بين الحين والآخر، يتجدد الحديث بشأن أزمة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من مصر إلى السودان في أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.

وعلى الرغم من الأزمات المتراكمة بين القاهرة والخرطوم ومحاولات تذليلها مع تقارب واضح بين عبدالفتاح السيسي وعمر البشير، تبقى تلك القضية معضلة تبحث عن حل جذري في ظل تمسك البلدان بموقفيهما.

ففي حين تقول مصر إن المئات من المنتمين للجماعة التي تصنفها إرهابية منذ 2013 يقيمون في الخرطوم، يرد السودان دوما بنفي تلك المعلومات، وبينما يتهم السودان بدوره مصر بدعم الحركات المتمردة هناك، تنفيه القاهرة أكثر من مرة.

لا نأوي الإخوان

أحدث موجات الحديث بشأن تلك الأزمة، كانت تصريحات لقيادي في جهاز الأمن والمخابرات السوداني التابع لرئاسة الجمهورية، حين نفى النين، وجود أي عناصر للمعارضة المصرية بالسودان تهدد أمن القاهرة.

مدير دائرة الصحافة والإعلام بالجهاز، محمد حامد تبيدي، قال من الخرطوم إن “السلطات السودانية تتعامل بحزم مع أية معلومات تتصل بتهديدات للأمن المصري”.

وأضاف أن “أي مشكلة تطرح في الإعلام يتم التعامل معها بجدية”، مشيرا إلى “توفر إرادة سياسية كبيرة لدى البلدين لحلحلة القضايا بينهما”.

اللافت أن تلك التصريحات في خضم دعم مصري أعلنته القاهرة منذ اندلاع الاحتجاجات في السودان 19 ديسمبر الماضي، للسودان لتجاوز أزمته السياسية والاقتصادية.

ولعل أكبر دعم تمثل في استقبال السيسي للبشير بالقاهرة في أواخر يناير الماضي، بعد أكثر من شهر على اندلاع الاحتجاجات.

وكان الرئيس السوداني قد قدم الشكر لمصر، خلال خطاب له في مدينة نيالا مؤخرا من بين عدة دول، على المساعدات التي قال إن هذه الدول قدمتها للسودان، من أجل حل المشكلة الاقتصادية التي كانت السبب الرئيسي لاندلاع الاحتجاجات في البلاد.

ولعل الحديث عن الدعم السياسي والاقتصادي الذي تقدمه القاهرة للخرطوم يرى كثيرون أنه قاصر، حيث يتعدى ذلك إلى البعد الأمني، فعقب اندلاع الاحتجاجات في السودان زار كل من وزير الخارجية، سامح شكري، ومدير المخابرات المصرية عباس كامل الخرطوم والتقيا بالبشير.

ثم زار المساعد الأول للبشير مصر مسلما السيسي رسالة من البشير، في 5 يناير، ليدلي السيسي بأول تصريح له عن السودان منذ بداية الأزمة، قائلا وفق بيان رسمي إن “مصر تدعم بشكل كامل استقرار وأمن السودان، الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي المصري”.

الدور المحوري لمصر في دعم البشير ينطوي على ربما نصائح أمنية، في مجال مواجهة الاحتجاجات بناء على خبراتها السابقة.

ما المقابل؟

وبطبيعة الحال، فإن هذا الدعم الذي تقدمه مصر لن يكون مجاني، بل تنتظر القاهرة المقابل بشدة، فهل يمكن أن يكون الحديث عن تسليم أعضاء الإخوان المقيمين في السودان بعد يوليو 2013 هو المقابل؟.

التقارب الشديد بين السيسي والبشير على مدار السنوات الماضية لم يكن خافيا رغم الأزمات، فيكفي أنهما التقيا 14 مرة متتابعة بين العاصمتين وفي مناسبات أخرى خارجية، بعد أيام فقط من تولي السيسي الرئاسة في 2014، وتحديدا في 27 يونيو.

