تساؤلات عديدة ظهرت على سطح الأحداث بعد إطلاق السلطات المصرية سراح المعتقلين القساميين الذي سبق وأن اعتقلتهم منذ أربع سنوات، وتنكرت أكثر من مرة عن وجودهم لديها أو معرفتها بأي معلومات عنهم.

التساؤلات ارتبطت بتوقيت هذه الخطوة المصرية، وهل يمكن أن تكون مقدمة لحلحلة يمكن أن نشهدها في ملفات أخرى عالقة بين الجانبين المصري والحمساوي، خاصة وأن عملية الإفراج ارتبطت بقرار آخر للجانب المصري، بالسماح لأهل قطاع غزة بمرور من معبر رفح لأداء العمرة، وهو ما كان ممنوعا قبل خمس سنوات.

ماذا جرى

المتابعون رصدوا حالة الفرحة التي عاشها قطاع غزة خلال اليومين الماضيين بعد وصول عناصر القسام التي كانت معتقلة بمصر، وهي الفرحة التي لم تكن فقط مقتصرة على عودة المعتقلين، ولكن فيما يمثله ذلك من إشارة جيدة، تشير إلي أن حماس، بات لديها مكانة لدى الجانب المصري، كما أن إطلاق سراح المأسورين الأربعة رغم الرفض المصري المستمر عن وجودهم بحوزتها، يعني أن حماس حققت العديد من المكاسب على المستويين الداخلي الغزاوي والداخلي الفلسطيني.

أما على الصعيد الغزاوي فإن خطوة المعتقلين، بالإضافة لخطوة السماح للغزاويين بالمرور من معبر رفح من أجل العمرة، تعطي الأمل لأهل القطاع بأن تفكيك الحصار بات ممكنا، كما أنه يمنح الثقة أكثر لحركة حماس، بعد الإجراءات المتعددة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية من أجل تأديب حماس.

وحسب المراقبين فإن المكتب السياسي لحماس، مارست ضغوطا على الجانب المصري، لإعادة فتح القضية في الحوارات التي كانت تجري معهم، حتى وصلوا لاتفاق مع وفد المخابرات المصرية الذي كان يزور القطاع بفتح الملف مع الجهات الأعلى في القاهرة لحل القضية، وتلقت فيما بعد وعدًا بالعمل على حلّ الملف، وهو الأمر الذي تم إدراجه على جدول أعمال المباحثات التي أجراها وفد حماس مؤخرًا في القاهرة قبل توجهه إلى مصر.

ووفقًا مصادر فلسطينية، فإن عودة إسماعيل هنية إلى غزة قادمًا من القاهرة بدون المعتقلين، كانت تحمل وعودًا من الجانب المصري بالإفراج عنهم قريبًا، مشيرةً إلى أن هنية أبلغ قيادة الحركة بذلك، ولكن قرار الإفراج عن المختطفين إلى جانب 4 معتقلين آخرين جاء بعد اتصالات مصرية داخلية في محاولة من المخابرات المصرية العامة لأن يساعد حل هذا الملف في حل ملفات أخرى تتعلق بالتهدئة مع إسرائيل والمصالحة والعلاقات الثنائية خاصةً ملف الحدود التي نجحت حماس في ضبطها.

لماذا الآن

أمام هذا التساؤل دارت العديد من التحليلات، حيث أكد بعضها أن الموضوع يتعلق بترتيبات لصفقة تبادل للأسرى، يعول عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة، وأنه استخدم علاقته مع النظام المصري لحلحلة موقف حماس المتصلب، والذي أفشل من وجهة نظر إسرائيل المباحثات غير المباشرة التي تبنتها القاهرة بين الطرفين.

ويرى أصحاب هذا التوجه أن تطور العلاقة بين حماس والنظام المصري الحالي، مرتبط بالمصالح، سواء للجانب المصري، أو للجانب الفلسطيني، الذي سوف يدرس حسابات المكسب والخسارة جيدا قبل الدخول في أي اتفاق، وهو ما يبرر طول المدة التي قضاها رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية في القاهرة خلال زيارته الأخيرة، التي انتهت بإطلاق سراح المعتقلين الغزاويين.

