تحت شعار “بدنا نعيش” واصل فلسطينيون التظاهر في قطاع غزة، احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية، في مشهد لم يَبْدُ مألوفا في القطاع الذي تسيطر عليه حركة حماس.

تأتي الاحتجاجات بعد أيام من تكليف الرئيس محمود عباس لأحد قيادات فتح بتشكيل حكومة جديدة، قالت حماس وفصائل المقاومة بغزة إنها ترمي لإكمال فصل القطاع عن باقي فلسطين المحتلة.

فهل تورطت حركة فتح في إذكاء الاحتجاجات المندلعة بقطاع غزة ضد حماس، في ظل التوتر الحالي الذي يسود العلاقات بين أكبر فصيلين فلسطينيين على الساحة؟.

تظاهرات متعارضة

السبت تظاهر مئات الفلسطينيين في مناطق متفرقة من قطاع غزة، لليوم الثالث على التوالي تلبية لدعوة تجمع يطلق على نفسه “الحراك الشعبي” عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية.

ويطالب “الحراك” حكومة القطاع، التي تديرها “حماس”، بالحد من الضرائب وإيجاد حلول للوضع الاقتصادي المتأزم، رافعا شعار “بدنا نعيش”.

وبينما قالت مؤسسات حقوقية تنشط بالقطاع، في بيانات، إن الأجهزة الأمنية فرقت المتظاهرين وأوقفت العشرات منهم، لم تصدر وزارة الداخلية تعقيبا حول المظاهرات ولا ما تردد بشأنها.

على الجانب الآخر، شارك المئات في تظاهرات أخرى دعت إليها “حماس”، وانطلقت بالتزامن في مناطق مختلفة رفضا لعقوبات تفرضها حكومة رام الله بحق القطاع.

رفع المشاركون لافتات كُتب على بعضها “استجيبوا لصرخة أطفال الشهداء” و “لا للعقوبات على غزة”.

ولم تصدر حركة “حماس” تعقيبا حول مطالب “الحراك”، لكن العديد من الناطقين باسمها طالبوا السلطة الفلسطينية برفع “العقوبات عن القطاع”.

القيادي في حركة حماس، حسن يوسف، قل إنه “غير راض حول ما يحدث بالقطاع وما يجري أيضا بالضفة من قمع”، مضيفا أنه “مع التظاهر السلمي وحرية التعبير، لكنه ضد تخريب الممتلكات العامة بالإشارة إلى مظاهرات غزة”.

وتابع في تصريحات صحفية: “يجب معرفة الأسباب التي دفعت هؤلاء الشبان للخروج، وهي أسباب تدعو إلى رفع العقوبات التي فرضتها السلطة، ورفع الحصار الذي فرضته إسرائيل منذ 12 عاما”.

وفي 7 فبراير الجاري، قالت “مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان” (غير حكومية) في بيان، إن حكومة رام الله قطعت قبل يومين رواتب أكثر من 5 آلاف من موظفي السلطة بغزة يعملون في القطاعين المدني والعسكري، بحجة انتماءاتهم السياسية.

يذكر أنه بفعل الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي على غزة منذ سيطرة حماس عليه في 2007، يعيش نحو 80% من سكان القطاع على المساعدات الإنسانية، وفقا للأمم المتحدة.

صناعة فتحاوية

وعلى الرغم من عدالة المطالب التي يرفعها المحتجون في تظاهرات ما يسمى “الحراك الشعبي” إلا أن اندلاعها على هذا النحو المفاجئ وفي هذا التوقيت الذي تتصاعد فيه المطالب برفع العقوبات عن غزة، فضلا عن غياب أي انتقاد فيها للسلطة وحركة فتح، يشير إلى تورط الحركة في التحريض على حماس بتلك الاحتجاجات.

العلاقة الأولى بين فتح واحتجاجات غزة، جاءت السبت قبيل انطلاق التظاهرات، حيث أعلنت فصائل في منظمة التحرير دعمها لمطالب الحراك، وأكدت على ضرورة الالتزام بسلمية التظاهر وحماية الممتلكات العامة، حسب بيان صدر عنهم.

