العدسة: محمد العربي

لا أحد يعرف على وجه التحديد، قيمة صفقات الأسلحة التي أبرمها نظام الانقلاب العسكري بمصر برئاسة عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الخمس الماضية، ولكن الذي بات يعرفه الجميع أن مصر أصبحت واحدة من كبرى الدول المستوردة للسلاح على مستوى العالم، بعد المملكة العربية السعودية والهند.

آخر الصفقات التسليحية التي وقعتها القاهرة كانت مع موسكو، وهو ما كشفته وسائل الإعلام الروسية منذ أيام بأن الجيش المصري وقع على عقد لشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز سوخوي Su-35 بقيمة إجمالية للصفقة وصلت 2 مليار دولار، على أن يتم البدء في تسليم دفعات الطائرات بدءا من يناير 2020.

وبهذه الصفقة التي لم تعلق عليها الحكومة المصرية حتى الآن، فإن مصر أصبحت واحدة من الدول الخمس الأولى في استيراد السلاح الروسي.

خيبة أمل

وبصرف النظر عن قوة السوخوي  Su-35، ومدي حاجة مصر لها، في ظل حصولها على عدد مشابه من طائرات الرافال الفرنسية قبل عام واحد، فإن سلاح الجو المصري لديه أسطول من طائرات الميج الروسية، وF- 16 الأمريكية، والميراج الفرنسية، وهو ما يثير التساؤلات عن الهدف من هذه الصفقة التي رفضتها كل من الهند وإندونيسيا والجزائر، ولماذا أصبح لدى مصر شراهة غير طبيعية في استيراد السلاح بكل أشكاله من طائرات وأنظمة الدفاع الجوي والمراقبة والغواصات.

وتشير الدراسات التي أجريت عن التسليح خلال عام 2018 إلى أن مصر، حصلت على أسلحة أمريكية قبل نهاية 2018 بقيمة 1.2 مليار دولار، ممثلة في 10 طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي “آي إتش 64 آي”، و60 ألف طلقة من ذخيرة الدبابات والمعدات ذات الصلة لأسطول الدبابات “إم1 إيه1، لاستخدامها في التدريب والقتال.

ورغم ذلك فإن التصنيفات الدولية عن أقوى جيوش العالم، أرجعت مصر مركزين للوراء وفقا تصنيف جلوبال فير باور الأمريكي، حيث احتل الجيش المصري المركز “12” عالميا، بعد أن كان رقم 10 في العام 2017، بينما ظل محافظا على مركزه الثاني بمنطقة الشرق الأوسط بعد تركيا، في حين ينافس الجزائر في صدارة القارة الأفريقية، بميزانية تسليح بلغت خلال 2018 4.4 مليار دولار.

وطبقا لما جاء بالتصنيف الدولي، فإن أسباب تراجع ترتيب الجيش المصري لم يكن بسبب قوام الجيش أو ميزانيته، وإنما بسبب غياب تنوع مصادر السلاح الخاصة به، والأزمات الداخلية التي تعاني منها مصر، والقدرة القتالية.

ووفق التحليلات التي تناولت موضوع التسليح المصري فإن هناك ملفات شائكة فيما يتعلق بشراء الأسلحة التي لا تخضع لأي رقابة، سواء من حيث مراجعة عقودها المالية، أو مدى حاجة الجيش لها، وما هو مصيرها، وهل يستفيد منها الجيش أم لا، ولماذا لا يتم الكشف عن هذه المعدات بعد انتهاء فترة الحظر الخاصة بها، ووفق ذلك فإن عدم إخضاع ميزانية الجيش للرقابة البرلمانية، والتوسع في سلطات رئيس الجمهورية بعقد صفقات سلاح لها قوة القانون دون الرجوع للبرلمان، ولو حتى في جلسات سرية، وعدم إلزام القوات المسلحة بتقديم بيان عن الأسلحة المستهلكة، والمُنهَكَة، كل ذلك جعل ميزانية التسليح خاضعة للشكوك والتأويلات، بحسب التحليلات السابقة.

أبرز الصفقات

وقد تتبعت عدة دراسات متخصصة الصفقات التي حصلت عليها مصر خلال الفترة من 2014 وحتي نهاية 2018، قبل أن ينضم لها صفقات السوخوي الروسية والغواصات الألمانية الأخيرة، حيث حصلت مصر من فرنسا عام 2014 على 4 بارجات بحرية من طراز “جويند” بقيمة مليار يويور” 9 مليارات جنيه”، وبينما حصلت خلال عام 2015 على 24 طائرة رافال، وفرقاطة بحرية، وصواريخ بإجمالي 45.7 مليار جنيه، و2 حاملة طائرات ميسترال بقيمة 8.2 مليار جنيه، وفي عام 2016 حصلت على قمر صناعي للاتصالات العسكرية بقيمة 600 مليون دولار، و4 قطع بحرية من طراز جويند بقيمة 550 مليون يورو، وأسلحة القطع البحرية جويند بقيمة 400 مليون يورو، و4 مقاتلات من طراز فالكون 7 أكس بقيمة 300 مليون يورو، وقطعتي مراقبة بحرية من طراز ادرويت، و12 طائرة رافال، و10 طائرات تجارية إيرباص، وفرقاطة فريك جديدة، وحاملتى “مسيترال” جديدتين، وطائرة بدون طيار طراز “باترولر، و24 هليكوبتر نقل عسكرى إيرباص، و 12 ناقلة جوية العسكرية من طراز A 400 M.

