العدسة- باسم الشجاعي:

من الطبيعي أن تشغل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بتقاريرها حول الانتهاكات، ولكن في ظل انتشار “الرز الخليجي”، أصبح الأمر مختلفا تماما، وباتت حدة لهجتها تختلف من دولة إلى أخرى، في حين تغض الطرف عن دول أخرى.

هذا هو حال المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، (المدعومتان من الإمارات ومصر)، والتي عقدت ثلاث ندوات على هامش الدورة الـ ٤٠ لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، لتبيض وجه النظم القمعية في الوطن العربي.

من بين تلك الندوات، التي انعقدت في القاعة XXII بقصر الأمم المتحدة في جنيف، وتحدث خلالها كل من “علاء شلبي” رئيس مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، و”محسن عوض” عضو مجلس الأمناء والأمين العام الأسبق للمنظمة، والدكتور “حافظ أبو سعدة” رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وعضو اللجنة التنفيذية للمنظمة العربية لحقوق الإنسان.

وحاولت الندوة الدفاع عن سياسات قائد الانقلاب العسكري في مصر “عبد الفتاح السيسي”، مشيرة إلى أن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر مجرد “إدعاءات” لا أساس لها من الصحة، وخاصة الإعدامات التي وقعت بحق المعارضين خلال الآونة الأخيرة.

كما حاولت المنظمات الممولة من الإمارات ومصر، الزج أيضا كالعادة بجماعة الإخوان المسلمين، ودولة قطر، بدعوى أنها من بين الدول الداعمة للإرهاب من خلال الدعم السياسي والإعلامي.

كما كشف “المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط”، عن استعانة ما وصفه بـ”اللوبي الوهمي لدولة الإمارات” بجمعية حقوقية مغمورة لتنظيم فعاليات مناهضة لدولة قطر؛ على هامش دورة اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وقال المجهر الأوروبي، وهو مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا، الأحد: إن “لوبي الإمارات الوهمي استعان بجمعية المرأة والتنمية بالإسكندرية، وهي منظمة معطلة منذ أكثر من عامين ولا يوجد أي فعاليات معلنة لها”.

وذكر المجهر أن “عضو لوبي الإمارات الوهمي، المصري حافظ أبو سعدة -سيئ السمعة في الأوساط الحقوقية- دفع عشرات آلاف الدولارات لأعضاء مجلس إدارة الجمعية المذكورة، بتمويل من دولة الإمارات؛ من أجل التحريض على دولة قطر على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان”.

كما نظم التحالف السعودي الإماراتي ندوة أخرى أشرف عليها التونسي المثير للجدل “عبد الوهاب الهاني” وانتهت بهجوم شديد على الرياض وأبو ظبي لارتكابهما جرائم حرب بحق المدنيين في اليمن.

وجرى تنظيم الندوة تحت عنوان (الأوضاع الاقتصادية والجانب الإنساني في اليمن) وذلك على هامش انعقاد الدورة الـ 40 لاجتماعات مجلس حقوق الإنسان الدولي التابع للأمم المتحدة في جنيف .

ورفض النشطاء في مداخلات محاولات القائمين على الندوة التغطية على ما يرتكبه التحالف من جرائم حرب وممارسات مشينة في اليمن، مستعرضين الأوضاع المأساوية التي يعانيها المدنيين في اليمن منذ بدء عمليات التحالف.

معايير مزدوجة

وعلى مايبدو أن الحقوقيين الممولين تجاهلوا إدانت خبراء الأمم المتحدة لحالة الإعدام التي نفذتها مصر، وخاصة في التسعة المدنيين في قضية مقتل النائب العام المصري “هشام بركات”، مؤكدين أن الأحكام جاءت “بعد اعترافات أدلوا بها تحت التعذيب”، واصفين ذلك بـ “المخالفة للقانون المصري نفسه والقانون الدولي”.

وقال “البيان” الأممي الصادر قبل أسبوعين من انعقاد الدورة الـ ٤٠ لمجلس حقوق الإنسان، إن “خبراء حقوق الإنسان يستنكرون إعدام هؤلاء المدنيين، وإن ما يجري استمرار تجاهل المسار القانوني للمحاكمات”.

وأوضح الخبراء الدوليون أن السلطات المصرية مضت في تنفيذ أحكام الإعدام رغم وجود استئناف بالمحكمة الدستورية العليا.

ومن 7 مارس 2015 وحتى 20 فبراير الماضي، أعدمت السلطات المصرية 42معارضا سياسيا، بينما ينتظر نحو خمسين معتقلا الإعدام أي لحظة بعدما تم التصديق على أحكامهم من قبل محكمة النقض (أعلى محكمة بالبلاد).

شهادات مجروحة

الشهادات التي قدمها “علاء شلبي” أو “حافظ أبو سعدة”، في حق مصر تعتبر “مجروحة”، فالمتتبع لتقارير المنظمتان، يرى أنهما دأبا على إصدار تقارير حول انتهاكات حقوق الإنسان في شتى أنحاء العالم، لكنهما يغضان الطرف عن دول الحصار، وهذا ماظهر جليا خلال الأزمة الخليجية التي وقعت بين قطر والرباعي العربي “مصر والإمارات والبحرين والسعودية”.

