تطورات دراماتيكية متسارعة شهدها قطاع غزة، أمس الإثنين، انتهت باتفاق لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، عبر وساطة مصرية قادها جهاز المخابرات العامة.
وبعد أن حبس الجميع أنفاسهم توقعا باندلاع مواجهة شاملة على غرار ما حدث عام 2014، هدات الأمور، لكن بقي التساؤل: هل هناك من يسعى لتوريط حماس وقطاع غزة في مواجهة عسكرية مع الاحتلال؟.
ساعات عصيبة
بدأت القصة بإعلان جيش الاحتلال سقوط صاروخ من القطاع، صباح الإثنين، سقط شمالي مدينة تل أبيب، ليعلن حالة الاستنفار ويستدعي بعض جنوج الاحتياط، وينشر كتائب مشاة على الحدود مع غزة، وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعجيل عودته من الولايات المتحدة لإدارة الأزمة، قبل أن يتراجع بعد الهدنة.
وسرعان ما بدأت عملية عسكرية، شن خلالها جيش الاحتلال الإسرائيلي غارات، قال إنها ردا على إطلاق الصاروخ، ومن المواقع التي دمرها مقر رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، إسماعيل هنية، غرب مدينة غزة.
كما قصفت الطائرات الإسرائيلية مبنى يقع في حي الرمال، غربي مدينة غزة، قال إنه لجهاز الأمن الداخلي، التابع لوزارة الداخلية، وقصفت الطائرات مقر شركة الملتزم للتأمين والاستثمار، وسط المدينة.
وأسفرت الغارت عن إصابة 7 فلسطينيين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بينما قالت “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة”، في قطاع غزة، إنها أطلقت “رشقات صاروخية”، على بلدات إسرائيلية محاذية للقطاع “سديروت ونتيفوت”، ردا على الغارات التي تشنها إسرائيل.
وقال جيش الاحتلال، في بيان نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، عبر موقعها الالكتروني، إن 30 قذيفة أطلقت من غزة على بلدات محاذية للقطاع، دون أن تسفر عن وقوع إصابات.
ووسط ترشيحات بأن الأمور تتجه إلى الأسوأ، وبينما يترقب الجميع التطورات، أعلنت “الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة”، في قطاع غزة، مساء الإثنين، استجابتها للوساطة المصرية لوقف إطلاق النار.
وقالت في بيان:” نعلن التزامنا بالتهدئة ما التزم بها الاحتلال وسنبقى الدرع الحامي لشعبنا”، وكان فوزي برهوم، الناطق باسم حركة حماس، قد قال في وقت سابق، إن مصر نجحت في التوصل لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية بغزة.
وأصدر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، سلامة معروف، بيانا قال فيه إن المؤسسات الحكومية بما فيها “التعليمية” ستعمل كالمعتاد غدا (الثلاثاء)، ولم يصدر تأكيد من إسرائيل حول وقف إطلاق النار؛ لكن مسؤولا، لم يذكر اسمه، قال للموقع الالكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت:” كل شيء يعتمد على سلوك حماس”.
التصعيد الثاني في شهر
ولم يكن التصعيد الذي شهده قطاع غزة أمس هو الأول من نوعه خلال شهر مارس الجاري فقط، بل سبقه تصعيد آخر قبل نحو 10 أيام.
ففي الساعات الأولى من صباح الجمعة 15 مارس، شن طيران الاحتلال الإسرائيلي غارات جوية على مواقع تابعة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة، وذلك بعد ساعات من إعلان إطلاق صاروخين باتجاه تل أبيب.
واستهدفت إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية موقع “البحرية” بمنطقة ميناء خان يونس جنوبي القطاع والذي يتبع لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس بأربعة صواريخ، فيما استهدفت غارة ثانية موقع “بدر” بستة صواريخ ما أحدث أضرارا مادية بالغة.
جاءت الغارات الإسرائيلية رغم نفي حركة حماس مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ على إسرائيل، وقالت كتائب القسام في بيان: “تؤكد كتائب الشهيد عز الدين القسام عدم مسؤوليتها عن الصواريخ التي أطلقت الليلة باتجاه العدو، خاصة وأنها أطلقت في الوقت الذي كان يعقد فيه اجتماع بين قيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس والوفد الأمني المصري حول التفاهمات الخاصة بقطاع غزة”،كما نفت حركة الجهاد الإسلامي إطلاق أي صواريخ.
