العدسة: محمد العربي
مازالت القراءات متواصلة حول دعوة رئيس أركان حرب الجيش الوطني الجزائري أحمد قايد صالح، بتفعيل المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تسمح بإعلان خلو منصب رئيس الجمهورية نتيجة العجز عن أداء مهام عمله، ورغم أن الأجواء كانت تشير إلى أن رئيس الأركان لم يكن يقصد من مطلبه بأن يكون مجرد بالون اختبار، وإنما لفرض أمر واقع جديد على الشأن الجزائري، إلا أن الأمور يبدوا أنها، لم تكن كلها في صالح دعوة صالح.
وتشير المتابعات لتطور الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية بالجزائر، إلى أن الانشقاق أصبح هو سيد الموقف، وربما لم يكن لهذا الانشقاق أن يحدث، لو لم يحدث الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في 3 يوليو 2013، حيث اعتبر السياسيون والمتابعون والمعنيون بالحراك الشعبي، أن صالح يريد أن يكون هو عبد الفتاح السيسي الجزائري بخلطته الإماراتية والإقليمية.
هل تنجح؟
وحسب مجريات الأحداث، تشير العديد من التحليلات، إلى أن قايد صالح لم يكن ليطلق دعوته، إلا بعد أن يكون قد رتب البيت الداخلي بشكل، يمكنه من تنفيذ خارطة طريقه، إلا أن ما كشفته الإذاعة الجزائرية عصر الخميس 28 مارس الجاري، بأن المجلس الدستوري لم يناقش طلب رئيس الأركان، يشير إلى أن الأمور لا تسير وفق هوى الجنرال صالح.
وربط المتابعون بما أعلنته الإذاعة الجزائرية، وما أعلنه عدد من المعارضين لخارطة قايد صالح، بأنهم متمسكون، بأن يكون الحل سياسيا ويديره السياسيون وليس سياسيا ويديره العسكريون، وقدموا في إطار ذلك طرحا بأن يقوم رئيس الجمهورية المريض عبد العزيز بوتفليقة، بتقديم استقالته مع نهاية عهدته الرابعة في نهاية إبريل المقبل، وإقالة الحكومة وحلّ المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمّة، وإجراء انتخابات لاختيار فريق رئاسي، يمثل القوى البارزة في المشهد الجزائري، أو يتم اختياره بالتوافق ويقوم هذا المجلس بإدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تُكلَّف بتصريف أعمال الدولة، حتى يتم اختيار رئيس جمهورية ينهي هذه المرحلة الانتقالية.
ويتبنى هذا الطرح الدبلوماسي الجزائري السابق والعضو المؤسس بحركة “رشاد” الجزائرية المعارضة محمد العربي زيتوت، الذي أعلن أن مقترحه، لقي تجاوبا من مختلف القوى السياسية.
صراع الرئيس والجنرالات
ويرى المراقبون أن قيادات الجيش ينتقمون من الرئيس بوتفليقة، الذي ظل طوال عشرين عاما قضاها في الحكم، في خلاف وصدام مستمر معهم، بعد أن رفض أن يكون مجرد دمية في أيدهم، وحسب تحليل لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، فإن بوتفليقة، عمل منذ وصوله الحكم 1999 على تحييد الجنرالات المسؤولين عن تعطيل المسلسل الانتخابي عام 1992 بعد فوز الإسلاميين؛ حيث قام بتفكيك جهاز إدارة المخابرات الذي ظل حتى 2016 العمود الفقري للنظام وأحال قائده محمد مدين إلى التقاعد. كما أزاح العديد من كبار الضباط وقادة المناطق العسكرية من الشخصيات النافذة في الجزائر.
