في وقت رأى كثيرون أن تعيين محمد ولد الغزواني وزيرا للدفاع في موريتانيا بدل قيادة أركان الجيش بمثابة تقاعد هادئ للرجل، توقع آخرون أنه بداية فقط لمسيرته السياسية خلفا لصديقه الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز.
صدقت توقعات الفريق الثاني، بعد إعلان “ولد الغزواني” رسميا عزمه الترشح لرئاسة الجمهورية في الانتخابات المقررة يونيو المقبل، بعد إعلان “ولد عبدالعزيز” تمسكه بالدستور الذي يمنعه من الترشح لفترة رئاسية ثالثة.
فوز محسوم
الجنرال المقرب للغاية من الرئيس الحالي خاطب الآلاف في ملعب نواكشوط بالعاصمة، الجمعة: “عليكم جميعا القيام بالهبة اللازمة لجعل هذه الانتخابات نجاحا تاما لتمكيني من تنفيذ البرنامج الطموح المزمع”.
وزير الدفاع الذي ينتظر أن يخلع بزته العسكرية في وقت لاحق، قال إنه سيسعى لإصلاح التعليم وتحصين الوحدة الوطنية وتحقيق نهضة تنموية، والعناية بالشباب وتعزيز الديمقراطية والمحافظة على أمن البلاد.
ولد “محمد ولد الشيخ محمد أحمد” المعروف اختصارا بـ”ولد الغزواني” عام 1956 في بومديد (وسط جنوب) موريتانيا منحدرا من أسرة صوفية، وكان والده شيخا لإحدى الطرق الصوفية.
انضم إلى الجيش في 1978، وكان رفيقا ملازما لولد عبدالعزيز وشارك معه في انقلابَي 2005 و2008. وكان يتولى منصب قائد الأركان من 2008 حتى دخوله الحكومة في نوفمبر الماضي.
بتلك الخطوة، أنهى الرئيس الحالي والجنرال السابق الذي وصل إلى الحكم بانقلاب في 2008 ثم انتخب في 2009 و2014، ولايته الثانية في المقبل 2019، جدلا حول عزمه الترشح لولاية ثالثة بعد تعديلات مقترحة للدستور أعلن مرارا معارضته لها.
لكن الصديق المقرب من الرئيس المقبل للبلاد، أكد أنه سيواصل العمل في المجال السياسي بعد نهاية ولايته، الأمر الذي يمهد من خلاله للعب دور ما في تشكيلة الحكم بعد فوز الغزواني بالرئاسة.
هذا الفوز يبدو محسوما للغزواني من الجولة الأولى، نظرا لما يتمتع به من دعم الحزب الحاكم والمؤسسة العسكرية.
الجنرالات يضمنون السيطرة
وبينما تسعى المعارضة إلى التوافق حول مرشح واحد يمثلها، فإن جبهة الحزب الحاكم وحدت جهودها خلف ولد الغزواني.
هذا السعي لتولية الرجل ليس وليد اليوم، بل بدت خيوطه تتضح في نوفمبر الماضي عندما كثر الحديث عن تعديلات دستورية تعطي الحق للرئيس ولد عبدالعزيز الترشح لولاية ثالثة، لكنها أثارت حفيظة المعارضة ونفاها الرئيس.
في نوفمبر الماضي، أجرى الرئيس الموريتاني تغييرات في مناصب عسكرية قيادية، الأمر الذي قدره مراقبون ببدء قادة المؤسسة العسكرية والأمنية الترتيب لخطوات تضمن الاستمرار في السلطة بعد 2019، من دون الإخلال بمقتضيات الدستور هذه المرة.
أبرز تلك التغييرات تمثل في تعيين الفريق ولد الغزواني وزيرا للدفاع بدلا من منصبه السابق قائدا لأركان الجيش، وتعيين الفريق محمد ولد الأمين قائدا جديدا للأركان.
وبينما قال بعض المراقبين، حينها، إن تعيين الغزواني بداية التقاعد الهادئ للجنرال القوي، جزم آخرون أنه يخطو الخطوة الأولى في مشواره السياسي، والذي سيتوجه بالترشح لرئاسة الجمهورية.
الحديث عن علاقة الرجل العسكري بالمسار السياسي تمتد لسنوات سابقة، بحكم طبيعة النظم السياسية في الدول العربية والتي تسيطر عليها المؤسسات العسكرية والأمنية.
