أحمد حسين

لم يكن الأمر مفاجئا، بقدر ما شكل تعبيرا صريحا عن دفء غير مسبوق في العلاقات بين النظام المصري وحركة المقاومة الفلسطينية حماس.

الإفراج عن 4 من عناصر كتائب القسام الجناح العسكري للحركة، بعد 3 أعوام ونصف من الاحتجاز في مصر وعودتهم إلى قطاع غزة، كشف عن صفقة ما يبدو أن رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية وقعها أثناء زيارته للقاهرة والتي استمرت لنحو ثلاثة وعشرين يوما واختتمها الأربعاء الماضي.

فهل وُقعت صفقة بالفعل، وما المقابل الذي دفعته أو ستدفعه حماس في الجهة المقابلة؟.

غزة تستقبل أبناءها

مساء الخميس، أعلن هنية أن السلطات المصرية أفرجت عن 4 من عناصر الحركة، ووصل الشبان الأربعة المفرج عنهم عبر معبر رفح الحدودي إلى قطاع غزة حيث كان في استقبالهم عشرات المواطنين، وتم نقلهم في سيارات مباشرة إلى مكتب هنية غربي مدينة غزة.

واختطف الشبان، وجميعهم أعضاء في كتائب عز الدين القسام، في ظروف غامضة في أغسطس 2015، لدى دخولهم الأراضي المصرية عبر معبر رفح، حيث كانوا في طريقهم للسفر إلى تركيا، وهم عبد الله أبو الجبين وعبد الدايم أبو لبدة وحسين الزبدة وياسر زنون.

وفي بيان نشره مكتب هنية قال إن الأخير “يعلن رسميا الإفراج عن الإخوة الأربعة وعودتهم سالمين من مصر إلى قطاع غزة، ويعبر عن شكره العميق للقيادة المصرية على قرارها الذي يعبر عن عمق العلاقة بين الشعبين الشقيقين”.

(هنية وقيادات حماس يستقبلون الشبان المفرج عنهم)

وأكد “نجاح الجهود في إطلاق سراح أربعة مواطنين آخرين من القطاع وعودتهم إليه سالمين”.

وبينما تنكرت مصر مرارا من وجود الشبان الأربعة لديها، تحمل حماس منذ لحظة الاختطاف السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياتهم، وخاضت على مدار السنوات الماضية مفاوضات وجهودا مضنية من أجل إطلاق سراحهم.

صفقة هنية

اللافت أن الإفراج عن عناصر حماس، تزامن مع عودة هنية إلى غزة الأربعاء بعد زيارة إلى مصر استمرت قرابة شهر، هي الأولى منذ انتخابه رئيسا للمكتب السياسي للحركة.

وقبل أيام، كشفت مصادر أن هنية بحث خلال زيارته للقاهرة عدة ملفات مع رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، كان أبرزها ملف المحتجزين الأربعة من كتائب القسام.

وأكدت المصادر أن هنية نجح في الحصول على موافقة رسمية بالإفراج عن الشبان الأربعة.

ونقلت تقارير إعلامية عن مصادر قولها إن هنية، تعمَّد تأخير عودته إلى غزة، بعد أن شعر بالحرج أمام عائلات المختطفين، الذين كان قد وعدهم بالإفراج عن أبنائهم سابقا بعد حصوله على ضمانات مصرية بذلك.

تلك القضية مثلت أهمية كبرى لدى قيادة حماس، التي استمرت في الضغط على الجانب المصري للإفراج عن المختطفين، قبل الشروع في المفاوضات حول أي قضايا أخرى، مثل قضية الجنود الإسرائيليين الذين تختطفهم كتائب القسام، منذ الحرب الأخيرة على غزة عام 2014.

وبحسب المصادر فإن السلطات المصرية وافقت على مطالب حماس بالإفراج عن المعتقلين، شريطة عدم إثارة القضية إعلاميا، أو الخوض في تفاصيلها.

شروط مصرية قاسية

يبدو الحديث عن الصفقات في عالم السياسة مألوفا إلى حد معتاد، الأمر الذي ربما ينسحب على مسألة الإفراج عن عناصر القسام المحتجزين في مصر بعد أعوام من الاختطاف.