ويرى الداعمين لهذا الرأي أن حماس وضعت شروطا محددة لإبرام أي صفقة أسرى مقبلة، منها إفراج الاحتلال عمن أعيد اعتقالهم من صفقة وفاء الأحرار، قبل الحديث عن أية تفاصيل متعلقة بالصفقة الجديدة، وهو ما يبرر من وجهة نظرهم، الخطوة المصرية التي تأتي في إطار حرص القاهرة لتعزيز الثقة ومنح عناصر قوة لهنية وحركة حماس لتعزيز حضورها في الساحة الفلسطينية، وهي الخطوة التي ترتبط بشكل أساسي بالحديث الدائر عن وجود صفقة جديدة لتبادل الأسرى مع إسرائيل.

هل كسبت حماس

ويشير المراقبون إلى أن تطور العلاقة بين القاهرة وحماس، يصب في مصلحة الأخيرة، وهو ما يبرر حالة التكتم التي تعامل بها الجانب المصري مع الموضوع، وعلى الجانب الآخر فإن الإفراح لم تنقطع في غزة، منذ أن عبر المعتقلون معبر رفح البري قبل يومين.

وهو ما يدعمه تصريحات عبد اللطيف القنوع المتحدث باسم حماس بأن الحركة راضية عن نتائج الزيارة وإن مصر تفهمت موقف الحركة من مختلف المواضيع والقضايا، مؤكدا في الوقت نفسه على الجهود المصرية الداعمة والمتواصلة لإنجاز مصالح الشعب الفلسطيني وتحقيق أهدافه حتى رفع الحصار الإسرائيلي عنه.

سيناريو مختلف

ويرى البعض أنه لا يجب قراءة المشهد بعيدا عن التفكير الإسرائيلي الجديد تجاه حل أزمة القطاع، وهو التفكير الذي يهدف لوجود حل إقليمي، ينهي الحصار من جانب، ويكون ضامن لإسرائيل من جانب آخر بضبط أداء المقاومة الغزاوية، وانطلاقا من ذلك فإن كل من الفلسطينيين والإسرائليين ومعهم الأمريكان والمصريين، لا يريدون حدوث حربا جديدة بين الجانبين، لما يمثله ذلك من تكلفة باهظة على كافة الأطراف، ومن هنا كان المقترح الإسرائيلي للانخراط العربي والإقليمي في حل الوضع القائم في القطاع، ووفقا لنفس الرأي فإن مسيرات العودة التي أتمت عامها الأول، تمثل وسيلة ضغط قوية على الإسرائيليين، وهو ما دفع الأطراف المرتبطة بالقضية، للبحث عن حلول للوضع المتأزم في القطاع، والتي من بينها إنهاء الحصار.

وبحسب المراقبين فإن الدعوات الإسرائيلية المتواصلة لشراكة عربية وإقليمية في حل أزمة القطاع، تشير لوجود رغبة حقيقية لدى إسرائيل لإنهاء مشكلتهم مع قطاع غزة، ونقلها لمربع آخر يمكن أن يمثل وسيلة ضغط على مصر أو باقي الدول العربية، أو حتى الأمم المتحدة، وهو التصور الذي لا يجد قبولا لدى الرأي العام العربي، وهو ما يمكن أن يعكس في النهاية أسباب التجاوب المصري مع المطالب الحمساوية، حتى يظل الموقف الثنائي متناغما ضد أي خطوة إسرائيلية يمكن أن تلقي دعما أمريكيا كحلول بديلة لصفقة القرن التي ما زالت تبحث عن أرض تقف عليها.

ويستند أصحاب هذا الرأي لما أعلنه الدبلوماسي الأمريكي السابق دنيس روس، بأن ـ”صفقة القرن” لن تحظى بتجاوب جدي من الأطراف العربية إذا لم تلب التطلعات الفلسطينية لدولتهم المستقبلية.

وأوضح الدبلوماسي السابق، الذي كان مسؤولا كبيرًا في وزارة الخارجية الأمريكية ومبعوثا إلى الشرق الأوسط أن خطة ترامب في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ستفشل إذا لم تشمل “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وأجزاء من القدس الشرقية عاصمة لها”.