أثار قرار الحكومة المصرية بتجميد مشروعات تشغيل الربط الكهربائي مع السودان، لأجل غير مسمى، مبررة ذلك بالظروف السياسية التي تمر بها السودان، الكثير من التساؤلات عن أسباب هذه الخطوة، ولماذا تتكتم عليها الحكومة المصرية، وهل للخطوة علاقة بالزيارة التي قام بها النائب الأول للرئيس السوداني ورئيس المخابرات السودانية للقاهرة منذ أيام، والتقيا فيها برئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي؟.
التساؤلات السابقة ربما لن يكون لها محل من الإعراب، إذا كان القرار معلن، ولم يتم تسريبه إلا من خلال وسائل إعلام محددة، وربما أيضا لن يكون القرار ذات معنى، إذا تحدثت الحكومة المصرية عن أسباب فنية، متعلقة بتنفيذ المشروع، الذي روجت له الحكومة المصرية بشكل موسع، ولم ترجع الأسباب للأحداث السياسية التي حددها وزير الكهرباء المصري بأن الحكومة السودانية ليس بها وزير معني بمتابعة المشروع.
التصريحات السرية
وحسب رأي المتابعين فإن تصريحات وزير الكهرباء المصري كانت بعد الاجتماع الأسبوعي للحكومة المصرية الأربعاء الماضي، حيث أدلي الوزير بهذه التصريحات لصحيفة واحدة، والتي يبدوا منها أنها مقصودة وتحمل العديد من الرسائل للجانب السوداني.
وتشير تصريحات الوزير المصرية لصحيفة “المال“، إلي أن الحكومة قررت تأجيل تشغيل مشروع الربط الكهربائى مع السودان لأجل غير مسمى، بسبب الظروف السياسية، موضحا أن وزارته انتهت من تنفيذ المشروع بالكامل، وطلبت التشغيل التجريبي من الجانب السوداني خلال مارس الحالي، لكن الرد جاء بعدم وجود وزير للكهرباء.
وبعيدا عن تصريحات المسؤول المصري، فإن المعلومات المتناثرة حول المشروع تشير إلي تعثر المفاوضات بين الجانبين المصري والسوداني حول سعر بيع الكيلووات في الساعة، بعد مطالبة الجانب السوداني بأن يكون سعر البيع مطابقا لسعر البيع داخل مصر، تطبيقا لاتفاقية الحقوق الأربعة الموقعة بين الجانبين المصري والسوداني في 2007.
أهمية المشروع
ويعد المشروع ذات أهمية للجانبين، كما يرى المتابعون، لأنه بالنسبة للجانب السوداني يساعد على حل مشكلة الكهرباء، بما يعوض النسبة التي كانت ستحصل عليها الخرطوم من مشروع إنتاج الكهرباء لسد النهضة الإثيوبي.
أما على الجانب المصري فإن المشروع يساهم في التخلص من إنتاج الكهرباء الزائد لمصر بعد توسع حكومة السيسي في إنشاء محطات الكهرباء بمختلف أنواعها، اعتمادا على قروض خارجية، أدت في النهاية لزيادة إنتاج الكهرباء عن الاستهلاك اليومي للمصريين، وأصبح استمرار هذه المحطات في الإنتاج عبئا على الموازنة المصرية، ما دفع بالحكومة للبحث عن بيع فائض إنتاج هذه الكهرباء للدول المجاورة، التي لا تتمتع بنفس الإمكانيات الموجودة في مصر، وكانت السودان واحدة من بين هذه الدول، حيث كان مقررا أن تبدأ مصر تصديرها إلى السودان بداية من مارس الحالى بقدرات 100 ميجاوات ترتفع إلى 300 عبر خط ربط مشترك يبدأ من محطة محولات توشكى 2، متجها إلى أرقين بجهد 220 كيلوفولت، تزداد في المرحلة الثانية إلى 500 كيلوفولت.
