العدسة: محمد العربي

أثار غياب ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد عن أعمال القمة العربية الأوروبية التي عقدت هذا الأسبوع بمدينة شرم الشيخ، الكثير من التكهنات عن، أسباب غياب أبرز القادة الداعمين لرئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، في القمة التي تزامنت مع رفض دولي واسع لأحكام الإعدامات التي نفذها السيسي قبل القمة بثلاثة أيام في حق 9 من شباب معارضيه.

هذه الشكوك والتساؤلات ربما كانت غير محل من الإعراب، إذا مثل الإمارات في أعمال القمة شخصية بارزة في حجم رئيس الوزراء محمد بن راشد، أو حتى وزير الخارجية عبد الله بن زايد، أو علي أقل تقدير وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، إلا أن غياب الرباعي الأساسي، والاكتفاء بحاكم الفجيرة ليرأس وفد الإمارات، كان سببا في دعم التكهنات التي دارت عن وجود توتر في العلاقة بين الشيطان والسفاح.

وتحدثت تقارير إعلامية عن أسباب تخفيض الإمارات لتمثيلها الدبلوماسي، وأرجعتها إلى وجود خلاف اقتصادي بين مصر والإمارات، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى اتخاذ هذه الخطوة، في حين ذكرت وسائل إعلام إماراتية أن إسناد تمثيل الإمارات لحاكم الفجيرة كان قد تم إقراره في وقت سابق.

وقد خفضت الإمارات تمثيلها الدبلوماسي في القمة السابقة التي أقيمت في الكويت العام الماضي، حيث دار الحديث حينها أن أبوظبي غضبت من الكويت لعدم انضمامها إليها في خطوة سحب السفراء من قطر.

لماذا غابوا

وتشير العديد من التحليلات إلي أن ارتفاع مُستوى التّمثيل الأوروبيّ وانخَفض نظيره العربيّ في قمّة شرم الشيخ، ربما كان بسبب هندسة مصر للقمة لتخرج منها بجزء من هيبتها ومكانتها السابقة، ومُحاولتها استِعادة دورها القياديّ عربيًّا وعالميًّا بعد خمس سنوات من الانكِفاء الداخليّ، والتّركيز على القضايا الاقتصاديّة والأمنيّة التي كانت تُشكّل تهديدًا لاستِقرارها.

ولم يحدد أصحاب هذا الرأي أسبابا لغياب العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين، وتخفيض مُستوى تمثيل دولة الإمارات وحُضور الشيخ حمد بن محمد الشرقي، حاكم إمارة الفجيرة، حيث جرت العادة، وبحُكم العلاقات المصريّة الإماراتيّة القويّة، أن يترأس وفد الإمارات إمّا الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبي ورئيس الوزراء، أو الشيخ محمد بن زايد، نائبه ووليّ عهد أبو ظبي، متسائلين عن حقيقة وجود تأزّم في العلاقات لسببٍ أو لآخَر.

تصارع المصالح

وحسب التحليلات التي تناولت الموضوع، فإن هناك ملامح لخلاف موجود منذ فترة بين السيسي وصديقه الحميم بن زايد، وهو الخلاف الذي بدأ يأخذ أشكالا في الضرب تحت الحزام بين الطرفين الحليفين، والتي منها على سبيل المثال، إرساله رسالة بموفد خاص لشيخ الأزهر أحمد الطيب، يشكره فيها علي زيارته إلى دولة الإمارات ومشاركته في لقاء الأخوة الإنسانية الذي جمعه بالبابا فرانسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وتوقيعهما على وثيقة الأخوة الإنسانية.

الرسالة التي احتفي بها الإعلام الإماراتي سلمها الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح، ونقل فيها تحيات ولي عهد أبوظبي، وتأكيده على الدور الرائد الذي يقوم به شيخ الأزهر لترسيخ نهج الوسطية والاعتدال في العالم أجمع، مؤكدا أن دولة الإمارات تدعم دائما جهوده وجهود مشيخة الأزهر لنشر تعاليم الإسلام السمحة وتبني خطاب التسامح والاعتدال ونبذ خطاب الكراهية.

ولفت المراقبون إلي أن الرسالة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقة بين الشيخ الطيب والسيسي، تأزما متصاعدا، وصل بالبعض إلي توقع أن تشمل التعديلات الدستورية التي ناقشها البرلمان المصري منذ أيام مادة تسمح بعزل شيخ الأزهر، وهي المادة التي أكد المراقبون أن السيسي تراجع عنها في اللحظات الأخير قبل طرح التعديلات، لغلق الباب ضد أية محاولة لتعطيل التعديلات.

