أثارت زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان التي يقوم بها لعدد من دول أسيا، الكثير من الجدل، حول توقيتها وأسبابها، والبذخ الكبير الذي صاحبها، خاصة في الزيارة التي جرت قبل أيام لباكستان والأخرى التي يقوم بها للهند، مع توقعات أن يتواصل البذج للصين التي يختتم بها بن سلمان جولته، بعد إلغاء زيارتين كانتا من المقرر أن يقوم بها إلي كل من إندونيسيا وماليزيا، دون توضيح أسباب ذلك.

ورغم الاستقبال الأسطوري الذي حظي به بن سلمان في باكستان، إلا أن أهم ملف كان يعول عليه لخدمة الأمريكان شهد فشلا كبيرا ، بعد رفض حركة طالبان مقابلته، رغم الضغوط الباكستانية، وهو ما اعتبره المراقبون انتكاسة دبلوماسية أخرى للمملكة وولي عهدها، بعد رفض طالبان خلال الشهر الماضي حضور محادثات سلام مع الولايات المتحدة في السعودية، وطالبت بنقلها إلى قطر.

وكان من المفترض أن يلتقي محمد بن سلمان بأعضاء من حركة طالبان خلال زيارته إلى باكستان لإعطاء صورة لأمريكا بشكل خاص أن السعودية تبقى لاعبا كبيرا لا يمكن الاستغناء عنه.

كسر الحصار

وحسب كثير من التقارير الصحفية فإن بن سلمان يهدف من وراء هذه الجولة تقديم نفسه للغرب، في ثوب الزعيم الإقليمي، معتمدا على المكانة التي تتمتع بها المملكة العربية السعودية، في نفوس الدول الإسلامية البارزة مثل باكستان وأفغانستان، وحتى الهند التي يوجد بها ملايين المسلمين.

وربط المحللون هذه الزيارة بالتصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة الماضية، بأن بلاده لم تكشف بعد عن جميع العناصر التي بحوزتها في التحقيق بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في أكتوبر الماضي، في إشارة واضحة أن ولي العهد السعودي لم يخرج حتى الآن من دائرة الاتهامات الدولية والتركية بتورطه في مقتل خاشقجي، وفي المقابل فإن بن سلمان يهدف من هذه الجولة أن يعيد تقديم نفسه للمجتمع الدولي، خاصة وأنها أول ظهور دولي له بعد مشاركته الهزيلة في قمة العشرين قبل شهرين.

وتشير العديد من التحليلات الإعلامية إلي أن ولي العهد يعاني من عزلة دولية نتيجة الأوضاع المأساوية باليمن من جهة، وتورطه في مقتل خاشقجي من جهة أخري، ولذلك فهو يحاول تلميع صورته مستخدما لغة الدولار والاستثمارات لكسب الحلفاء.

وحسب صحيفة ديلي ميل البريطانية فإن ولي العهد يقوم بزيارة آسيوية، بعد خمسة أشهر من تعرضه لضغوط شديدة بعد مقتل خاشقجي، وما زالت تداعيات القضية قائمة حيث لم يكشف بعد عن جميع المعلومات الخاصة بالجريمة، التي أطلقت موجة عالمية من الاستنكار وشوهت سمعة ولي العهد بشكل كبير.

ونقلت الصحيفة عن محللين لها، بأن جولة آسيا هي الأكبر على النطاق الدولي لولي العهد منذ مشاركته في قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين في ديسمبر الماضي. وهي محاولة من النظام السعودي للإظهار للغرب بأنه لا يزال لدى ولي العهد أصدقاء في آسيا الصاعدة.

ووفقا لـ جيمس دورسي الباحث في معهد راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة فإن ولي العهد “يريد أن يظهر أنه ليس منبوذا على الصعيد الدولي إنه يريد أن يبرهن أنه ما زال قادرا على العمل على الساحة الدولية بصفته أعلى ممثل للسعودية بعد الملك سلمان بن عبد العزيز”، كما أكد “لي غووفو” الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد الصين للدراسات الدولية، (وهو مركز أبحاث يتبع الحكومة الصينية)، أن قضية خاشقجي لا تزال تثير غضبا في البلدان الغربية إلى درجة جعلت من غير المريح إطلاقا لولي العهد أن يتوجه إلى الغرب”.

في حين وصف موقع المونيتور، جولة بن سلمان بأنها محاولة لتلميع صورته المتداعية، حيث يرغب السعوديون بشدة في تصوير ذلك على أنها رحلة عمل كالمعتاد، في محاولة للإشارة إلى انتهاء تداعيات مقتل.

