انتفاضة جزائرية غير مسبوقة، أعلن فيها بلد المليون شهيد رفضه للولاية الخامسة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إعلانا صريحا بإصراره على عدم اختزال مستقبله ومصيره في مسن مقعد على كرسي متحرك.
فهل يستطيع الجزائريون تصعيد الاحتجاجات والاستمرار، على نحو يجبر بوتفليقة ونظامه على التراجع، أم يرجح رهان النظام على قصر نفس الشعب وقرب موعد الانتخابات المقررة 18 أبريل المقبل؟.
الشعب ينتفض..
مسيرات حاشدة وتظاهرات ضخمة في العاصمة وعدة مدن جزائرية، انطلقت الجمعة، على نحو ربما لم يتوقعه كثيرون، حتى أولئك الداعين لها.
ومنعت قوات الأمن المتظاهرين من الوصول إلى القصر الرئاسي بقصر المرادية بأعالي العاصمة، وشهدت العاصمة الجزائرية مسيرة شعبية؛ الأكبر من نوعها خلال الأعوام الأخيرة.
وتدفق آلاف المتظاهرين، وأغلبهم شباب، نحو وسطها، قادمين من أحياء شعبية، مجاورة للاحتجاج على ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ورغم الطوق الأمني الذي وضعته السلطات، إلا أن قوات الشرطة سمحت بمسيرة ضخمة، جابت شوارع وسط العاصمة، التي كان يمنع فيها التظاهر بقرار صدر في 2001.
(حشود ضخمة غير مسبوقة شاركت في مسيرات رفض العهدة الخامسة)
وحاولت مجموعات من المتظاهرين التسلل عبر شوارع فرعية نحو قصر الرئاسة لكن قوات مكافحة الشغب منعتهم، وتصاعدت المواجهة إلى استعمال الغاز المسيل للدموع لصد حشود من المحتجين.
بعيدا عن العاصمة، شهدت عدة مدن جزائرية مسيرات ووقفات احتجاجية، لم تشهد أحدها أي عنف يذكر أو مواجهات.
لكن عدسات النشطاء رصدت العديد من المشاهد الهامة خلال اليوم، منها ما نشره حساب “فيديو الجزائر” على فيسبوك، حيث أضرم متظاهرون النار في صورة ضخمة للرئيس بوتفليقة كانت معلقة على مبنى ولاية عنابة.
(حرق صورة بوتفليقة في عنابة)
كما رصد آخرون لقطات مصورة تظهر حشودا كبيرة في مدينة وهران، فضلا عن مشاهد تحيي سلمية المتظاهرين وقيامهم بتنظيف آثار ومخلفات المسيرات في الشوارع.
.. والرئيس يُعالَج!
اللافت أن التظاهرات الضخمة تتزامن مع قرب غياب بوتفليقة عن البلاد، حيث يغادر الأحد إلى سويسرا “لإجراء فحوص طبية دورية”، وفق بيان للرئاسة الجزائرية، لم يكشف طبيعة تلك الفحوصات.
البيان الذي كشف أن رحلة بوتفليقة إلى سويسرا ستكون لفترة قصيرة، يأتي بعيد ظهوره عبر التلفزيون لمناسبة أداء رئيس المجلس الدستوري (البرلمان) الجديد “الطيب يلعيز” اليمين.
آخر رحلة علاج قام بها بوتفليقة إلى سويسرا تعود إلى أواخر أغسطس الماضي، وأمضى هناك 5 أيام ولم تصدر أية تفاصيل عن الفحوصات التي أجراها ولا عن المستشفى الذي عولج فيه.
تاريخ الرئيس الجزائري المرضي يعود إلى عام 2013، عندما أودع مستشفى في باريس لمدة 80 يوما بعد تعرضه لجلطة دماغية، ومنذ ذلك الحين أجرى عدة “فحوصات طبية دورية” بجنيف وباريس وغرونوبل بجنوب شرق فرنسا.
(بين فرنسا وسويسرا رحلات علاج بوتفليقة لم تنته)
وأثرت الجلطة على قدرات بوتفليقة الحركية والنطق، وبات ظهوره العلني نادرا على كرسي متحرك دون التفوه بكلمة واحدة.
المفارقة في تزامن الاحتجاجات ضد ولاية بوتفليقة الخامسة مع سفره إلى الخارج للعلاج، تحمل دلالات شديدة الرمزية، وكأن الرئيس يبرهن للمتظاهرين أن مطلبهم منطقي ومشروع، رغم أنه ألمح في رسالة ترشحه، فبراير الجاري، أن المرض لن يعيقه عن أداء مهامه.
وربما كان ينتظر في مثل تلك الحالات أن يعلن الرئيس، بعد ما شهدته البلاد من أحداث الجمعة، تأجيل رحلة العلاج أو استبدالها بأخرى داخلية، ترقبا لما ستسفر عنه الأمور.
لكن ومع كون الرجل مقعد لا يتحرك ولا ينطق، ويتردد دوما أنه بعيد تماما عن شؤون الحكم، فإن حضوره أو غيابه مجرد تحصيل حاصل، فلا تأثير للأول ولا ضرر للثاني.
هل يتراجع؟
ويبقى التساؤل الأبرز، بعد أحداث الجمعة، هل يتراجع الرئيس الجزائري عن سعيه لولاية خامسة تحت وطأة الضغط الجماهيري؟.
بطبيعة الحال فإن الزمن القصير حتى موعد الانتخابات كفيل بتقديم الإجابة، لكن عاملان مهمان يحكمان هذا التوجه، أولهما استمرار الزخم الجماهيري وتصاعد موجة الاحتجاج، والثاني رغبة الرئيس أو منظومة الحكم في استمراره بوتفليقة من عدمه حسب رؤيتها لتطورات الأحداث.
ربما من المبكر الحكم على التحركات الجماهيرية ومدى تأثيرها، حيث يمكن أن تكون تظاهرات الجمعة طفرة قد لا تحدث مجددا، أو على الأقل لا تتكرر سوى الجمعة المقبلة، إلا أن قدرة هذه التحركات على التاثير تستلزم أن تكون يومية ومتطورة ومتسعة جغرافيا وعدديا.
استفادة الحراك الجماهيري من موجة الجمعة لابد أن يكون سريعا للغاية، بحيث يستغل باستمرار الاحتجاج خلال الأيام القليلة المقبلة، إلى حد أن هذا الأسبوع قد يحمل شرارة انتفاضة كبرى، أو علامة موت واستسلام شعبي لمصير مجهول.
على الجانب المقابل، قد يكون موقف بوتفليقة ومنظومة الحكم محسوما تجاه ولاية خامسة، لكنه قد يكون مترقبا أيضا لمستوى الحراك الجماهيري في الشارع وتصاعده واتساعه.
مواقف أحزاب السلطة والموالاة، والمؤسسة العسكرية، وطبقة رجال الأعمال كلها تصب بلا شك في استمرار بوتفليقة ليس حبا فيه، إنما حفاظا على مصالحها من جهة، وعدم الاتفاق على خليفته من داخل منظومة الحكم من جهة أخرى.
ويبقى الرهان معقودا على الشارع الجزائري، في إجبار بوتفليقة ونظامه على التراجع للخلف، ولم لا الانسحاب من سباق الانتخابات قبل انطلاقه، رغم أن هذا السيناريو يخضع لعوامل ومتغيرات عدة تطول تفاصيلها.
اضف تعليقا