بعد مقابلات وسجالات عديدة في الفترات الأخيرة أسدلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الخميس الستار على أول اتفاق مبدئي للمرحلة الانتقالية ، قيل عنه أنه بموافقة الخصمين اللدودين  رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج وقائد الانقلاب المشير خليفة حفتر الموالي للإمارات، ولكن يبدو أن الساعات القادمة حبلى بالعراقيل!

“العدسة” يبحث في أفق المشهد الجديد ومدى جدية الطرفين في ظل عراقيل واضحة وجدل قديم واختلاف للأولويات ، وهو ما يجعلنا نتوقف كثيرا قبل الحكم بنجاح اتفاقات تعقد في أبو ظبي وفي ليبيا لها خصوم لا تقبل بها بالأساس.

إعلان أممي 

بعد ماراثون طويل تنفست بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الصعداء الخميس بعد إعلانها أن خصمي ليبيا البارزين “حفتر والسراج” اتفقا بدعوة من الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة غسان سلامة، وبحضوره ، على إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا من خلال انتخابات عامة وكذلك على سبل الحفاظ على استقرار ليبيا وتوحيد مؤسساتها، وهو ما أقر به الخصمان علنا.

اللقاء وفق ما هو معلن جاء تعزيزا لإعلان الموفد الأممي إلى ليبيا في 18 يناير عن أمله في الدعوة “في الأسابيع المقبلة” لمؤتمر وطني في ليبيا لإنهاء المرحلة الانتقالية والتمهيد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، وعزا ذلك إلى  ما وصفه بـ” نجاح الاتصالات التي يجريها مع الأطراف الليبية ودول الجوار” ، وهو ما تجسد بحسب البعض في اختيار”أبوظبي” تحديدا كمقر الاجتماع، حيث يعد هذا اللقاء هو الثاني بين السراج وحفتر الذي تستضيفه الإمارات بعد لقاء جمعهما في مطلع مايو 2017، في أبوظبي، وتم الاتفاق خلاله على حل الأزمة الليبية سياسيا وأهمية إجراء الانتخابات.

لكن مثل ذلك حدث في آخر اجتماع بين السراج وحفتر في نهاية مايو الماضي في باريس حيث تم الاتفاق على تنظيم انتخابات لكن قيل وقتها في سبب الفشل أنه جاء دون جدول محدد أو تعهد واضح من الجانبين.

وفي نوفمبر 2018 ، حاولت إيطاليا جمع السراج وحفتر في مؤتمر باليرمو الذي حضره ممثلون عن دول معنية بالملف الليبي، من دون نتيجة إذ أن حفتر قاطع المؤتمر لكن البعض تحدث عن نجاح عقد اللقاء على هامش المؤتمر لمدة نصف ساعة بحضور رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبى كونتى، ولم يستجد جديدا بعدها سوى تصاعد التراشقات.

خيارات قليلة

ردود الأفعال تكشف بحسب المتابعين أن الخيارات المتاحة قليلة، ولهذا ارتضت الإمارات التي ترعى الثورات المضادة في المنطقة باللجوء إلى خيارات البعثة الأممية وسط ترقب من الآخرين.

عضو ما يسمى “مجلس طبرق “ صالح افحيمه عزز هذا التوجه مؤكدا في تصريحات صحفية أن نتائج اللقاء تجعلنا نتلمس طريقا للحل، مشيرا إلى أن الخيارات المتاحة لم تعد كثيرة بعد مرور أربعة سنوات من الانقسام، ووفق المعلومات التي وصلت له فقد دعا “جميع الأطراف إلى دعم ما جاء في محضر اتفاق الرجلين والتخلي عن المصالح الضيقة من أجل إنهاء الأزمة وعودة المشهد السياسي في البلاد إلى طبيعته وتوحيد المؤسسات تحت سلطة حكومة واحدة”.

وكشف عن أن “ما جاء في الاتفاق يلبي ما كانت تطالب به الأطراف السياسية كمدنية الدولة والخروج من المرحلة الانتقالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية برئيس منفصل عن المجلس الرئاسي ومجلس رئاسي يتكون من رئيس ونائبين يكون هو القائد الأعلى للجيش”.

وأوضح محمد السلاك الناطق الرسمي باسم رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج أن السراج أكد خلال اللقاء مدنية الدولة وتقليص المرحلة الانتقالية وتوحيد المؤسسات وعقد الانتخابات وعدم الحل العسكري للأزمة وضرورة الحفاظ على سلامة المدنيين والمنشآت المدنية وإبعادهم عن أي صراعات والتوقف عن التصعيد الإعلامي وخطاب الكراهية”.