وفيما يتعلق بالأسلحة الروسية حصلت مصر في 2014، على صواريخ اس 300، ومقاتلات ميج 29، وسوخوى 30، وأنظمة دفاع جوي، وصواريخ أخرى بقيمة 3 مليارات دولار، وفي 2015 حصلت على مروحيات وطائرات ميج وانظمة دفاع جوى بقيمة 24.7 مليار جنيه.

كما حصلت من بريطانيا على اسلحة قتالية بقيمة 590 مليون جنيه، ومن ألمانيا حصلت على 4 غواصات عام بقيمة مليار و600 مليون يورو، بينما حصلت من الصين على طائرة “جى -31 “المقاتلة الشبح.

وفيما يتعلق بالصفقات مع أمريكا حصلت مصر علي 2 زورق بحري امبسادور، و12 طائرة اف 16، و19 برجا لدبابات ابرامز، و10 مروحيات أباتشي .

لماذا الآن؟

وبالعودة للسؤال السابق، فإن التحليلات التي تناولت هذه الظاهرة، أرجعت هذا التوسع في التسليح المصري لعدة أسباب، من بينها أن السيسي يقوم بدور السمسار لصالح الغير، أي أن كمية كبيرة من صفقات الأسلحة التي يتم إبرامها، ليست لصالح مصر، وإنما لصالح دول وأنظمة محظور تصدير السلاح إليها، مثل قوات الجنرال الليبي خليفة حفتر، وحركات التمرد السودانية في دارفور، والجيش الشعبي لتحرير السودان التابع لحكومة جنوب السودان، وغيرهم من المنظمات والحكومات المفروض عليها حظر لبيع السلاح.

ويستدل أصحاب هذا الطرح بما كشفته الحكومة السودانية في يونيو 2017 بضبط أسلحة تابعة للجيش المصري لدى قوات حركة العدل والإحسان المسلحة في دارفور، ورغم النفي المصري، إلا أن الجانب السوداني قدم صور للأسلحة التي تم الاستيلاء عليها من المتمردين وعليها خاتم القوات المسلحة المصرية.

وحسب الدراسات نفسها فإن السيسي حصل على عمولات كبرى من صفقات الأسلحة، بلغت في بعض الصفقات 35% من قيمة الصفقة، معتمدا على الحصانة التي منحها الدستور لسرية صفقات السلاح، والقانون الخاص بحق رئيس الجمهورية في إصدار قرارات بقوة القانون فيما يتعلق بصفقات التسليح دون الرجوع للبرلمان.

ويعتبر آخرون أن توسع نظام السيسي في عقد صفقات السلاح يرجع في الأساس إلي أنه يتبع سياسة شراء الشرعية الإقليمية والدولية، حيث تعد هذه الصفقات بمثابة رشوة لكل من أمريكا وفرنسا وروسيا وألمانيا، للسكوت عن جرائم السيسي المستمرة منذ الانقلاب العسكري الذي جرى في 2013.

الحمى القاتلة

موقع ستراتفور الأمريكي أجاب على التساؤل الذي سبق طرحه عن أسباب توسع مصر في مجال التسليح، ووصف الموقع الأمريكي ما يقوم به السيسي بأنها أشبه بالحمي غير الطبيعية في الإنفاق على التسليح، حيث فتح السيسي دفتر شيكاته وشرع في تنفيذ برنامج لشراء الأسلحة جعلها في وقت قصير واحدة من أكبر الدول المستوردة للأسلحة في العالم. ومع ذلك، فإن حجم الأموال التي تم تبديدها في ذلك كبير جدًا في ظل الوضع الاقتصادي الهش في مصر وبالنظر إلى عدم وجود عدو تقليدي بارز يمكن أن تلجأ للتسليح لمواجهته، فإن دوافع النظام في ذلك لا تنبع من الحاجة العسكرية فحسب، بل هناك رغبة لديه في أن يستعيد نفوذ بلد اعتاد أن يكون له ثقل في سياسة المنطقة.

ووفق التقرير الأمريكي فإن الضرورات العسكرية ليست هي العامل الذي أدى إلى الزيادة الكبيرة في مشتريات النظام المصري للأسلحة. وحتى بالرغم من الحرب الدائرة في سيناء، إلا أن معظم مشتريات الأسلحة الأخيرة ، بما فيها صواريخ أرض-جو وسفن حربية كبرى، لا تتناسب مع جو القتال في سيناء.

كما أن حُمّى شراء مصر للأسلحة لم يكن نتيجة الحاجة الملحة لردع خصوم تقليديين بارزين. وباستثناء إسرائيل والمملكة العربية السعودية، فالقوة العسكرية لأي من الدول المجاورة لمصر لا تضاهي القوة العسكرية للقاهرة. ولا تمثل المملكة العربية السعودية في الواقع تهديدا عسكريا لمصر، خاصة أن المملكة قدمت مساعدات اقتصادية كبيرة للقاهرة لدعم حكومة السيسي منذ إطاحته بالرئيس محمد مرسي في عام 2013.

ويشير الموقع الأمريكي إلي أن التاريخ الطويل للصراع بين مصر وإسرائيل، كان دافعا في الماضي من أجل الحفاظ على التوازن العسكري القوي للحيلولة دون حدوث أي تراجع محتمل في العلاقات مع إسرائيل، لكن مثل هذا الاحتمال يبدو بعيدا في الوقت الحاضر، بعد أن تحسنت علاقات مصر مع إسرائيل بشكل واضح في ظل حكومة السيسي، وقدمت إسرائيل كذلك مساعدة غير مباشرة للجيش المصري في العمليات العسكرية بسيناء.