بعد إعلان “عبد العزيز بوتفليقة” تنحيه عن رئاسة دولة الجزائر، سادت الأوساط الجزائرية والعربية فرحة، لتعيد الذكرى بثورات الربيع العربى السابقة في دولة تونس ومصر وليبيا.

 

وأثارت الثورة الجزائرية مشاعر مزدوجة لدى شعوب عربية عديدة، وفي مقدمتها الشعب المصري؛ إذ فجرت حنينا إلى أيام الربيع حين كان صوت الملايين يملأ الساحات والآفاق، ويهز المنظومة الحاكمة هزا عنيفا، كما حركت في المقابل مواجع وفواجع السنوات التالية للربيع؛ حين استطاعت الثورة المضادة أن تحول مطامح الشعوب وحراكاتها السلمية إلى مواجهة هوجاء وعنف أعمى.

 

وأعلن “بوتفليقة” تنحيه عن رئاسة دولة الجزائر وقدم ذلك في نص خطاب موجه لرئيس المجلس الدستور، قائلا فيه “يشرفني أن أعلمكم أنني قررت إنهاء عهدتي رسميا بصفتي رئيسا للجمهورية”.

 

وصل خبر تنحيه للشعب الجزائري، في شريط أخبار أسفل شاشة التلفزيون.

 

وقبل هذا اليوم بثماني سنوات خرج “عمر سليمان” نائب الرئيس الراحل المصري”محمد حسني مبارك”، في خطاب متلفز يلقي بيان تخلي “مبارك” عن الحكم.

وقال “سليمان” حينها، “أيها المواطنون في ظل هذه الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد، قرر الرئيس “محمد حسني مبارك” تخليه عن منصب رئيس الجمهورية وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد. والله الموفق والمستعان”

 

البداية

خرج الشعب الجزائري يوم 22 من فبراير/ شباط الماضي، في احتجاجات ضد ترشح “بوتفليقة” لولاية خامسة في بادئ الأمر عبر دعوات مجهولة على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى دعوات أخرى أطلقتها حركة “مواطنة” وحركات وأحزاب المعارضة الرافضة لإعادة انتخابه.

وشهدت العاصمة الجزائرية ومدن أخرى تظاهر الآلاف من الجزائريين، أغلبهم من الشباب.

شارك في الاحتجاجات مختلف أطياف المجتمع الجزائري. وشكل الشباب الفئة الأكثر حضورا في الشارع. كما انضم آلاف الطلبة الجزائريين إلى الاحتجاجات المناهضة لترشح بوتفليقة.

 

استمرت التظاهرات 40 يوما إلى أن سقط “بوتفليقة” وحكومته.

 

وشارك الكثير من المغردين المصريين إخوانهم الجزائريين فرحة “الانتصار” وبهجة “النجاح”، في وقت اختار آخرون استغلال اللحظة وإرسال رسائل نصح وتذكير قبل أن يفوت الأوان، وتسلك الجزائر مصير مصر.

 

وركز المصريون في نصائحهم نقاط الضعف التي أصيبت منها مقاتل الثورة المصرية، حيث تتقارب المسارات، خشية أن تتشابه المآلات.

 

بالنسبة للنشطاء المصريين فإن كلمة السر التي ينبغي أن يعيها ويحفظها إخوانهم الجزائريون هي “الميدان”، فقد أتيت الثورة المصرية من هذا الجانب بعد أن اطمأن الثائرون للخطوات التي اتخذها المجلس العسكري وبقايا النظام القديم وغادروا الساحات والميادين، في حين كان التآمر على ثورتهم يسير على أشده في الخفاء، موجهين النصيحة “لا تبرحوا جبل الرماة”.

 

ونصح الحقوقي المصري”جمال عيد” في “تغريدة” على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”،موجه للشعب الجزائري” أخي الجزائري، أكمل ولا تترك الميدان، حتى يترك العسكر السياسة والحكم، ولا تنخدع بتحية عسكرية”.

 

وأكد على نفس المعنى الممثل المصري”خالد أبو النجا”، “أخي المواطن الجزائري لا تتركوا الميدان، أو الحق بالرجوع للميدان بأي وقت، حتي تصل الجزائر بربيعها إلي بر الأمان، قلوبنا معكم، أنتم السابقون و نحن اللاحقون”

 

 

 

وحذر الحقوقي القطري “محمد الكعبي”، الشعب الجزائري كذلك من السماح للمجلس العسكري بتكرار التجربة المصرية.

 

 

تساءل الباحث في الشؤون الأفريقية “مايكل جريكو”، والصحفي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط “كريم رزق”، فيما إذا كانت الجزائر ستسير على طريق مصر بعد إعلان “بوتفليقة” استقالته من منصبه.

