سلط الكاتب إيلي ساكالي الضوء على الاهتمام الدبلوماسي العالمي تجاه العراق، ففي حين يرفض الغربيون المشاركة في إعادة بناء سوريا أو تجديد العلاقات مع دمشق في ظل غياب عملية سياسية بهذا البلد تنهي الحرب القائمة منذ 8 سنوات، يحظى موضوع استقرار بغداد بتوافق إقليمي ودولي.
وقال الكاتب في تقرير له بصحيفة “لو ريون لو جور” الناطقة بالفرنسية إن الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك إيران وتركيا وأيضا فرنسا لكل منهما مصلحة في استقرار العراق، خاصة طهران وواشنطن الحريصتان على ألا يكون هذا البلد ساحة للمعارك بينهما، وذلك من خلال أن يظل موحدا، وتعزيز سيادة القانون ومنع عودة “داعش”.
لكن وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من القضايا الرئيسية التي تواجه هذا البلد ما بعد داعش، سواء كانت سياسية أم اقتصادية، لكن أخطرها – وفقا للكاتب – هو تهميش السنة، حيث إن أغلبية السكان من الشيعة، مشيرا إلى أن هذه القضية كانت السبب الذي ساهم إلى حد كبير في ظهور ونجاح هذا التنظيم الإرهابي في السابق.
وفيما يلي نص التقرير:-
في قلب العديد من خطوط التصدع في المنطقة، بين سوريا في الغرب وإيران في الشرق، ينجو العراق في الوقت الراهن من المعارك الإقليمية التي تحيطه. وهذا الوضع يحاول اللاعبون الدوليون والإقليميون الحفاظ عليه من خلال السعي لتحقيق الاستقرار في البلاد، والشاهد على ذلك الزيارات الدبلوماسية العديدة، مثل الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني في بغداد الأسبوع الماضي أو زيارة نظيره العراقي برهم صالح للعاصمة الفرنسية باريس نهاية فبراير المنصرم وأيضا لأنقره في يناير.
لكل شخص مصلحة في استقرار العراق، ولأسباب وجيهة: تعتبر البلاد استراتيجية لمكافحة الإرهاب، ففي حين أن “داعش” تعيش حاليًا أيامها الأخيرة، هناك العديد من الخلايا النائمة موجودة في سوريا والعراق الذي يُنظر إليه أيضًا على أنه ممثل سياسي موثوق ومهم وكذلك أيضًا سوق جذاب.
فمقارنة هذا البلد مع سوريا لافت للنظر، فبينما يرفض الغربيون المشاركة في إعادة بناء سوريا وتجديد العلاقات مع دمشق في غياب عملية سياسية، يمدون أيديهم إلى العراق من أجل قلب صفحة “داعش”.
وقال ميشال دوكلو، السفير السابق لفرنسا في سوريا وعضو معهد مونتين، العراق لديه المقومات التي تجعله جزءًا من “قصة نجاح”، لديه النفط والمال والموارد البشرية، إنه يملك موقعا إستراتيجيا أيضًا نظرًا لموقعه الجغرافي في قلب المنطقة.
ويضيف “لقد كان العراق أرضا للمواجهة بين القوى الأجنبية وخاصة التوسع الإقليمي والأيديولوجي والآن لم يعد فاعلًا سلبيًا وأصبح ممثلًا قادرًا على التواجد بمفرده”، مشيرا إلى أن الجهات الفاعلة الموجودة في البلاد، تريد أن تتجنب العودة إلى فترة مظلمة جديدة من الحرب أو الحرب ضد الإرهاب.
من جهته قال هيكو ويمين، وهو متخصص عراقي في مجموعة الأزمات الدولية “كرايسز جروب”: إن انهيار الدولة يضاعف أخطارًا مثل انتشار الإرهاب والتشريد الجماعي، ولذلك من الأفضل الحفاظ عليها ضعيفة، لكنها عملية” هذه الرغبة المشتركة لتحقيق الاستقرار في البلاد لا تمنع الجهات الفاعلة المعنية من المصالح المتباينة.
الولايات المتحدة وإيران على خلاف، وكلاهما بحاجة إلى العراق، ففي الوقت الذي تريد فيه طهران تعزيز استراتيجيتها الإقليمية والالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة ضدها، تسعى واشنطن لكبح النفوذ الإيراني في المنطقة بأي ثمن. ومع ذلك، اتفق الخصمان على عدم جعل العراق ساحة لمعركتهما.
