احتشد الآلاف الجزائريين اليوم “الجمعة الثامنة”، بالبريد المركزي رفضا لتولي رئيس مجلس الأمة “عبد القادر بن صالح” إدارة الدولة في الفترة الإنتقالية، ومطالبين بمحاكمة “الباءات الثلاث” .
وانطلقت مسيرات مبكرة بالعاصمة الجزائرية، وسط إجراءات أمنية مشددة وغير مسبوقة على مداخل وساحات وشوارع المدينة.
ردد المحتجون هتافات رافضة للرئيس المؤقت للدولة “بن صالح”، وشعارات مناهضة لحكومة رئيس الوزراء “نور الدين بدوي” ورئيس المجلس الدستوري “الطيب بلعيز”. وهتف المتظاهرون بساحة البريد المركزي بعبارة: “الجيش والشعب خاوة خاوة”.
وجه الناشطون في الحراك الشعبي وقادة الأحزاب السياسية المعارضة، نداءات لخروج قوي من الشعب، لحسم الموقف السياسي، وإجبار الجيش والسلطة على التراجع عن خيارهما، والضغط لإقالة حكومة “بدوي” المرفوضة شعبيا.
والجدير بالذكر، أن قرار تعيين “بن صالح” رئيسا مؤقتا، وفق الدستور الجزائري، دفع لانتشار نداءات على شبكات التواصل الاجتماعي تدعو للتظاهر بقوة رفضا لما بات يعرف بـ”الباءات الثلاث”.
تواجد أمني
ولوحظ انتشار كثيف وغير مسبوق لقوات الشرطة الجزائرية في ساحات وشوارع العاصمة، عكس الجمعات السبع الماضية وخاصة بساحة البريد المركزي. ولجأت سلطات مدينة الجزائر لوقف حركة المواصلات بالعاصمة.
وتم وقف حركة قطارات الضواحي والخطوط الطويلة نحو شرق وغرب البلاد، إضافة لإغلاق مترو أنفاق العاصمة وخط الترامواي الرابط بين منطقة رويسو بوسط المدينة ودرقانة بالضاحية الشرقية.
ونصبت الشرطة الجزائرية عدد من نقاط المراقبة على الطريق السريع، الرابط بين المطار شرق المدينة ووسطها ما تسبب في ازدحام مروري.
ويذكر أن قوات الشرطة انسحبت من وسط الشوارع الرئيسية بالعاصمة بعد أن امتلأت بالمتظاهرين.
كما أقامت قوات الدرك الوطني نقاط مراقبة على المداخل الشرقية والجنوبية والغربية للعاصمة.
حاولت الشرطة منع التجمعات أو تفريق المتظاهرين إلى مجموعات صغيرة، وإغلاق المنافذ والطرق المؤدية إلى العاصمة، لمنع وصول أعداد إضافية من المتظاهرين من ولايات الأخرى إلى العاصمة.
ورغم هذه التدابير، تجمع المتظاهرين في الطريق والفضاءات المحيطة بساحة البريد، رافعين الأعلام الوطنية والشعارات.
وعزز الطلبة صفوف المتظاهرين بعد دعوات إلى التظاهر، وجهتها لجان طلابية وناشطون.
ويذكر أن قوات الأمن تجنبت إطلاق القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، بعد موجة الانتقادات التي طاولت استخدامها من قبل الأمن، واتهام الشرطة والحكومة بالعودة إلى الحل الأمني وغلق الفضاءات العامة أمام المتظاهرين، مع إبقاء مساحات هامشية لهم.
وأدان رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان “سعيد صالحي” الاستخدام غير المبرر للقوة وإطلاق القنابل المسيلة وخراطيم المياه على المتظاهرين، برغم عدم وجود أي سلوك من قبلهم يبرر رد فعل الشرطة.
وأشارإلى أن الشرطة تستخدم مجنزرة جديدة تدخل الخدمة، تطلق قنابل صوت داخلية يمكن أن تؤذي المتظاهرين وتصيبهم بفقدان السمع.
وأكد على أنه هذه المجنزرة محرمة دوليا، إذ سبق لمحكمة نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية إصدار حكم بمنع الشرطة من استخدامها.
وفي سياق التطورات السياسية، أعلنت وزارة الداخلية الجزائرية، فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة في الرابع من يوليو/ تموز القادم، وذلك بعد يوم واحد من استدعاء الرئيس المؤقت “بن صالح”، الهيئة الناخبة لهذا الاقتراع.
ودعت الوزارة الراغبين في الترشح لهذه الانتخابات، إلى سحب استمارات جمع التوكيلات من مقرها بالعاصمة.
وحسب الوزارة، فإن سحب استمارات التوكيلات يكون مرفقا بطلب لوزير الداخلية، يعلن من خلاله صاحبه نيته تكوين ملف الترشح لانتخابات الرئاسة القادمة.
أعلن المرشح الرئاسي السابق “علي غديري”، أنه أول مرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
السلطة الحالية
ومن الملحوظ أن السلطة الحالية بالجزائر تعمل بسياسة فرض الأمر الواقع، لتثني الحراك الشعبي على مواصلة طريقه وإسقاط “الباءات الثلاث”، بدءا بجعل تولي “بن صالح” رئيسا للدولة تطبيقا للمادة 102 من الدستور التي تشير إلى تولي رئيس مجلس الأمة مهمة تسيير البلاد عقب استقالة رئيس الجمهورية.
ورغم رفضها منذ تعيينها من قبل الرئيس بوتفليقة المستقيل تحت ضغط الشارع، إلا أن حكومة “بدوي” لا تزال إلى اليوم موجودة، وتسير البلاد، محتمية بما تضمنته بنود المادة 102 التي تجعل الرئيس المؤقت يحتفظ بالحكومة السابقة لأنه لا يملك سلطة إنهاء وتعيين الحكومة.
وفي تناقض يزيد من غضب الشارع، أمر”بدوي” رغم إدراجه ضمن قائمة “الباءات الثلاث” المطالبين بالرحيل، وزراءه بالنزول إلى الميدان ومواصلة عملهم بشكل طبيعي بحجة عدم تعطيل مصلحة المواطن وسير مؤسسات الدولة.
وبالنسبة للحراك الشعبي، فإن سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها السلطة لإفشال سلمية نضال الجزائريين ما هي إلا محاولة يائسة، وتدفع الحراك الثورى للمواصلة لتحقيق ما يسعى له، لأن هذه الإجراءات لن تقدم أو تأخر، بل تدفع لإطالة الأزمة لا حلها.
اضف تعليقا