أحمد حسين

بعد أعوام من التوافق السياسي غير المسبوق، لم تخل من منغصات، أصبح نموذج الثورة التونسية على شفا الانهيار، وسط أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متراكمة.

لقاء ربما يعد هو الأول من نوعه، بعد أشهر من إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي فك التوافق مع حركة النهضة، جمع رئيسها راشد الغنوشي بنجل الرئيس من أجل مناقشة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

فهل يتمكن الفرقاء من البناء على هذا اللقاء استعدادا للاستحقاقات الانتخابية، أم يكون النزاع مقدمة لانهيار التجربة الأنجح في ثورات الربيع العربي؟.

لقاء محوري

قيادي بحركة النهضة التونسية، أن الغنوشي، ورئيس الهيئة السياسية لحركة نداء تونس ونجل الرئيس حافظ قائد السبسي، التقيا الاثنين الماضي، واتفقا على أهمية أن تجرى الانتخابات “في وقتها وفي مناخات مناسبة”.

وأشار رئيس المكتب السياسي لحركة النهضة نور الدين العرباوي، في تصريحات صحفية، إلى “سعي النهضة والنداء أن تتم الانتخابات في وقتها وفي مناخات مناسبة”، وأن “هذا كان محل اتفاق بين الطرفين (الغنوشي والسبسي) خلال اللقاء”.

وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، إجراء  الانتخابات التشريعية يوم 6 أكتوبر المقبل، والدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية يوم 10 نوفمبر.

وكان الغنوشي، قد أعلن عبر صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك”، عن لقاء جمعه بنجل الرئيس قائد السبسي، لـ”تباحث الوضع السياسي بالبلاد”.

ومنذ العام الماضي شهدت العلاقات بين حزبي “نداء تونس” و”النهضة” قطيعة، على خلفية رفض الحزب الأخير إقالة حكومة يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي.

هذا الموقف يرى كثيرون أنه كان من بين الأسباب وراء إعلان السبسي، في سبتمبر الماضي، إنهاء توافق استمر 5 سنوات بينه وبين حركة النهضة.

لماذا اختلف المتوافقان؟

يعتقد كثيرون أن الدعم الذي تلقاه يوسف الشاهد من قبل حركة النهضة، كان على حساب توافقها مع السبسي، نتيجة الخلافات الحادة التي تأججت بين القيادتين، المنتميتين إلى الحزب نفسه نداء تونس.

ولم يكن الخلاف المعلن بين رئاسة الجمهورية في قصر قرطاج، ورئاسة الحكومة في القصبة وليد دعوة السبسي إقالتها، بل يمتد إلى يناير 2018، حين دعا السبسي الأطراف الموقعة على وثيقة قرطاج التي تم على أساسها تشكيل حكومة الشاهد، إلى الاجتماع، مجددا، للتوافق على خريطة طريق جديدة للعمل الحكومي.

ووثيقة قرطاج اتفاق وقعت عليه 9 أحزاب سياسية، والاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، ليكون خريطة طريق لحكومة الشاهد.

تعطلت “وثيقة قرطاج 2” التي كان يرغب السبسي في تمريرها بسبب الإصرار على رحيل حكومة الشاهد، من قبل حزب نداء تونس، والاتحاد العام التونسي للشغل، إلا أن حركة النهضة تمسكت بالرجل، الأمر الذي دفع الرئيس إلى تعليق العمل بوثيقة قرطاج.

ومنذ ذلك الحين لم يصبح للتوافق الذي ميز تونس عقب “الحوار الوطني” عام 2013 مكانا، بل أصبح الأمر صراع حزبي يعتمد على كتلة كل فريق وسيطرته على مقاعد البرلمان.

النهضة صارت الكتلة الأكبر وزنا بـ 68 نائبا، مقابل تراجع كتلة النداء إلى المرتبة الثالثة بفعل نزوح كثير من أعضائها إلى كتلة “الائتلاف الوطني” الموالية للشاهد، كما عززت حركة النهضة حضورها بحيازتها المرتبة الأولى في الانتخابات البلدية الأخيرة، مقابل حلول قوائم نداء تونس ثالثة بعد القوائم المستقلة.

صراعات داخلية

ولعل إصرار السبسي على إقالة الشاهد وميل النهضة لدعم الأخير، ليس فقط بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات، لكن الخلافات الداخلية التي ضربت نداء تونس أشعلت صراعا كبيرا بين الرجلين، زكاه موقف النهضة.

ولم يمض وقت طويل، حتى بدأت التناقضات في الظهور بين مختلف المكونات التي اجتمعت قبل الانتخابات حول الرئيس السبسي، لتشكيل كيان سياسي قادر على منافسة حركة النهضة.

