لم تخمد ثورات الربيع العربى بعد، مر ثماني سنوات على اندلاع أول ثورة على حاكم عربي في تونس حتى اسقطته.

 

وانضمت الإسبوع الماضي دولة الجزائر للثورات واسقطت “بوتفليقة”، واليوم تصر السودان على سقوط حاكمها “عمر البشير”.

 

خرج آلاف المتظاهرين السودانيين إلى شوارع الخرطوم. ووصلوا إلى مقر قيادة الجيش، وسط العاصمة، لأول مرة، منذ انطلاق المظاهرات السودانية في ديسمبر/ كانون الأول الماضى.

 

ودعا تجمع المهنيين السودانيين والقوى المتحالفة معه إلى اعتصام مفتوح أمام مبنى القيادة العامة للجيش السوداني في قلب العاصمة.

 

وقال في بيان “آن الأوان ألا نعود حتى يتنحى “البشير”، وندعوكم ألا تبارحوا ساحات شارع القيادة العامة، فقد حررتموها بعزيمتكم وصبركم وإرادتكم التي لا تلين”.

 

ودعا البيان السودانيين في الولايات المختلفة إلى تنفيذ اعتصامات تزامنا مع اعتصام الخرطوم.

ويذكر أن مبنى قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم، يقترب من المجمع السكني الرئاسي.

 

ودخل مئات المحتجيين بيت الضيافة الذي يضم مقر إقامة “البشير” في الخرطوم.

 

وطالب المتظاهرون  بتنحي الرئيس السوداني، وبالحرية والعدالة، كما طالبوا الجيش بدعمهم وبالانحياز لمطالبهم، وسحب ثقته من البشير ونظامه، والقيام بمهامه الدستورية في حماية البلاد وشعبها.

 

وعلى الجانب الآخر، ضربت قوات الجيش طوقا حول مقر القيادة دون محاولة تفريق المتظاهرين، واستخدمت قوات الأمن قنابل الغاز والهراوات في محاولة لإبعاد المتظاهرين.

 

واغلقت السلطات ستة كباري، الخاصة بنقل السودانيين من أحياء مدينتي بحري وأم درمان إلى داخل مدينة الخرطوم، وذلك في محاولة للحد من تدفق مزيد من المتظاهرين إلى مقر القيادة العامة للجيش السوداني في قلب الخرطوم.

 

ويذكر أن هذه المظاهرات جاءت تزامنا مع ذكرى انقلاب أطاح بحكم الرئيس السابق “جعفر نميري” فى6 إبريل/نيسان عام  1985 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.

 

وخرجت مظاهرات مماثلة في عدد من المدن السودانية، أبرزها من مخيم “كلمة” لنازحي دارفور المتاخم لمدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وفي عطبرة شمال السودان، وفي القضارف وكسلا شرق السودان.

 

وفي نفس السياق، لوح المتظاهرون بالعلم السوداني، ورددوا شعارات تطالب بالحرية والسلام والعدالة.

 

وبحلول المساء هدأت الاشتباكات مع ابتعاد قوات الأمن، مما أتاح للآلاف من المتظاهريين البقاء أمام المجمع. وردد المتظاهرون الأغاني الوطنية ورقصوا. واعلنوا استمرار اعتصامهم لحين تنحي البشير.

 

رد البشير

تعامل البشير مع مظاهرات السودانيين التى بدأت من أربعة شهور، وكأن البشير على وشك الاستجابة لمطالب المتظاهرين، إلا أنه أعلن حالة الطوارئ.

 

وزاد بطش قوات الأمن، واستخدامت قنابل الغاز في الشوارع بشكل عشوائي، واستخدامت العنف بشكل متكرر، وممارسة الاعتقالات من صفوف المتظاهريين.

 

وتتهم السلطات السودانية بإلقاء القبض على نشطاء بارزين واستهداف مسعفين.

 

وتقول السلطات إن 31 شخصا قتلوا خلال العنف المرتبط بالتظاهرات، إلا أن منظمة “هيومن رايتس ووتش” تشير إلى أن حصيلة القتلى تصل إلى 51 شخصا.

 

ويقول حقوقيون إن لديهم أدلة على وقوع جرائم قتل وملاحقة قضائية وعمليات تعذيب بحق المتظاهرين السلميين والمسعفين الذين كانوا يتولون علاجهم.

 

وفي بيان من لجنة أطباء معارضة إن المتوفى في مظاهرات أمس طبيب مختبر. ولعب الأطباء دورا بارزا في الاحتجاجات التي لقي خلالها عشرات الأشخاص حتفهم خلال الأشهر الماضية.

 

لماذا الجيش؟

في الوقت الذي يحذر الجزائريين من الجيش، يلجأ الشعب السوداني للجيش مطالبينه بالوقوف إلى جانبهم لإزاحة البشير عن السلطة.

 

وبرر السودانيون ذلك  بإن القوات المسلحة وقفت بجانب الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت ضد الحكام المستبدين ويشيرون إلى انتفاضتهم عام 1985 ضد ” النميري” الذي ظل لفترة طويلة في السلطة.

 

ومهد سقوط النميري الطريق لانتخابات عامة وحكومة مدنية أطاح بها “البشير” في انقلاب عسكري في عام 1989. ويتولى البشير السلطة منذ ذلك الحين.

 

والجدير بالذكر، أن “البشير” أجرى تعديلات في قيادة الجيش السوداني في فبراير/شباط الماضي، وعين الفريق “عصام الدين مبارك” وزير دولة للدفاع، كما أجرى تعديلا في هيئة الأركان عين الفريق “كمال عبد المعروف” في منصب رئيس هيئة الأركان. وقام البشير بترفيع عدد من الضباط إلى رتبة الفريق.

 

وقال المتحدث باسم القوات المسلحة العميد “أحمد خليفة” إن القرارات جاءت في إطار الإجراءات والتدابير التي تتخذها القوات المسلحة كل عام.

 

ويأتي هذا بعد أيام من إعلان حالة الطوارىء في البلاد وحل الحكومة وتعيين الفريق عوض بن عوف في منصب النائب الأول مع احتفاظه بمنصب وزير الدفاع بالإضافة إلى تعيين قادة عسكريين كحكام للولايات.

 

أزمة اقتصادية

ويذكر أن التظاهرات انطلقت في البداية احتجاجا على ارتفاع تكاليف المعيشة، ولم يكن لها مطالب باسقاط “البشير”، إلا أن سقف المطالب ارتفع وانتقد المتظاهرون حكم “البشير” الموجود في السلطة منذ نحو 30 عاما.

 

والجدير بالذكر، أن الاقتصاد السوداني يعانى منذ فرض العقوبات الأمريكية عليه قبل أكثر من 20 عاما إثر اتهامات للخرطوم بتمويل جماعات إرهابية.

 

ورفعت الحكومة السودانية أسعار الوقود  والخبز في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018. وجاء ذلك بعد ارتفاع معدلات التضخم، وتراجع قيمة الجنيه السوداني بنسبة كبيرة.

 

ويتعرض البشير لانتقادات تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان، تتهمه المحكمة الجنائية الدولية فى 2009 و 2010 بـارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.