واستبقت صحيفة فاينانشيال إكسبريس الهندية، زيارة بن سلمان لنيودلهي، بالتأكيد على أن ولي العهد يقوم بهذه الجولة الرسمية لصرف انتباه العالم عن تورطه في جريمة قتل خاشقجي.

لماذا الآن

وحسب المراقبين فإن ولي العهد السعودي يتوجه لآسيا باحثا عن حلفاء يعوض بهم البرود الغربي تجاهه، ومن هنا جاء اختيار الدول الثلاث التي تشملهم الجولة بعناية، حيث تعد باكستان أهم حليف سعودي في قارة آسيا، وكثيرا ما تعتمد الحكومة السعودية على الجيش الباكستاني للقيام بأدوار نيابة عن السعودية كما يحدث في اليمن والتي يعد الجيش الباكستاني عنصرا أساسيا في قوات التحالف الذي تقوده السعودية.

وتشير التحليلات إلي أن كل من إسلام أباد والرياض وجد كل طرف منهما ضالته في الطرف الآخر، فمن جانبه يريد بن سلمان أن يظهر أنه ليس منبوذا دوليا وأنه لا يزال يحتفظ بصفته أعلى ممثل للسعودية بعد الملك سلمان، أما باكستان فهي متعطشة لما في جعبة ولي العهد من صفقات واستثمارات تتجاوز عشرة مليارات دولار،ـ في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية وتباطؤ حاد في النمو وعجز متضخم في الميزانية، بعد أن أصبح الاحتياطي النقدي لدي الحكومة الباكستانية ثمانية مليارات دولار.

ويري هذا الفريق أن الزيارة لباكستان لها أهداف تتعلق بإيران، حيث يسعي بن سلمان لتعميق حلف الرياض وإسلام آباد القائم على دعم السعودية للاقتصاد الباكستاني، مقابل الاستفادة من القوة النووية الباكستانية التي تتشارك مع إيران في حدود شاسعة، وهي الورقة التي يمكن أن يستخدمها ولي العهد في خلافه المتصاعد مع إيران، وهوما أكده البيان الذي صدر عن الطرفين في ختام الزيارة بالتأكيد على متانة العلاقات العسكرية والأمنية، مع الاتفاق على مزيد من التعاون في هذا الميدان لتحقيق الأهداف المشتركة.

الولاء بالمال

ويرى المتابعون أن مظاهر البذخ التي صاحبت زيارة بن سلمان لباكستان والهند، والاحتفالات الأسطورية التي تم استقباله بها، كان مقابلها توقيع اتفاقيات مع باكستان تصل لـ 20 مليار دولار، وهو نفس المبلغ الذي من المتوقع أن تصل إليه الاتفاقيات مع الهند كذلك، وهو ما ما يدعم الفكرة الموجودة بأن ولي العهد يريد شراء ولاءاته السياسية الجديدة بالمال، تحسبا لأية تقلبات دولية تأتي من اتجاه الغرب.

ووفقا لموقع “بلومبيرغ” فإن بن سلمان يجد حفاوة وضيافة في مكان بعيد عن الغرب الذي تشابكت علاقته معه بسبب جريمة قتل خاشقجي، وأن الأمير الشاب شعر أنه بين الأصدقاء عندما دخلت طائرته المجال الجوي الباكستاني ورافقها أسطول من مقاتلات أف-16.

وفي تحليله للزيارة أكد السفير الأمريكي السابق بدمشق روبرت جوردان لـ “بلومبيرغ”، أن علاقات المملكة مع آسيا تعاقدية في معظمها، وليست علاقات أمنية ولا تستطيع أي دولة آسيوية تقديم المظلة الأمنية للسعوديين إذا واجهوا تهديدا وجوديا، وهو ما يبرر الاحتفاء بولي العهد في كل محطة من جولته الآسيوية كما حصل مع والده الملك سلمان قبل عامين.

أنا استطيع

وتشير تحليلات أخري إلي أن ولي العهد قلما اهتم بالتجارة مع إسلام أباد، لتوتر الأجواء السياسية هناك، وهو ما دفعه للقيام بدور آخر يغلب عليه الطابع السياسي، وهو محاولة نزع فتيل التوتر بين الهند وباكستان بعد حادث سيارة مفخخة بإقليم كشمير المتنازع عليه، ما أدي لمقتل 40 جنديا هنديا الأسبوع الماضي، وهي الحادثة التي منحت ولي العهد الفرصة للقيام بدور الوسيط بين الجارتين النوويتين، في إطار سعيه لتحقيق أية نجاحات يمكن ان تدفع الإدارة الأمريكية للتعويل عليه مرة أخري للقيام بأدوار إقليمية تحظى بدعم دولي.