ففي الحالة المصرية نرى أن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، مؤيدة لتحركات الدولة في قمعها لحقوق الإنسان، وتدافع عنها.

ومن المعروف أن “شلبي”، من المؤيدين للانقلاب العسكري في مصر، ويرى ذلك في تصريحاته حول تظاهرات 30 يونيو المدعومة من الإمارات و مهدت للإطاحة بالرئيس “محمد مرسي”.

ودائما مايرتبط اسم “شلبي” في مجال حقوق الإنسان في جنيف، بـ”أحمد ثاني الهاملي”، رجل المخابرات الإماراتي، ورئيس الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان “سابقا”، ولهما تاريخ طويل من الفاعليات “الفاشلة”، التي تسعى من خلالها لتشوية صورة قطر دوليا.

كما أنه من بين السطور السوداء في سجل “شلبي”، سرقته خلال ديسمبر 2014 لأموال التبرعات التي كانت ممنوحة للشعب السوري.

أما “حافظ أبو سعدة”، فهو معروف بعدائه لجماعة الإخوان المسلمين، وإخلاصه للدولة العميقة في مصر، والتعاون مع دولة الإمارات، فإبان الانقلاب، الذي قاده “السيسي”، عمل الحقوقي المصري على تغطية جرائم العسكر، وخاصة فض ميداني رابعة والنهضة؛ حيث كان منسق لجنة تقصي الحقائق التي شكلها المجلس القومي لحقوق الإنسان للتحقيق في أحداث الفض، والتي لم تقم باعترافه بواجبها في جمع المعلومات أو شهادات الضحايا، وذلك وفق ما قال في تصريح لصحيفة الشروق المصرية (خاصة)، في السادس من مارس لعام 2014.

ولعب “أبو سعدة”، دورا كبيرا في فتح الباب أمام الإمارات لتسييس عمل مجلس حقوق الإنسان من خلال تسهيل عمل مؤسسة إماراتية محلية في مجلس حقوق الإنسان، تدعى الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان – منظمة سيئة السمعة تأسست في أكتوبر عام 2015-، وسهل لها عقد العديد من اللقاءات البعيدة كل البعد عن قضايا حقوق الإنسان، مقابل الحصول على أموال طائلة، في الفترة الممتدة بين أغسطس 2015 حتى يوليو 2017، وذلك بحسب ما كشفت الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة.

محاربة فساد الإمارات

وعلى ما يبدو أن مجلس حقوق الإنسان استشعر خطورة تلك المنظمات الممولة إماراتيا؛ حيث أقر مكتب تنسيق المنظمات غير الحكومية في جنيف عدة قرارات بهدف حماية النزاهة التي قوضت من قبل الحكومات الاستبدادية.

ومن بين تلك القرارت أنه “لا يُسمح للمنظمات غير الحكومية بعقد مؤتمرات صحفية في مباني الأمم المتحدة، كما لا يمكنها ترتيب جلسات الإحاطة الصحفية ونشر النشرات الصحفية والاستشارات الإعلامية من قبل المنظمات غير الحكومية إلا من خلال رابطة المراسلين المعتمدين لدى الأمم المتحدة (ACANU)”.

ومن جهتها أشادت الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة (IUNW)، بالقواعد واللوائح الجديدة التي تم إقرارها من سكرتارية مجلس حقوق الإنسان الدولي بشأن مُحاربة فساد ممارسات المؤسسات الحقوقية الممولة من دول عربية أبرزها دولة الإمارات العربية المتحدة.

واعتبرت الهيئة أن تلك القرارات بمثابة نجاح لجهودها خلال العامين الماضيين بشأن كشف انتهاكات وفساد منظمات غير حكومية يتم تمويلها لأغراض محدّدة.

وذكرت الهيئة أنها عملت مع العديد من الشركاء لفضح أي ممارسات خاطئة من جانب المنظمات غير الحكومية، واكتشف أن معظم الممارسات الخاطئة تأتي من الحكومات العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وقالت الهيئة: “من خلال عملنا، اكتشفنا أن الإمارات والسعودية تدفعان أموالاً لمنظمات غير حكومية لإساءة استخدام مفهوم مشاركة تلك المنظمات بممارسة التضليل ونشر معلومات مزيفة والدعاية لصالح أبو ظبي والرياض إضافة إلى الهجوم على خصومهما”.

وأشارت بهذا الصدد إلى دفع الإمارات مبالغ مالية كبيرة لمنظمات مثل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وجمعية ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، وجمعية المرأة والتنمية في الإسكندرية وجمعية المحاميات المصرية.

واعتبرت الهيئة المستقلة أن التغييرات الجديدة للقواعد واللوائح في الأمم المتحدة التي تستوعب بانتظام مشاركة المنظمات غير الحكومية أمر مهم للغاية ونتيجة مُباشرة لضغطها المستمر على لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ولجنة المنظمات غير الحكومية وكذلك المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

وأضافت أن القرارات المتخذة تعزل المنظمات غير الحكومية المدعومة لصالح أجندات سياسية في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان ونأمل أن تزيد من تشديد هذه الإجراءات في الدورات القادمة لضمان إنهاء خطر تلك المنظمات.