تقدمت السيناريوهات القانونية والسياسية والثقافية والإعلامية معالم المواجهة الإسلامية والعربية بعد مذبحة المسجدين في نيوزيلندا وفق ما رصد “العدسة”.

ويبدو بحسب المراقبين أن الإرهاب اليميني المتطرف في القارة البيضاء العجوز ماض في مخططه لاجتثاث الإسلام ، ولكن يبدو في الجانب الآخر تصاعد في همة الجاليات والهيئات للذود عن حقوق المسلمين أمام المتطرفين الغربيين.

المواجهة القانونية

وتكررت مطالب عديدة بتقديم المواجهة القانونية في صدارات المواجهات التي يقوم بها العالم الإسلامي لمواجهة الإرهاب المتصاعد ضده في الغرب عبر تجريم “الإسلاموفوبيا” بعد مذبحة المسجدين خاصة.

نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، دعا العالم إلى التصدي لظواهر معاداة الإسلام ومناهضة الأجانب والتطرف والعنصرية، مؤكدا أن “اتخاذ تدابير فاعلة ضد المشاكل الناجمة عن معاداة الإسلام، بات أمرًا مصيريًّا أكثر من كونه ضرورة، في الظروف العالمية الراهنة”.

ووضع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب المطلب في واجهة التحركات في بيان له خلال الساعات الأخيرة ، مؤكدا أن ظاهرة الإسلاموفوبيا وتيارات العداء العنصري للأجانب والمهاجرين في الغرب لم تتطلب سرعة التحرك الفاعل لتجريمها ومحاصرتها ورفع أي غطاء سياسي أو ديني عن أصحابها.

وفي نفس السياق طالب مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية، الجمعة، بتجريم الإسلاموفوبيا والتمييز العنصري ضد المسلمين، مؤكدا أهمية أن يسعى المجتمع الدولي بكافة مستوياته للعمل على سن تشريع دولي يوَّصف الإسلاموفوبيا باعتبارها عملًا إرهابيًا لا يقل خطورة عن إرهاب داعش والقاعدة.

وعمليا رشح البعض الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي لتبني المطلب ، وذهب البعض الآخر بضرورة تبني المعاملة بالمثل ، بحيث يتم تجريم ظاهرة الإسلاموفوبيا، واعتبارها انتهاكا لحقوق الإنسان، وفرض عقوبات على مُتبنيها، كتلك المفروضة ضد المعادين للسامية.

وتعتبر كندا سابقة في هذا المضمار ، حيث أقرت في  24 مارس 2017 عبر مجلس العموم الكندي مشروع قانون يمهد الطريق أمام إجراءات مستقبلية من أجل محاربة “الإسلاموفوبيا”.

ويدعو  مشروع القانون الذي تم إقراره الحكومة إلى “إدراك الحاجة للقضاء على المناخ العام المتزايد من الكراهية والخوف” و”لإدانة الإسلاموفوبيا وكل أشكال العنصرية و التفرقة الدينية الممنهجة”.

وبدأت منظمة المؤتمر الإسلامي تحركا لتقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن معاداة الإسلام “الإسلاموفوبيا” في مارس 2011 ، لكن لم يتم تمريره حتى تاريخه فيما تحدث في فبراير 2017 الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش معلقا على الأمر دون تمرير شيء ، قائلا :” إن معاداة الإسلام “الإسلاموفوبيا” من أكثر العوامل التي تغذي الإرهاب وتصب في مصلحة تنظيم داعش”.

ورغم كل ذلك جاءت تصريحات رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن مخيبة للآمال حيث أعلنت تغيير قوانين حيازة الأسلحة في البلاد في أعقاب المجزرة الإرهابية التي راح ضحيتها 50 من المصلين المسلمين في اعتداء على مسجدين، متجاهلة الحديث المستمر عن تجريم ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

تصنيف اليمين المتطرف إرهابيا

وبحسب جاليات إسلامية يأتي مطلب تصنيف اليمين المتطرف في أوروبا إرهابيا ، كمطلب من الأهمية بمكان في ظل دراساتهم القريبة من الأحداث والتي تتطالب تقويض أصل الإرهاب بإجراءات أوضح.

الرابطة الإسلامية في بريطانيا برئاسة  أنس التكريتي، طرحت هذا المطلب في بيان لها عقب مجزرة المسجدين في نيوزيلندا ، مؤكدة أهمية تصنيف اليمين المتطرف في أوروبا إرهابيا، والعمل على مواجهته، وتجريم كل مظاهر “الإسلاموفوبيا”.

ونقل البيان عن رئيس الرابطة أن رابطته عقدت العديد من الفعاليات والحملات للتنبيه بخطورة تنامي “الإسلاموفوبيا” التي سربها العنصريون للمجتمعات الغربية، وروج لها الإعلام، وقادها اليمين المتطرف.

ويعزز من وجاهة هذا المطلب كبير ضباط مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة مارك رولى والذي أكد  في مارس 2018 أن بريطانيا تواجه تهديدا جديدا وكبيرا من الإرهاب اليميني المتطرف المنظم وكشف أن الشرطة أحبطت أربع مؤامرات من تدبير متطرفين يمينيين في وقت سابق ، وكان واضحا لأبعد حد عندما قال :” التهديد الإرهابي اليميني أكثر أهمية وتحديا مما قد يظنه الرأي العام”.

وبحسب قناة سكاي نيوز الأمريكية يشارك جهاز المخابرات الداخلية البريطانية (إم.أي.5) في التحقيق في أمر اليمين المتطرف وحذر من أن جماعات بريطانية تسعى لإقامة علاقات مع متطرفين دوليين، معتبرا أن ” هذا جزء مهم من التهديد الإرهابي حيث لم يكن الإرهاب اليميني منظما من قبل”.