كما اعتبرت الصحيفة أن النظام الرئاسي المطلق أغفل القوة التي بات يتمتع بها قائد الجيش أحمد قايد صالح، الذي يستمد قوته من أدواره الاستخباراتية وتغلغل عناصر جهاز المخابرات في مفاصل الجيش والشرطة. وكشف صالح عن قوته ونفوذه عندما دعا المجلس الدستوري إلى إعلان عجز الرئيس عن إدارة شؤون البلاد.
وتنقل الصحيفة عن موظف كبير متقاعد في الدولة الجزائرية، قوله إن بوتفليقة أضعف المؤسسات المدنية للدولة لكنه لم يستطع فعل نفس الشيء مع المؤسسة العسكرية؛ وهو ما وفر نوعا من الحماية للجيش وسمح له اليوم بإزاحة الرئيس.
ويرى محللون عسكريون، أنه رغم ضعف الرئيس، إلا أن قادة الجيش كذلك ليسوا بنفس القوة التي كانوا عليها عندما تولى بوتفليقة الحكم، وبرروا رأيهم للصحيفة نفسها، بأن قايد صالح كان بإمكانه إعلان حالة الطوارئ والاستيلاء على الحكم، لكنه فضل خيار تفعيل المادة 102 من الدستور التي تتعلق بشغور منصب الرئيس، وهو ما يعني أن قبضة الجيش على السلطة السياسية لم تعد بنفس القوة نتيجة التغييرات التي حدثت في صفوف المؤسسة العسكرية طيلة العشرين عاما الماضية.
ويدعم محللون الرأي السابق، بما أعلنه رئيس الأركان خلال كلمته في التفتيش العسكري بالمنطقة الجنوبية، ردا على الأصوات المنتقدة لطلبه السابق، واتهام الجيش بممارسة دورا سياسيا، بأن الجيش يعرف حدوده الدستورية جيدا، وحسب تعبيره “لم ولن نُحيد عن مهامنا الدستورية”.
وبرر قايد صالح طلبه بتفعيل مادة عزل الرئيس بأن المحيط الإقليمي الذي تعيش فيه الجزائر، متوتر وغير مستقر، ويشهد تفاقما كبيرا لكافة أنواع الآفات بما فيها الإرهاب والجريمة المنظمة بكافة أشكالها، والتي تمثل تحديات كبرى، وجب على الجيش الوطني الشعبي التصدي لها بكل حزم وصرامة.
بينما يشير آخرون إلى أن الخلاف الآن ليس بين الرئيس بوتفليقة، وبين الجيش، وإنما بين مؤسسة الرئاسة وبين الجيش، وهو الخلاف الذي دعا وكالات الأنباء الرسمية التابعة للرئاسة بنفي خبر اجتماع المجلس الدستوري، لبحث طلب قايد صالح، وأنه لو صح ذلك لكان النفي صادر عن المجلس نفسه وليس عن الرئاسة.
ويرى أصحاب هذا الطرح أن طلب رئيس الأركان بتفعيل المادة 102 من الدستور، غير دستوري لأنه لا يحق له مطالبة المجلس بالاجتماع، وبالتالي فإن الطلب، أقرب لإلقاء حجر في الماء الراكد وعلى الآخرين الراغبين في التناغم مع الجيش، أن يلتقطوا هم طرف الخيط، ويمارسوا ضغوطهم من أجل تفعيل المادة محل الخلاف.
مستقبل غامض
وتشير تحليلات أخري إلى أن الانقسام الدائر الآن في الساحة الجزائرية، دخل في تشابكات معقدة، حيث بات الجميع على قناعة بضرورة رحيل الرئيس المريض، ومعه خطته التي طرحها أثناء إعلانه عدم الترشح للعهدة الخامسة، ومنحه عاما انتقاليا، يقوم فيه بترتيب البيت السياسي الجزائري.