وحسب الرأي السابق فإن احتفاء بن زايد بالطيب، مع علمه بالخلاف العلني بينه وبين السيسي، وعدم حضور ولي عهد أبو ظبي للقمة الأخيرة، لا يجب أن يمر مرور الكرام، خاصة وأن العلاقات بين الجانبين حمالة لكثير من الأوجه.

أزمة إعمار

ويري فريق من المحللين إلى أن الأزمة بين الطرفين، ظهرت بوضوح نتيجة الخلاف بين شركة إعمار الإماراتية والمسئولين عن العاصمة الإدارية التي ينشئها السيسي في صحراء السويس.

وحسب عدة تقارير فإن الإنسحاب الأخير للشركة، سبقه انسحاب للمرة الأولي منذ أربع سنوات، ولكن تم تدارك الموقف في إطار حرص ابن زايد علي دعم السيسي الذي كان موقفه في الحكم ضعيفا، ويرتكز الخلاف وفقا لتصريحات أحمد زكي عابدين رئيس “شركة العاصمة الإدارية الجديدة” علي عقود تطوير قطعة أرض مساحتها 1500 فدان (الفدان 4200 متر) في العاصمة الإدارية الجديدة، وأشارت تصريحات عابدين لوكالة بلومبيرغ الأمريكية أن الشركة الإماراتية ترغب في شراء الأرض بسعر أقل من 3500-4000 جنيه مصري (223 دولاراً) للمتر المربع المطلوب عادة للتطوير السكني في المشروع.

بينما اكدت شركة إعمار مصر في بيان رسمي أنها لا تزال مهتمة بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر والأراضي الأخرى التي تطرحها الحكومة المصرية. وأوضحت الشركة أن الحصول على أراضٍ يتطلب مفاوضات طويلة الأجل وتقييمات مالية من قبل كل الأطراف ذات الصلة، مؤكدة استمرار مفاوضاتها للحصول على أراضٍ في العاصمة الإدارية الجديدة. وأضافت: “سنعلن المزيد من التفاصيل عندما تنتهي المفاوضات، لكن في الوقت نفسه، سنواصل تركيزنا على تقوية محفظتنا العقارية، وإيجاد قيمة مستدامة لأصحاب المصلحة”.

ووصف خبراء اقتصاديون إلي أن انسحاب شركة إعمار، كشفت السيسي ووضعته في موقف محرج، في ظل معاناته المتواصلة مع الاستثمارات الخليجية.

خلافات المحمدين

وفي وجهة نظر مختلفة يذهب فريق من المحللين إلي أن سبب التمثيل الهزيل للإمارات، ليس متعلقا بشكل العلاقة مع السيسي، وإنما بسبب الأزمة التي تظهر بوضح بين المحمدين بن زايد وبن راشد، والذي يبدو أن الصراع بينهما خرج من تحت سطح الأرض، وفقا لموقع “إنتليجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي، والذي أكد ان طموحات بن زايد قد أشعلت فتيل أزمة كبيرة بين أبوظبي ودبي، الذي كشف عن تصاعد التوتر في العلاقات بين الإمارتين بشأن من يستحوذ على الموانئ الاستراتيجية في العالم، وهو الأمر الذي كان من اختصاص “موانئ دبي”.

وأكد الموقع الاستخباراتي، في تقرير له أن لدى أبوظبي طموحات تتمثل في أن تصبح أكبر لاعب بسوق الموانئ الاستراتيجية، متحدية بذلك هيمنة دبي على هذا القطاع.

وذكر الموقع أن أبوظبي تخوض معركة شرسة تهدف إلى تخطي شركة “موانئ دبي” العالمية، التي كانت حتى الآن رأس الحربة الإماراتية بهذا القطاع، وهي المالك الأكبر في أفريقيا وآسيا، وأوضح الموقع أن “موانئ دبي” العالمية لن تكون قادرة بعد الآن على الاعتماد على دعم أبوظبي الدبلوماسي والمالي للظفر بموانٍ جديدة في العالم.

وتدير “موانئ دبي” العالمية حالياً مواني في بعض الدول، أبرزها الجزائر والسنغال وموزمبيق والأرجنتين وكندا وأستراليا وباكستان وفرنسا وبريطانيا وغيرها، لكنها واجهت مشاكل في الفترة الأخيرة، إذ ألغت كل من جيبوتي والصومال اتفاقات مع “موانئ دبي” كانت تقضي بتسيير ميناءي جيبوتي وبربرة بالصومال، كما سجلت “موانئ دبي” العالمية هبوطاً بلغ 4.6% في أحجام مناولة الحاويات خلال الربع الأخير من العام الماضي بدبي، في وقت تتوقع فيه الشركة صعوبات خلال العام الحالي، وارجعت الشركة، التي تسيطر عليها الحكومة، هذا الهبوط إلى انخفاض هوامش أرباح النشاط.