ولطالما وُصف ولد الغزواني بأنه مرشح السلطة الأوفر حظا في انتخابات 2019، بحكم المكانة التي يحظى بها داخل المؤسسة العسكرية، إلى جانب ثقة بعض القوى المدنية.
فتّش عن الإمارات!
ولعل من بديهيات البحث في الأداء المتوقع للرئيس المقبل على مستوى مختلف الملفات الداخلية والخارجية بالبلاد، أنه لن يكون هناك تغير في السياسات الحاكمة للسلطة، باعتباره كان شريكا في الحكم بشكل أو بآخر، فضلا عن علاقته الوثيقة بالرئيس الحالي.
ومن بين الملفات الشائكة، علاقة موريتانيا بجوارها العربي والإسلامي، في ظل تجاذبات واسعة بين فريقين يتزعم أحدهما السعودية والإمارات ومصر، بينما تتحالف دول أخرى مثل المغرب والأردن والكويت مع قطر.
إعلان ترشيح ولد الغزواني لاقى ترحيبا كبيرا في الإمارات، حيث وصفت جريدة “الاتحاد” الإماراتية الرجل بأنه “طوق النجاة ورجل المرحلة”، معتبرة أن “ترشيحه لم يكن مفاجئا لخوض انتخابات الرئاسة؛ باعتباره استمرارا للمشروع الوطني الرائد، مشروع الأمن والديمقراطية والتنمية ومحاربة الإرهاب، الذي أسسه صديقه الرئيس محمد ولد عبد العزيز”.
وبحسب تقارير إعلامية، يأتي رد الفعل الإماراتي تماهيا مع مواقف أبو ظبي تجاه ولد عبدالعزيز، والذي تمكنت من خلاله من مد نفوذها إلى كل مفاصل الدولة، وضخت أموالا كبيرة في كل القطاعات، حتى إنها وصلت إلى المؤسسة العسكرية، واستطاعت قلب توجهات السلطة بشكل كامل خلال فترة حكمه.
ويربط ولد الغزواني والإمارات علاقات قوية، حيث زارها عدة مرات، كانت آخرها قبيل إعلان ترشيحه للرئاسة، كما سبق له أن شارك مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وعبدالفتاح السيسي، وخليفة حفتر، في الاستعراضات العسكرية التي شهدتها مصر بمناسبة تدشين قاعدة محمد نجيب في يوليو 2017.
وإبان قيادته للأركان العامة للجيش أُنشئت كلية للدفاع بالعاصمة نواكشوط أطلق عليها كلية محمد بن زايد للدفاع الجوي.
وعزز النظام الحالي من علاقاته بالمحور الإماراتي السعودي؛ حيث عمد إلى قطع العلاقات مع قطر عقب إعلان دول الحصار مقاطعتها، كما كثّف الرئيس من زياراته للإمارات، حيث أجرى زيارتين متتاليتين في أقل من شهر، بداية العام الجاري.
وفي بداية فبراير الحالي، حضر ولد عبدالعزيز مؤتمر الحكومات الذي احتضنته دبي، وهو ما جعله يتغيّب عن افتتاح قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة بأديس أبابا بالتزامن مع مؤتمر الحكومات.
وتسعى الإمارات لمد نفوذها في موريتانيا من خلال الاستثمارات الضخمة التي ضختها للاستحواذ على منافذ البلاد (صفقة تسيير مطار أم التونسي الدولي وميناء نواكشوط المستقل)، وفي مجال الزراعة كذلك.
كما أنها بدأت تمد خيوطها إلى التأثير الإعلامي من خلال ضخ مبالغ مالية ضخمة لشراء مؤسسات إعلامية وللتأثير في توجهات عدد كبير من الفاعلين في الإعلام؛ وذلك للحيلولة دون حصول انتقال ديمقراطي سلس للسلطة في البلاد، وفق التقارير.
ويبدو أن ولد الغزواني سوف يسير على نهج خلفه في تنفيذ توجهات أبو ظبي بمعاداة الإسلاميين، وهو ما تجلى مؤخرا في عدة خطوات أبرزها إغلاق مركز تكوين العلماء لرئيسه محمد الحسن ولد الددو أحد أشهر علماء البلاد والمحسوب على تنظيم الإخوان المسلمين، وفرع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، فضلا عن العديد من الجمعيات الخيرية المحسوبة على تيارات إسلامية.
اضف تعليقا