المعسكر الإيطالي صاحب خبرة ، ولذلك رحب رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بالاتفاق المبدئي بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج وخليفة حفتر، لكنه أعرب عن أمله أن “يكلل بالنجاح هذه المرة” ، موضحا أهمية الانتظار بقوله :” إنه يجب الانتظار حتى يلقى هذا الاتفاق ترحيبا من كافة الأطراف الليبية، مبينا أنه يجب أخذ الحذر الذي تفرضه هذه المسألة”.

وردا على سؤال للصحفيين بشأن هذا الاجتماع، قال :” من الناحية الفنية، يبدو أن الاتفاق فعّال، لقد تلقى استحسانا من كلاهما، السراج وحفتر، لكن الوضع الليبي يتطلب الانتظار حتى يجد الترحيب من الأطراف الليبية الأخرى الفاعلة وآمل أن يكون ناجحا هذه المرة. أقولها بكل الحذر الذي تفرضه هذه المسألة.  فلنشابك إصبعينا”.

أفق المستقبل 

وتذهب تحليلات إلى أن الحكم على مدى تماسك الاتفاق يحتاج إلى وقت خاصة في ظل وجود عراقيل واضحة تكمن في مدى تحقيق توافق عليه من عدمه خاصة في ظل عداء شخصي بين حفتر والإمارات مع جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا وحزبها السياسي الفاعل في المشهد السياسي هناك فضلا عن جدلية الدستور أولا أم الانتخابات ، ما يجعل الأمر معلقا حتى تتضح خيارات الجميع.

القيادي في معسكر “حفتر” الدكتور عبدالسلام البدري كشف في تعليقه عن اتفاق أبوظبي أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع في ليبيا سيأخذ وقتا طويلا بحسب تأكيده موضحا أن “حفتر”  يسعى باتفاقه لمنع التدخل القطري والتركي في الشأن الليبي بحسب زعمه في حديث لمنصة إماراتية مقربة من السلطات هناك.

وفي غضون هذا ، قد يأخذ الأمر وقتا، في ظل ما سربته صحيفة “العنوان” الليبية الناطقة بالإنجليزية التي كشفت عن حضور اسم المجموعات المسلحة في طرابلس ومجموعات الضغط مثل جماعة الإخوان المسلمين في المفاوضات وحدوث خلاف حولها فيما لم تكشف التصريحات موقف السراج منها أو قبول حفتر به ولكن يبدو أن قبول الإمارات الخصم البارز حاليا في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين يشيء بدلالات سلبية بحسب البعض.

هذه الدلالات يبدو أنها تقف وراء دعوة رئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان،(المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين) الثلاثاء الماضي جميع الأحزاب والتنظيمات السياسية إلى الاطلاع والتوقيع على ميثاق الشرف الذي وقعته 6 من الأحزاب الليبية والذي وصف دعوته بأنها “جاءت نتيجة للحملة الشرسة التي تشهدها البلاد ضد العمل السياسي الحزبي، مؤكدا أن هناك توافقا بين كل الموقعين على أن يظل هذا الميثاق مفتوحا أمام كل الأحزاب والتنظيمات السياسية حديثة المنشأ أو التي لم تتح لها فرصة المشاركة بالتوقيع عليه بعدُ”.

وكان ” صوان” الذي لم يعقب بعد على الاتفاق حتى تاريخه ، كشف في وقت سابق أن الخيار الأفضل للخروج من الأزمة الليبية هو الاستفتاء على مشروع الدستور ثم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، مؤكدا أنه لا حل قبل ذلك سوى التمسك بالاتفاق السياسي والضغط على الأطراف المعرقلة لتنفيذه.

ولكن رغم ذلك كان هناك ثمة اتفاق بين إخوان ليبيا مع “حفتر” في بعض الأشياء وهو ما أكده رئيس الدائرة السياسية في حزب “العدالة والبناء” نزار كعوان الذي دعا في أواخر أكتوبر الماضي “حفتر ” إلى خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية موضحا أن حزبه “يتفق مع حفتر في مكافحة الإرهاب ووحدة ليبيا، كونها “استحقاقات وطنية”!.

ويبقى الحل العسكري مطروحا في ظل أي فشل ، ووفق مراقبين فإن المحصلة أن الحل العسكري يبدو خيارا مطروحا حيث يسيطر حفتر على إقليم برقة و فزان بينما السراج لا يكاد يسيطر على مساحة تذكر ، وحتى الدعم الدولي له لم يمكنه من بناء نواة للجيش و جهاز الحرس الرئاسي لم يعرض نفسه، ما يجعل الأمر مغرى لحفتر.