أبرز تلك الفصائل: حركة “فتح” و”الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” و”الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” و”حركة المبادرة الوطنية” و”حزب الشعب”.

اللافت أن تلك التحركات تأتي بعد أيام فقط من تكليف عباس عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد اشتية تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، خلفا لحكومة رامي الحمد الله، التي استقالت نهاية يناير الماضي.

وعلى عكس الطابع المهني الذي ميز حكومة الحمد الله المسماة الوفاق والتي شُكلت عام 2014 بتوافق وطني شاركت به حماس، ينتظر أن يغلب الطابع الفصائلي المنتم لفتح ومنظمة التحرير في حكومة اشتية.

تلك الخطوة تأتي بعد إعلان عباس في 22 ديسمبر الماضي أن المحكمة الدستورية الفلسطينية قررت حل المجلس التشريعي -الذي تسيطر حركة حماس على غالبية مقاعده- وإجراء انتخابات تشريعية خلال 6 أشهر، هو ما رفضته حركة “حماس”، آنذاك، واعتبرته “غير قانوني ويهدف إلى تعزيز تفرد عباس بالسلطة”.

أما بالنسبة للحكومة الجديدة، فقد اعتبرت حماس أن تشكيلها المرتقب “أحد خطوات عباس الانفصالية التي يتخذها لتمرير صفقة القرن وفصل قطاع غزة عن الوطن”.

وأضافت في بيان لها: “المقاطعة الواسعة من الفصائل للحكومة تؤكد انعزال فريق السلطة الفلسطينية عن شعبنا وفصائله الوطنية وتعكس وحدته في مواجهة حالة الاستبداد وتثبيت الانقسام التي يمارسها أبو مازن وفريقه”.

قياسا على ذلك، فإن الاحتجاجات المندلعة بقطاع غزة وموجهة بالأساس ضد حركة حماس التي تدير القطاع، تبدو أحد مشاهد العلاقة المأزومة مع فتح، فلا يُستغرب بأي حال من الأحوال أن تكون الأخيرة محرضة ومتورطة بشكل أو بآخر في إشعالها.

إلى أين تسير؟

لعل استمرار أسباب التظاهر في غزة، يجعل تصاعد الحراك متوقعا وغير مستبعد، خاصة في ظل ما يقال بشأن مواجهته بالقوة من قبل الأجهزة الأمنية التابعة لحماس.

وفي ظل عدم المسؤولية التي تعلنها الحركة عن اندلاع الاحتجاجات، وتلقيها في الوقت ذاته بملعب السلطة وحركة فتح، يفتح الباب أمام مناورات سياسية قد تستغل فيها فتح الحراك الحالي فتدعمه وتشجعه، بهدف صرف أنظار حماس لمواجهته عن مسألة الإجراءات العقابية وقطع الرواتب والحصار وغيرها.

الأمر على الأرض إذن يخضع لتمكن سيطرة حماس على الموقف قبل تأزمه أكثر بتذليل الصعوبات التي تمتلك حلها من جهة، وقدرتها على الفصل بين حق التظاهر السلمي ومواجهة عمليات التخريب من جهة أخرى.

ورغم عدم مسؤولية حماس بشكل قانوني أو دستوري عن الأوضاع في غزة، إلا أن “سلطة الأمر الواقع” تجعلها مضطرة إلى البحث عن حلول جدية بعيدا عن رمي الكرة في ملعب فتح والسلطة المسؤولة أولا وأخيرا عن دوافع الاحتجاج.

ويبدو المشهد بمثابة اختبار لقدرات سكان القطاع الرازحين تحت وطأة الحصار منذ 12 عاما، على الصبر والتحمل، وإلا فإن انفجارهم لن يكون في وجه عباس أو السلطة أو فتح، لكن في وجه حماس المسيطرة على القطاع.