في سبتمبر 2015، انسحب الأمين العام للحزب محسن مرزوق، ومعه عدد كبير من الكوادر والأعضاء والنواب، ليشكل فيما بعد “حركة مشروع تونس”.

وفي مارس 2016، انسحب رئيس الهيئة السياسية رضا بلحاج، ومعه مجموعة أخرى من القياديين، ليتواصل نزيف الاستقالات والتشققات ولتنزل معه كتلة الحزب في البرلمان من المرتبة الأولى إلى الثالثة.

وبعد مغادرة السبسي قيادة الحزب، إثر توليه رئاسة الجمهورية، شهدت الهياكل العليا حالة فراغ تحولت، إلى صراع بين عدد من الشخصيات التي ترى نفسها مؤهلة للقيادة وملء الفراغ الذي تركه السبسي.

وكانت شخصية نجل الرئيس حافظ قائد السبسي، رئيس الهيئة التنفيذية للحزب، حاضرة في صراع النفوذ، لتتحول المعركة بين قيادات طامحة إلى أداء أدوار متقدمة من جهة، والرئيس وأسرته من جهة أخرى.

ولم يصبح الشاهد مجرد وزير أول في حكومة الرئيس ينفذ توجيهاته، بل باشر بأداء دور رئيس حكومة فعلي، الأمر الذي أقلق السبسي من طموحات سياسية للشاهد ودفعه إلى الإصرار على إقالته.

“النهضة” غير مستقر أيضا

تجربة حزب حركة النهضة أصبحت مثار جدل كبير، منذ تنازلها طواعية عن السلطة من أجل مصلحة تونس كما قال رئيسها راشد الغنوشي، وما تلا ذلك من خطوات وُصفت بالتنازلات، سواء على مستوى التحركات السياسية أو عبر تلك التغيرات التي تمس أيديولوجية الحركة ذات التوجهات الإسلامية.

في مايو 2016، أقر المؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة الفصل بين النشاطات السياسية والدينية للحركة، وسبق ذلك تصريحات للغنوشي أشار فيها إلى أن الحركة على استعداد للتخلي عن “الإسلام السياسي” وتبني “الديمقراطية الإسلامية”.

ورأى تحليل نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن حركة النهضة ميزت نفسها عن الأحزاب المنشقة من جماعة الإخوان المسلمين “من خلال تقديم تنازلات إلى معارضيها العلمانيين من أجل المحافظة على الاستقرار، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك وتخلت عن السلطة السياسية، التي حصلت عليها في انتخابات حرة ونزيهة، لصالح حكومة تكنوقراطية، وهي خطوة لم يسبق لها مثيل لحزب إسلامي”.

ولعل الحديث عن التنازلات السياسية لا يثير الجدل كما تفعل تلك التنازلات المتعلقة بأمور دينية أو تمس شعائر إسلامية، ففي سبتمبر 2017، ألغت السلطات التونسية أمرا ترتيبيا وزاريا كان يحظر زواج التونسيات المسلمات من غير المسلمين.

موقف حركة النهضة من هذا الإلغاء الذي رأى كثيرون أنه يخالف صراحة نصوص قرآنية ثابتة، أثار الجدل أكثر من القرار ذاته، حين قال عبدالفتاح مورو نائب رئيس الحركة، في تصريح إذاعي، إن “زواج المرأة التونسية برجل غير مسلم هو اختيار شخصي يندرج ضمن حرية الضمير التي نص عليها الدستور التونسي”.

كما أن سياسة التوافق لم تمنع الأصوات المحتجة داخل الحركة، والتي رأت أن هذا التوافق كلفها أثمانا باهظة، وأصبح الخلاف بين فريقين، أحدهما يدعو إلى الحفاظ على التوافق مع السبسي، والآخر يريد إنهاءه ودعم استقرار حكومة الشاهد.

في أكتوبر الماضي، وجه عدد من قيادات النهضة رسالة شديدة اللهجة إلى الغنوشي، طالبت بضرورة المحافظة على الوفاق مع السبسي وعدم التعويل على وفاق جديد مع الشاهد، وذلك بعد أيام قليلة من إعلان السبسي انتهاء التوافق بينه وبين حركة النهضة ورئيسها.

ويبقى التساؤل الأبرز، هل تكون انتخابات 2019 فرصة جديدة لإحياء التوافق السياسي بين الفرقاء في تونس، أم مجرد بداية لانفراط عقد ارتكزت عليه التجربة الأنجح في دول الربيع العربي؟.