يبدو أن الجيش الجزائري حدد بشكل لا رجعة فيه موقفه الرسمي والنهائي من الأزمة التي تمر بها البلاد، والاحتجاجات الشعبية تدخل أسبوعها السادس، رفضا لاستمرار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في السلطة.

لكن الموقف الذي عبر عنه نائب وزير الدفاع قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، قد يعد حمّال أوجه، ويمكن تفسيره وتأويله بأكثر من طريقة، فهل انحاز الجيش لمطالب الشعب فعلا، أم أنه ينفذ انقلابا ناعما؟.

انقلاب أم انحياز؟

وبينما يستعد الجزائريون للاحتجاج في الجمعة السادسة على التوالي، فاجأ قائد أركان الجيش الجميع بموقفه من الأزمة الراهنة، معلنا بشكل رسمي تخليه عن بوتفليقة.

ودعا صالح في خطاب جديد، صراحة، إلى رحيل بوتفليقة، استجابة للمطالب الشعبية التي ينادي بها الشارع منذ أكثر من شهر في مظاهرات مستمرة، مؤكدا أن حل هذه الأزمة يجب أن يكون دستوريا، من خلال تطبيق المادة 102 التي تنص على استقالة الرئيس أو تنحيته بسبب عجزه عن أداء مهامه.

ووفق المادة نفسها، سيخلف بوتفليقة رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، مؤقتا، على أن يشرف على تنظيم انتخابات رئاسية في غضون 90 يوما ولا يترشح فيها.

https://www.youtube.com/watch?v=txTYgKcZXvU

وبحسب كلمة صالح التي ألقاها في زيارة للمنطقة العسكرية الرابعة غرب البلاد، ونقلها التليفزيون الحكومي، فإن هذا الحل “من شأنه تحقيق توافق رؤى الجميع، ويكون مقبولا من كافة الأطراف”، كما أنه “يستجيب للمطالب المشروعة للشعب الجزائري، وهو الحل الذي يضمن احترام أحكام الدستور واستمرارية سيادة الدولة”.

وتعد هذه المرة الأولى التي يطالب فيها قائد أركان الجيش، برحيل بوتفليقة، كحل للأزمة الراهنة منذ اندلاع شرارة المظاهرات قبل أكثر من شهر من الآن، وسط دعوات للجيش بدعم المطالب الشعبية.

وتطورت مواقف قيادة الجيش، الذي يعد أهم ركائز الدولة الجزائرية، بشكل مطرد، من التحذير من انحراف المظاهرات، إلى الإشادة بها، وفي النهاية إعلان يتضح منه الوقوف إلى جانب الشعب والاستعداد لحمايته، والمطالبة بحل عاجل للوضع القائم.

وتنص المادة 102 من الدستور الجزائري على أنه إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا، وبعد أن يتثبت من حقيقة هذا المانع بكل الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع.

ويعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي أعضائه، ويكلف بتولي رئاسة الدولة بالنيابة مدة أقصاها 45 يوما رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 104 من الدّستور.

وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء 45 يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادة.

في حالة استقالة رئيس الجمهورية أو وفاته، يجتمع المجلس الدستوري وجوبا ويثبت الشغور النهائي لرئاسة الجمهورية.

وتبلغ فورا شهادة التصريح بالشغور النهائي إلى البرلمان الذي يجتمع وجوبا.

ويتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية.

ولا يحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

انقلاب ناعم

وفي ترجمة صريحة وسريعة لرغبة الجيش الواردة بكلمة صالح، قالت قناة البلاد التلفزيونية الخاصة إن المجلس الدستوري الجزائري يعقد حاليا اجتماعا خاصا، تلبية لدعوة قائد أركان الجيش عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.

واعتبر مراقبون إن خطوة قيادة الجيش “بداية حل” لكنها غير كافية، كون المطالب الشعبية تجاوزت مسألة رحيل الرئيس إلى ضرورة رحيل رموز نظامه وتحقيق انتقال ديمقراطي.