إلا أن طريقة الرحيل هي التي بات عليها الخلاف الآن، فكل فريق يستخدم وسائله المتاحة من أجل فرض تصوره على أرض الواقع، فالجيش يريد أن يستعيد سيطرته لمقاليد الأمور، خاصة وأنه لم يكن بعيدا عن رسم السياسة الجزائرية منذ الاستقلال عن فرنسا في 1962، وباستثناء فترة حكم بوتفليقة، فإن الجيش ظل هو الحاكم الفعلي من وراء الستار، وهو نفس السيناريو الذي يريد الجيش إعادته مرة أخرى.
وحسب هذا السيناريو فإن رئيس الأركان استخدم من أجل تحقيق ذلك حزب الرئيس نفسه الذي أعلن دعمه المبكر لخارطة رئيس الأركان، حيث رأت اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، أن تفعيل المادة 102 “بداية شرعية ودستورية تمكن من تأمين الوطن من المخاطر المتربصة به، ودعا الحزب الحاكم جميع المناضلين لتثمين اقتراح رئيس الأركان والعمل في الاتجاه الذي يمكن من تحقيق ما يصبو إليه الشعب من أمن واستقرار، في ظل دولة ديمقراطية شعبية اجتماعية.
إلا أنه في مقابل ذلك فإن مؤسسة الرئاسة التي يتحكم فيها سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس بوتفليقة، ومعه جهاز المخابرات، يصرون على استمرار تفعيل طرح الرئيس، بمنحه عاما إضافيا لترتيب نقل السلطة، ولكن يبدو أن هذا الفريق لم يعد بنفس القوة التي كان عليها قبل أسابيع، حيث تلقى العديد من الضربات من أبرزها استقالة رجل الأعمال علي حداد، المقرب من الرئيس، من رئاسة منتدى رؤساء المؤسسات، بالإضافة لإعلان الحزب الحاكم، كذلك اتحاد العمال الجزائري المقرب من الرئيس، دعمهم خطة قايد صالح.
الفريق الثالث
ويشير المتابعون إلى أنه في مواجهة هاذين الفريقين، يقف فريق ثالث، مستخدما قوته الذاتية التي حركت مياه الجزائر الراكدة، وهذا الفريق هو الحراك الشعبي، الذي يصر على رحيل بوتفليقة، في إطار سلسلة إصلاحات سياسية متشابكة، بعيدا عن النظام الحاكم الحالي بكل مكوناته، وكذلك بعيدا عن مؤسسة الجيش، التي يرى المتظاهرون أن طرحها بتفعيل المادة 102، هو انقلاب على الشعب وحراكه الجماهيري، وليس على الرئيس المريض.
وفي هذا الإطار، كانت المظاهرات التى شهدتها شوارع الجزائر خلال الأيام التي أعقبت دعوة رئيس الأركان، والتي طالبت باستقالة الرئيس بوتفليقة وتغيير النظام السياسي بشكل كامل، معلنين رفضهم القاطع، للخطة الانتقالية التي طرحها الجيش، وردد المحتجون الهتافات التي تتهم النخبة الحاكمة بأنهم لصوص دمروا البلاد، مؤكدين أيضا أن معركتهم سوف تستمر إلى أن يتخلصوا من النظام.
وتزامن مع ذلك تزايد مطالب قادة الحراك الشعبي، الجماهير الجزائرية باليقظة، من محاولات الالتفاف على مطالبهم بإسقاط النظام، واعتبروا طرح قايد صالح، بأنها خطة للاستغناء عن الجزء الذي أصبح ضعيفا في النظام، لمحاولة المحافظة على الجزء صاحب السطوة والممسك بزمام القيادة في نفس النظام.
وحذروا كذلك من مساعي الدائرة المحيطة بالرئيس بالاستغناء عن بوتفليقة والاحتفاظ بسائر المنظومة، وأشاروا إلى أن تفعيل المادة 102، بدون حكومة وبدون مجلس رئاسي ينظم الإجراءات التي تلحق عزل بوتفليقة، إجراء من شأنه أن يضمن استمرار حكم النظام.
اضف تعليقا