اللافت أن هذين التصعيدين وقعا بعد شهر واحد من قرار رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية الجديد “أفيف كوخافي” وضع الاستعداد لحرب في غزة على رأس سلم أولويات الجيش هذا العام، بعد صدور تقريرين للاستخبارات العسكرية التي قالت إن مواجهة مع غزة باتت شبه مؤكدة.
التأهب الإسرائيلي أعقب مواجهة عسكرية هي الأعنف منذ سنوات بين الجانبين، في نوفمبر الماضي، بعد عملية سرية لقوات الاحتلال الخاصة داخل القطاع.
وقالت جيش الاحتلال إن غاراته الجوية استهدفت أكثر من 150 موقعا في قطاع غزة، من بينها مقر الاستخبارات العسكرية لحركة حماس شمالي القطاع، وأطلق مسلحو الفصائل الفلسطينية 400 صاروخ، على الأقل، على جنوب الأراضي المحتلة.
وبينما أدت الغارات الإسرائيلية إلى استشهاد 7 فلسطينيين، على الأقل، أسفر إطلاق صواريخ المقاومة عن مقتل إسرائيلي واحد.
من يورط المقاومة؟
بطبيعة الحال فإن المقاومة الفلسطينية لا تتهرب من الاعتراف بإطلاقها صواريخ ضد الاحتلال أو تنفيذ عميات نوعية أو خلافه، بل تعتبر ذلك شرفا وواجبا، لكن المثير أنه في التصعيدين الأخيرين نفت المقاومة صلتها بالصواريخ التي شكلت ذريعة إسرائيلية للعدوان عل غزة.
أمس الإثنين، نفى مسؤول في حماس اتهام إسرائيل بأن الحركة تقف وراء إطلاق الصاروخ، الذي سقط في شمال تل أبيب، وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس: “لا أحد من حركات المقاومة، بما في ذلك حماس، مهتم بإطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه العدو”، وأضاف أن الرسالة نفسها سُلمت إلى مصر التي تصرفت كوسيط بين إسرائيل وحماس.
وفي 5 مارس الجاري، نفت كتائب القسام إطلاق صواريخ، من قطاع غزة على مدينة “تل أبيب”، وقالت في تصريح صحفي: “نؤكد عدم مسؤوليتنا عن الصواريخ التي أطلقت الليلة باتجاه العدو، خاصة وأنها أطلقت في الوقت الذي كان يعقد فيه اجتماع بين قيادة حركة حماس والوفد الأمني المصري، حول التفاهمات الخاصة بقطاع غزة”، وكانت حركة الجهاد الإسلامي، قد نفت أيضا، مسؤوليتها عن إطلاق الصواريخ.
وعليه فإن ما يحدث يثير الريبة ويدفع إلى القول بأن هناك من يسعى لتوريط المقاومة الفلسطينية في مواجهة عسكرية شاملة مع الاحتلال.
قد لا يستبعد كثيرون تورط حركة فتح في هذا التوجه، نظرا للتوتر الذي يسود علاقتها مع حماس في الآونة الأخيرة بعد تشكيلها حكومة جديدة، قالت حماس وفصائل المقاومة بغزة إنها ترمي لإكمال فصل القطاع عن باقي فلسطين المحتلة.
كما اتُهمت فتح بإشعال فتيل احتجاجات غير مسبوقة شهدها قطاع غزة تحت مسمى “الحراك الشعبي”، للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية والحد من الضرائب.
وعلى الرغم من هدوئها الآن، فقد شهدت السنوات السابقة اشتعالا للمواجهة بين حماس وبعض المسلحين المنتمين للسلفية الجهادية، المحسوبين على تنظيم داعش داخل قطاع غزة.
واتُهم هؤلاء في أكثر من مناسبة بالتخطيط لإزاحة حماس عن المشهد وافتعال الأزمات داخل غزة، ليكون القطاع نقطة انطلاق جديدة للتظيم في المنطقة بعد أن انحسر كثيرا في سيناء المصرية، وتلقى هزائم موجعة في سوريا والعراق.
اضف تعليقا