ونفى عمار سعداني، الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، أن يكون ما دعا إليه الجيش “انقلابا” وإنما “استجابة لمطالب الشعب”، وقال في مقابلة: إن دعوة قائد الجيش قرار دستوري وليس انقلابا وإنما هو يدخل في صلب الدستور، والإجراءت القانونية ستنفذ بحذافيرها”.

وأضاف أن ذلك “يجنب البلاد الدخول في مرحلة فراغ دستوري مع رحيل بوتفليقة في 28 أبريل المقبل، موعد انتهاء عهدته الرئاسية الرابعة.

اللافت أن تفعيل تلك المادة الدستورية كان مطلبا سابقا للمعارضة، بل وخرجت دعوات من التحالف السياسي الموالي لبوتفليقة، ووفق تقارير إعلامية، قال مصدر مقرب من التحالف الرئاسي، إن هناك سيناريوهين اثنين يمكن أن يحدثا لتجنيب البلاد حالة الفراغ الدستوري بعد 28 أبريل، إما استقالة الرئيس أو تفعيل المادة 102 من الدستور.

وقبل نحو أسبوع أكد صالح أن الجيش “يجب أن يكون مسؤولا عن إيجاد حل للأزمة السياسية التي تشهدها البلاد”، في أكبر إشارة علنية على احتمال تدخل الجيش.

رئيس الأركان قال في تصريحات أذاعها التلفزيون الرسمي: “الجيش الوطني الشعبي سيكون دوما، وفقا لمهامه، الحصن الحصين للشعب والوطن في جميع الظروف والأحوال.. ثقتي في حكمة هذا الشعب، وفي قدرته على تجاوز كافة الصعاب مهما كانت طبيعتها، غير محدودة بل ومطلقة”.

ماذا يقول الشعب؟

الوضع الحالي يعيد إلى الأذهان السيناريو المصري في ثورة 25 يناير 2011 عندما تخلى الجيش عن الرئيس المخلوع حسني مبارك، وقيل حينها إنه انحاز لمطالب الشعب، لكن ما حدث بعدها أكد أن الجيش سعى فقط للحفاظ على مكاسبه وتعظيمها بالاستيلاء على السلطة.

هذا السيناريو مرشح بقوة للتكرار في الجزائر، بالأخذ في الاعتبار وضعية القوات المسلحة في البلدين من حيث السلطة والنفوذ والسيطرة من خلال القوة.

وعلى الرغم من أن قائد أركان الجيش حدد نسقا دستوريا للخروج من الأزمة، إلا أن الأمر قد يتضمن التفافا على مطالب الجماهير الثائرة، فيحاول النظام الحاكم إعادة إنتاج نفسه بتلك الخطوة، ودعم مرشح رئاسي معين في الانتخابات المقبلة يضمن للطبقة الحاكمة من جنرالات وساسة ورجال أعمال استمرار قبضتهم على مفاصل البلاد.

ويبدو أن هذا السيناريو حذر منه سياسيون، من بينهم رئيس حركة مجتمع السلم عبدالرزاق مقري، الذي قال إن هناك جناحا في السلطة يريد السيطرة على الحكم بتزوير الانتخابات مجددا، وحذر المتظاهرين من وقف الحراك الشعبي والذهاب للانتخابات بدون إصلاحات سياسية ودستورية تضمن سلامة العملية الانتخابية ونزاهتها.

وتبقى هنا، كما بقيت دوما، الكلمة للشعب الذي يُنتظر أن يواصل حراكه في الجمعة السادسة بعد يومين، على نحو قد يرسم بشكل كبير طبيعة المرحلة المقبلة، فهل نرى تأكيدا من المتظاهرين على رفض استيلاء الجيش على السلطة، وهل يؤكدون استمرار حراكهم تحت ذا المطلب حتى الخروج من الأزمة؟.