
ويأتي في مقدمة أسباب الانهيار القضائي الانتقام السياسي بحسب مراقبين، وهو ما أبرزته منظمة العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الانسان كذلك.
المنظمة الحقوقية المغربية تعتبر أن هناك “مسلسل لتوظيف القضاء المغربي في الانتقام من الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وتجفيف منابع النضال، من خلال ضرب الرموز المناضلة”، وهو ما ذهب إليه عبد الله صالح نائب أمين عام جمعية العمل الإسلامي في البحرين مؤكدا أن “القضاء لازال أداة للانتقام السياسي في البحرين “.
عدم استقلال القضاة وموالاتهم للسلطة سبب بارز كذلك بحسب حقوقيين في عدم وجود قضاء مستقل ، وفي هذا الشأن يضرب رئيس منتدى البحرين لحقوق الإنسان “باقر درويش”
المثل بالقاضي محمد بن علي آل خليفة موضحا أنه (عضو العائلة الحاكمة)، ومتورط في إصدار عشرات الأحكام التعسفية بحق سجناء الرأي في البحرين، وإسقاط الجنسية عن 57
مواطنا بحرينيا لأسباب سياسية، وتأييد حكم الإعدام بحق ضحية التعذيب ماهر الخباز وتأييد الحكم بالسجن على الناشط الحقوقي نبيل رجب، فضلا عن استصداره سابقا حكم
بالسجن على زعيم المعارضة البحرينية الشيخ علي سلمان بالسجن 9 سنوات في قضية أدانها المجتمع الحقوقي الدولي.
ويتهم القاضي جمال الفهيدي نائب رئيس نادي القضاة اليمنيين، السلطة التنفيذية اليمنية بأنها ما زالت تحاول أن تبقي اختصاصاتها على السلطة القضائية، لكن نادي القضاة استطاع
أن ينتزع جزءاً كبيراً مما يخص السلطة القضائية بعدما رفع قضاة اليمن بحسب الفهيدي دعوى قضائية أمام الدائرة الدستورية في القضاء اليمني والتي قضت بعدم دستورية التدخلات.
ثورة أو عدالة!
وبحسب مراقبين فإن استمرار الأحكام المسيسة سيكون سببا وجيها في إشعال موجة جديدة من ثورات الربيع العربي ، تفرض قوانين العدالة الانتقالية أو تقوم بتطهير القضاء كما دعت في موجتها الأولى !.
وأكد الدكتور علي بن فطيس المري النائب العام القطري ومحامي الأمم المتحدة لمحاربة الفساد، أن غياب العدالة وإنفاذ القانون وعدم استقلال القضاء في عدد من دول العالم العربي، ساهمت في إشعال فتيل تلك الثورات لأنه مع غياب العدالة والقانون تصبح الحياة لا تُطاق ، وربط بين قيام ثورات الربيع العربي والعدالة.
وشدد في مؤتمر دولي مؤخرا أن تجربة اشتعال ثورات الربيع العربي التي بدأت من تونس في 2011 تؤكد أن غياب العدالة الحقيقية في العالم العربي وعدم استقلال القضاء هي أمور كفيلة بانفجار الوضع في أي مجتمع.
ويطرح البعض شعارات تطهير القضاء منذ الموجة الأولى للربيع العربي في 2011 ، وتحضر تجربة تونس والمغرب في العدالة الانتقالية حتى الآن.
وأنشأ التونسيون “هيئة الحقيقة والكرامة” بموجب القانون في العام 2013 لإرساء العدالة الانتقالية، وكانت هي الوحيدة التي نتجت عن الانتفاضات العربية، والثانية فقط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث كانت الأولى، هي “هيئة الإنصاف والمصالحة” المغربية والتي أنشأها الملك محمد السادس في 2004 لتحقق في الانتهاكات خلال ولاية أبيه حسن الثاني التي اتسمت بالعنف.
وذهب نواب تونسيون في مناقشات برلمانهم في العام 2013 إلى أهمية مشاريع العدالة الانتقالية بجانب تطهير القضاء والإعلام وهي المطالبات الرائجة حتى الآن بين أوساط مؤيدي الربيع العربي مؤكدين أن غربلة قطاعات القضاء والأمن والدفاع والإعلام، ضمان لمسار شفّاف للعدالة الانتقاليّة، حيث أنّ مسار الكشف عن الحقيقة في الانتهاكات لا يمكن أن ينجح في ظلّ وجود أشخاص مسؤولين عن هذه الانتهاكات صلب هذه الأجهزة.
اضف تعليقا