وتشير تقارير عديدة إلى أن مصر سوف تستفيد من هذا المشروع، من خلال الحصول على بعض السلع المهمّة التي تستوردها بالعملة الصعبة من السودان ودول أخرى، في ظل القناعة المصرية بأن السودان لن يستطيع في أزمته الاقتصادية الطاحنة أن يلتزم بسداد المستحقات الواجبة عليه، وبالتالي فإن مصر يمكن أن تستفيد باستيراد القمح والذرة والفول والماشية، وغيرها من السلع الغذائية التي تحتاجها مصر لسد الفجوة الغذائية التي تمر بها.
خلفيات أخرى
ووفقا لقراءات أخرى قدمها العديد من المحللين، فإن الخطوة المصرية، لم تكن بسبب عدم وجود وزير معني بالكهرباء في الحكومة السودانية، لأن الرئيس السوداني وافق على التشكيل الجديد للحكومة السودانية في نفس اليوم الذي أعلن فيه وزير الكهرباء المصري قراره السابق، وحسب التشكيل الحكومي الجديد في السودان فقد تم تعيين عثمان التوم حمد وزيرا للري والكهرباء والموارد المائية، وهو ما يضعف الرواية المصرية ويشير إلى أن القرار له أهداف أخرى.
ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أنه لا يجب قراءة القرار السابق، بعيدا عن اللقاء الذي جمع بين السيسي وكل من النائب الأول للرئيس السوداني ووزير الدفاع، بصحبة رئيس المخابرات السوداني، قبل يوم فقط من تسريب قرار تجميد المشروع، خاصة وأن البيان الرسمي للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، أكد فيه أن اللقاء تناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين على كافة المستويات، مع التأكيد على أهمية إتمام مشروع الربط الكهربائي بين الدولتين، وكذا الدراسات الخاصة بمشروعات السكك الحديدية بينهما.
هل هو عقاب
ووفقا للرأي السابق فإن العلاقة بين الجانبين المصري والسوداني، تشهد حالة من التوتر والقلق المتبادل، بعد شعور الرئيس السوداني أن الجانب المصري، لم يقف معه في أزمته الدائرة منذ أكثر من شهرين بنوايا خالصة، ويستدل أصحاب هذا الرأي بما كشفه البشير قبل أسابيع عن نصائح قدمها له البعض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل لكي تهدأ الأحوال في بلاده، دون أن يسمي الجهات التي قدمت له هذا العرض.
ورغم أن البشير لم يحدد هذه الجهات، إلا أن الأصابع كلها تشير في اتجاه القاهرة، خاصة وأن التصريحات صدرت عن البشير بعد زيارة قام بها وزير الخارجية المصري سامح شكري، ورئيس المخابرات المصري عباس كامل، للخرطوم بعد إندلاع المظاهرات الرافضة لسياسات البشير بأيام قليلة
وجهات نظر أخرى
محللون آخرون يرون أن القرار المصري ربما لا يخرج عن كونه وسيلة ضغط على البشير للدخول في المحور العربي المتجه نحو إسرائيل، خاصة وأن نظام السيسي لديه قناعة كبرى بأن سقوط البشير، سوف يؤثر بالسلب على الوضع الداخلي المصري، الذي يعيش حالة من الاضطراب المتزايد.
وحسب هذا الرأي فإنه رغم الخلافات بين النظامين المصري والسوداني، حتى في ظل عودة العلاقات بين الجانبين بعد التوتر الذي اقترب من حالة الحرب، إلا أنه من مصلحة السيسي بقاء البشير، لأن رحيله له انعكاسات سلبية على باقي دول المنطقة.
وحسب معلومات صحفية فإن مصر قدمت للبشير معلومات استخباراتية، وقامت بالضغط على زعيم غربي وآخر عربي لإبقائه في السلطة، خوفا من حدوث فراغ مفاجئ للسلطة في السودان، لما لذلك تأثيرات سلبية على دول نهر النيل والأخرى المطلة البحر الأحمر.
ويشير الداعمون لهذا الرأي إلي أن النظام المصري لديه حساسية مفرطة من المظاهرات التي تُجبر القادة على التنحي، بالإضافة لارتباط هذه المظاهرات بالأوضاع الاقتصادية المتردية، وهي نفس الحالة التي يعاني منها نظام السيسي في مصر.
اضف تعليقا