 

وقال الكاتبان، في مقال مشترك لهما في مجلة “ناشينال إنترست” الأمريكية، إن بوتفليقة تخلى عن السلطة بعد تظاهرات طالبت أولا بعدم ترشحه لانتخابات الرئاسة، ثم بعد أن قرر ذلك عادت التظاهرات لتجدد مطالبتها برحيله ورحيل النظام، قبل أن تصدر قراراتتحدثت عن تنحية بوتفليقة لكبار الجنرالات في الجيش.

وأوضح الكاتبان أن تلك التقارير الصحيفة التي تحدثت عن إقالات أقدم عليها بوتفليقة أسهمت في تأجيج الجيش ضده، بالإضافة إلى الشارع، وهو ما عجل على ما يبدو من دفعه لتقديم الاستقالة، فقد رفضت وزارة الدفاع تلك الإقالات ووصفتها بأنها أخبار كاذبة.

 

بين “السيسي” و”قايد”

 

ورغم أن العديد من المعلقين الجزائريين أكدوا أن الأمر في بلادهم يختلف عن مصر، فإن تصدر الجيش الجزائري للمشهد جعل الكثير من المغردين يتوجسون خيفة من نفس المصير، حيث قارن الكثيرون بين تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح ووزير الدفاع المصري عام 2012 (عبد الفتاح السيسي) فضلا عن هتافات المحتفلين بشوارع الجزائر التي رددت “الجيش والشعب إخوة” مما أعاد للأذهان هتافات المصريين عقب تنحي “حسني مبارك”، “الجيش والشعب إيد واحدة”.

 

وفي مصر، وبعد حراك واعتصام وثورة استمرت 18 يوما وخلفت عددا كبيرا من القتلى والمصابين، تنحى مبارك تحت ضغط الشارع والجيش، ليتولى المجلس العسكري إدارة البلاد لفترة، قبل أن تجرى الانتخابات الرئاسية التي جاءت بأول رئيس مدني لم يلبث في الحكم أكثر من عام ثم انقلب عليه الجيش بعد فترة من الاضطرابات التي مهدت لذلك.

 

وفي الجزائر، ظهرت قيادة الجيش مصطفة إلى جانب الحراك الذي يطالب برحيل بوتفليقة، وكان لضغوطها -إلى جانب الحراك المستمر في الشارع- دور مؤثر في قرار استقالة بوتفليقة، لتدخل البلاد مرحلة انتقالية، حيث ينص الدستور على تولي رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها تسعون يوما تنظم خلالها انتخابات رئاسية لا يمكن لرئيس المجلس الترشح لها.

 

رجل الإمارات

 

وطالب رئيس أركان الجيش الجزائري “أحمد قايد صالح” “بوتفليقة” بالاستقالة، حيث كانت هناك مقاومة لمثل هذا الطلب من داخل القصر الرئاسي، وخاصة من قبل شقيق “بوتفليقة”، “سعيد”، إذ يؤكد المراقبون أن “سعيد” كان هو القائد الفعلي للجزائر منذ مرض شقيقه بالسكتة الدماغية عام 2013.

 

تطرح تكهنات أن “قايد” بحكم علاقته بعائلة “بوتفليقة” نسج خيوطا متينة جعلته مدللا لدى ولي عهد أبوظبي وحكام الإمارات.

 

 

وتناولت صحيفة “لوموند أفريكا” الفرنسية، موضوع العلاقات المالية المتشابكة بين أصحاب النفوذ في الجزائر والإمارات، والذي نشر تحت عنوان “الدبلوماسية العنيفة التي تتبعها الإمارات”.

 

وكشفت الصحيفة أن “قايد” هو المتحكم في ميزانية سنوية ضخمة مخصصة للتسلح تقدر بـ11 مليار دولار، وهو مرحب به في الإمارات، التي حشرت نفسها ضمن مشروع تعاون بين الجيش ومجموعة “مرسيدس بنز” الألمانية.

 

كما أن مجموعة “توازن” الإماراتية وقعت مؤخرا على اتفاق ضمن المشروع الجزائري-الألماني لدعم الصناعات الميكانيكية داخل وزارة الدفاع الجزائرية التي يشغل “قايد” منصب نائب وزيرها.

 

ويمكن القول إن ما نسج من روابط مالية مشبوهة في كل من الجزائر وأبوظبي يفسر الحلف الصلب الذي نشأ بين عائلة “بوتفليقة” و”قايد” في مواجهة التحركات الشعبية منذ اندلاعها، في فبراير/شباط الماضي، بحسب “لوموند أفريكا”.