وتجلى ذلك من خلال اتفاق الطرفين على تعيين رئيس الوزراء الجديد عادل عبد المهدي في أكتوبر الماضي، فهو مدعوم من البيت الأبيض و الجمهورية الإسلامية، حيث تتمتع القوتان أيضًا بوزن كبير في البلاد، فالولايات المتحدة لديها أكثر من 5000 جندي وشاركت بفاعلية في إعادة بناء وتوحيد بعض المؤسسات الرسمية العراقية.
أما إيران فزادت من نفوذها من خلال دعمها للجماعات شبه الحكومية مثل الميليشيات الشيعية، التي اكتسبت ثقلًا متزايدًا، بعد أن جاءت في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مايو 2018، كما ساهم البلدان، كل منهما بطريقته الخاصة، في القتال ضد “داعش”.
ويرى وائل الزيات، أحد مستشاري سامانثا باور، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة أنه “بالنسبة لأمريكا، يتعلق الأمر بضمان أن تظل البلاد موحدة، وتعزيز سيادة القانون ومنع عودة داعش، أو المنظمات الإرهابية الأخرى. أما فيما يتعلق بإيران، فإن الهدف من ذلك، هو الحفاظ على السيطرة على البلاد، من خلال وكلائها داخل الحكومة وكذلك من قبل ميليشياتها، وضمان عدم عودة داعش، ولكن أيضًا ألا يكون للولايات المتحدة الأمريكية والسنة تأثير كبير في البلاد”.
من جهتها تسعى فرنسا لوضع نفسها على أنها لاعب قادر على تجسد الطرف الثالث، أي الوسيط في هذه المنطقة، وذلك من خلال قضايا مثل إعادة إعمار العراق، الذي أقرضته أكثر من 400 مليون يورو، وأيضا للحفاظ على اتصالات منتظمة مع إيران في ظل العالقات التي تتسم بالحدة في الوقت الحالي.
أما تركيا فترغب أيضًا في الحفاظ على أن يكون هناك توافق دائم مع بغداد، وخاصة لأسباب أمنية، كمكافحة القوات الكردية لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقره إرهابيًا. فعلى الرغم من أن الطيران التركي يضرب بانتظام جبال قنديل ومنطقة سنجار، فإن القصر الرئاسي التركي “سراي” يأمل في تعاون أوثق مع العراق، ومن المقرر أن يقوم الرئيس رجب طيب أردوغان بزيارة رسمية إلى بغداد في 31 مارس المجاري، لتأكيد التعاون بين البلدين ومناقشة العمليات المشتركة المحتملة في المنطقة.
ومع ذلك، تواجه بغداد ما بعد “داعش”، العديد من القضايا، فاقتصاديا، العراق في وضع سيئ. حتى لو كانت البلاد مليئة بالنفط، خاصة في الجنوب (من جهة البصرة)، لا يمكن للعراقيين الاستفادة منه ويتعرضون لظروف معيشية صعبة. ولا تزال ذكرى الاحتجاجات الجماهيرية في أغسطس الماضي، ضد غياب الخدمات العامة وارتفاع معدلات البطالة قائمة.
يضاف إلى ذلك مشاكل الفساد ، المستوطنة في العراق، وعودة السكان إلى المدن التي تأثرت بشدة جراء قتال “داعش” والتي لا يوجد بها في بعض الأحيان سوى ركام، وأخيرا تعتمد بغداد في هذا الجانب بشكل كبير على الإيرانيين.
يضاف إلى ما سبق صعوبات سياسية. فعلى الرغم من التنظيم الناجح للانتخابات، وتعيين رئيس جديد (برهم صالح) ، ورئيس وزراء جديد (عادل عبد المهدي) وتشكيل حكومة جديدة، فإن البلاد لا تستطيع المضي قدما ووضع الإصلاحات اللازمة من أجل “إعادة تأسيسها”. فلا يزال الأمريكيون، الذين فضلوا إعادة بناء عدد من المؤسسات السياسية العراقية، دورهم مؤثر للغاية، ناهيك عن الثقل الذي اكتسبته الميليشيات الشيعية التي تدعمها طهران في الحياة السياسية في البلاد.
وإضافة إلى ما سبق تبقى المسألة الطائفية، ربما الأكثر صعوبة، في المناخ الحالي، ففي بلد يسكنه أغلبية شيعية، يظل السنة مهمشون بل وربما أيضا “محرومون” من التمثيل السياسي، وهذا الأمر ساهم إلى حد كبير في نجاح “داعش”.
طالع النص الأصلي للتقرير من المصدر عبر الضغط هنا
اضف تعليقا