على الجانب المصري يقتصر الحديث الآن على مجرد إطلاق سراح الشبان، بينما يتعين على حماس ألا تخوض في تفاصيل القضية مجددا، فضلا عن تسهيلات في التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي بشأن جنوده المختطفين في غزة.

لكن مسار القضية شهد تطورا لافتا في أغسطس 2016، عندما نشرت “الجزيرة” صورة قيل إنها للشبان المختطفين من داخل أحد السجون المصرية، وقت أن كانت القاهرة تنفي بشدة أية أنباء عن وجودهما تحت سلطتها.

(الصورة التي نشرتها الجزيرة وتظهر اثنين من المختطفين داخل مقر احتجاز)

حينها تحدثت تقارير إعلامية، عن اشتراطات وضعتها مصر على حماس مقابل الإفراج عنهم، تمثل أولها في مساندة الجيش المصري بقتال العناصر المسلحة في شبه جزيرة سيناء، ودخول الأراضي المصرية، ومواجهة تنظيم داعش، وبعض المجموعات المسلحة التي تستهدف الجيش.

الشرط الثاني كان مطالبة حماس بنشر قوات إضافية تصل لأكثر من ألف عنصر من أجهزتها الأمنية على طول الخط الحدودي الفاصل بين رفح المصرية والفلسطينية، بأسلحة متطورة، ومراقبة الخط الحدودي بأكمله.

أما الشرطان الثالث والرابع يتمثلان بتسليم حركة حماس للجانب المصري بعض العناصر التابعة للحركة، والمطلوبة لمصر وصدرت ضدها أحكام قضائية تتعلق بالإرهاب، والتدخل بشؤون مصر الداخلية، إضافة لتسليم مصر عائلات وقيادات مصرية هربت من سيناء إلى قطاع غزة.

المصادر قالت إن حماس رفضت حينها جميع الاشتراطات، باستثناء المطلب الثاني حيث نشرت بالفعل المئات من عناصرها على طول الخط الحدودي بين الجانبين.

دفء العلاقات إلى أين؟

ومنذ رعاية مصر لاتفاق المصالحة التاريخي بين حركتي فتح وحماس الفلسطينيتين في أكتوبر 2017، تشهد العلاقات بين القاهرة وحماس تحسنا ملحوظا وغيابا لتوتر ساد الأجواء منذ انقلاب الجيش  على الرئيس محمد مرسي في يوليو 2013.

ونجحت مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة في نوفمبر الماضي، بالتوصل إلى تفاهم غير رسمي للتهدئة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة.

زيارة هنية الطويلة في حد ذاتها تعد مؤشرا غير هين على عودة الدفء للعلاقات مع النظام المصري، فضلا عما شهدته الزيارة من لقاءات مكوكية بمسؤولين أمنيين، ولقاءات إعلامية أخرى كانت إيجابية للغاية من وسائل إعلام وإعلاميين لطالما ساقوا الاتهامات بالإرهاب وتخريب مصر بحق حماس وقياداتها.

ولعل الشكر الذي وجهه هنية لمصر في خطاب فور لقاء الشبان الأربعة، يؤشر أيضا على منحنى جديد في العلاقات ربما تكشف الأيام المقبلة عن ملامحه وتطوراته.

(متابعة إعلامية إيجابية لوفد حماس بالقاهرة)

على أقل تقدير، فإن الأمر من شأنه الإبقاء على حالة الهدوء التي يتمتع بها قطاع غزة نتيجة التفاهمات غير المباشرة مع الاحتلال برعاية مصرية، إلا أنه قد ينطوي على مزيد من الإجراءات والخطوات في المستقبل.

ملف إفراج حماس عن جنود الاحتلال المختطفين قد يكون حاضرا بقوة ضمن هذه الخطوات، فضلا عن مزيد من المتابعة الأمنية الدقيقة لمعبر رفح ومساندة القاهرة في القضاء على التنظيمات المسلحة في سيناء، والتي نشطت مؤخرا بعد فترة كمون طويلة.

في المقابل يمكن لحماس أن تلعب على عدة جبهات في سياق الصفقة التي جرت، أبرزها مساندة مصر لها في إنهاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإجراءاته العقابية بحق غزة، فضلا عن أزمات معيشية أخرى كأزمتي الوقود والكهرباء.