وربما تكون الصفقة عربون هذا التقارب غير المسبوق، دعم السيسي للبشير على مختلف الأصعدة مقابل حل أزمة الإخوان المصريين المقيمين في السودان.

ليس هذا فحسب، بل إن ما يمكن أن تتضمنه الصفقة يمتد إلى أزمات أخرى أبرزها ملف سد النهضة الإثيوبي، حيث تميل الخرطوم إلى أديس أبابا وحقها في تشغيل السد، الذي تقول مصر إنه يهدد حصتها التاريخية من مياه النيل.

خلاف عميق آخر بين البلدين حول السيادة على مثلث حلايب وشلاتين الحدودي الواقع على البحر الأحمر والذي تسيطر عليه مصر منذ العام 1995، فيما تؤكد الحكومة السودانية أنه تابع لسيادتها منذ استقلالها في عام 1956.

وبينما يطالب السودان بالتفاوض أو التحكيم الدولي، تعقدت الأزمة في أعقاب عدم اعتراف الخرطوم باتفاقية ترسيم الحدود التي تنازلت بموجبها مصر عن جزيرتي تيران وصنافير في شمال البحر الأحمر للسعودية.

وفي الملف الإعلامي تشهد البلدان تراشقات يقودها الإعلام الحكومي تارة والخاص تارة أخرى بما يشكل إساءات بالغة لقادة وشعبي البلدين.

جذور تاريخية للأزمات

وفي مقابل تلك الأزمات، فإن ثمة تاريخ متجذر من العلاقات بين البلدين، المؤسسة على روابط دينية وتاريخية وجغرافية وثقافية اجتماعية متينة، لكنه لا يخلو أيضا من المشاكل بين الأنظمة وليس الشعوب.

تشكل السودان بحدوده الحالية مع دخول الحملات الحربية التي أرسلها محمد علي باشا والي مصر للتوسع جنوبًا في أفريقيا، وقد استمرت تلك الحملات في انتصاراتها وضمها للممالك والقبائل المهزومة نحو نصف قرن، إلى أن اكتمل السودان الحديث في العام 1874 بعد أن تم إلحاق سلطنة دارفور به.

انفصلت الأراضي السودانية عن مصر من 1885 إلى 1898 عندما قامت الدولة المهدية في السودان، لكن سرعان ما انتهت هذه الدولة على أيدي القوات البريطانية التي دخلت السودان، وعادت السودان مرة أخرى إلى مصر ولكن بمشاركة بريطانيا التي كانت تحتل مصر وتدير أمورها حينذاك، وهو ما عرف باتفاقية الحكم الثنائي 1899، والتي رفعت العلمين المصري والبريطاني معًا على الأراضي السودانية.

انفصل السودان تمامًا عن مصر بعد 4 سنوات من قيام نظام يوليو 1952، وطيلة الحقبة الناصرية شهدت العلاقات بين البلدين مدًا وجزرًا تبعًا لطبيعة النظام الحاكم في السودان، حيث ازدهرت في الحكم العسكري وترددت في فترة الديمقراطية الثانية، خاصة مع بطش نظام عبدالناصر بجماعة الإخوان المسلمين عام 1965.

شهدت العلاقات تحسنًا كبيرًا في فترة السادات–جعفر النميري، وعُقدت اتفاقية التكامل عام 1974، حيث تقاربت السودان مع واشنطن، وأعادت العلاقات معها بعد انقلاب هاشم العطا والحزب الشيوعي في 1971.

وتدهورت العلاقات المصرية السودانية في بداية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلى أن وصلت ذروتها عام 1995 مع محاولة اغتيال مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا واتهام القاهرة للخرطوم بالتورط في إيواء المتورطين بالهجوم، حتى تحسنت الأمور كثيرا بالتوقيع على اتفاقية الحريات الأربع عام 2004.

وتميزت العلاقات خلال فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 بتقارب كبير، إلى درجة حرص المسؤولين وقتها على عدم إثارة أية قضايا خلافية بين البلدين، حتى أطيح بالرئيس الأسبق محمد مرسي في يوليو 2013.