لكن المشكلة في مثل هذا الإجراء تقع في “استيلاء” شخصيات وأحزاب سياسية يمينية متطرفة مناهضة للإسلام على الحكومات بحسب تقرير حديث لمرصد منظمة التعاون الإسلامي لـ”الإسلاموفوبيا”، والذي أكد أن بعض الدول تضفي الطابع المؤسسي على “الإسلاموفوبيا”، وأن الخوف من الإسلام أصبح سلوكا رسميا؛ باعتبار هذا التوجه جزءا لا يتجزأ من السياسة الحكومية في الغرب.

وفي هذا الإطار يرى عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي أن الجريمة الشنيعة والمدانة ضد مسلمي نيوزيلندا تأتي كتعبير واضح وكنتيجة تصعيد الحكومات الغربية حملة الإسلاموفوبيا ضد المسلمين الأبرياء موضحا أن “الغرب ليس غبيا وليس بحاجة لتثقيف حول ما يجري، ..، فقد بات واضحا للجميع أن بعض الغرب الرسمي صانع للإرهاب وشريك مضارب في جرائمه الفظيعة”.

التصدى الإعلامي 

و يرشح المراقبون الإعلام كأداة مهمة في أيدي المسلمين لمواجهة تصاعد الكراهية والعداء ضد الإسلام في الغرب ، ويستندوا في ذلك إلى بحث حديث أجرته جامعة ولاية جورجيا الأمريكية، أوضح أن وسائل الإعلام التي غطت الهجمات “الإرهابية” التي نفذها مسلمون أكثر بـ357% من الهجمات التي نفذها آخرون مؤكدا وجود عدم توازن واضح في التغطية الإخبارية أيضا إذا كان منفذ العملية مسلما.

وبحسب دراسة بعنوان “دور الإعلام في معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام (الإسلاموفوبيا)”، فإن الإعلام من الوسائل الفعالة لمواجهة تلك الظاهرة عبر استخدام الأساليب والطرق الكفيلة بإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، ونشرها في العالم كله، واستثمارها في معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام، بما يبطل دعواها، ويفند شبهاتها ويدحض أباطيلها، ومما يقتضي مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الإعلام المزيف للحقائق، بالإعلام الصادق النزيه الموجّه لخدمة الحقيقة ونشر الوئام والتفاهم والتعايش والسلام بين الأمم والشعوب.

ويشير خبراء إلى أن الصور النمطية عن الإسلام أكثر خطرًا، وأشد وطأة من الصور النمطية عن المسلمين، وهو ما يتطلب استبدال الصور السلبية صورًا إيجابية، تنشر من خلال الإعلام، خصوصًا الحديث الذي يعتمد بطبيعته على الصورة، مع إبراز نماذج تاريخية ناجحة للاندماج، وتسليط الضوء على مساهمات المسلمين في الغرب.

المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بادر في هذا الإطار بصنع صورة ذهنية إعلامية لمواجهة الإسلاموفوبيا منذ مارس 2018 حينما حذّر من أن تقود الإسلاموفوبيا إلى مآس جديدة في أوروبا والعالم الغربي، على غرار الهولوكوست (المحرقة)، في حال عدم اتخاذ تدابير في هذا الخصوص، مستندا لما تثيره المحرقة في العقل الجمعي الغربي.

ويقترح البعض اعتماد خطة لظهور علماء الأزهر في القنوات العالمية لمخاطبة الغرب، والمشاركة فى المحافل الدولية التي تدشنها مؤسسات دينية عالمية لإظهار الصورة الحقيقة للإسلام مع توجيه الخطاب الإسلامى بعدة لغات عالمية كى يصل إلى أكبر عدد من الدول.

الإجراءات الدعوية والثقافية 

ويقترح البعض أن تكثف الهيئات الإسلامية والجاليات العربية في الغرب الإجراءات الدعوية والثقافية  لتوضيح الإسلام أثناء الحملة الدولية المنددة بجرائم الإرهاب اليميني المتطرف مما يشكل حصون متقدمة في مواجهة الأفكار الغربية المتطرفة وحملات الكراهية المشبوهة.

وتتبنى هذا التوجه دراسة بعنوان “الإسلاموفوبيا: خارطة طريق نحو المواجهة” صادرة عن المعهد المصري للدراسات ترى أن “الإسلاموفوبيا ليست شرًا في مجمله، إذا نظرنا إلى كونها محفزًا ودافعًا لبلورة إستراتيجية شاملة على مختلف المسارات؛ لإعادة تبليغ رسالة الإسلام من جديد، وتوضيح الصورة الحقيقية لهذا الدين، وإطلاق حملات طرق لأبواب الغرب للتعريف بالنبي محمد”.

واقترحت الدراسة مأسسة المواجهة الثقافية والفكرية، عبر عدة مسارات منها تفعيل حوار الثقافات والأديان والحضارات، والعمل على إيجاد أرضية مشتركة للتلاقي مع الآخر، وتعزيز فرص التعاون والتكامل، لا التضاد والصراع، وذلك من أجل صالح الإنسانية والبشرية، وتجديد الخطاب الإسلامي الموجه للغرب، وصك مصطلحات جديدة تنفذ إلى العقل الغربي، واستبدال مصطلحات الغزو، ودار الكفر، وإقامة الخلافة، بمصطلحات التعايش والتعاون، وإعمار الأرض، وخدمة البشرية و دحض الشبهات وإقامة مرصد ثقافي والتواصل مع المفكرين الغربيين وتجاوز الندرة السينمائية في معالجة “الإسلاموفوبيا”، وحملات التشويه للمسلمين، والدفع بنجوم الفن والسينما في العالمين العربي والإسلامي، لصناعة نظرة جديدة من شأنها تبديد الخوف من الإسلام.